دولة المعاشات لا تبنى المستقبل | بقلم وليد عبد الرحمن

فى مصر دولة المائة مليون نسمة 60 فى المائة منهم من الشباب وجيل الوسط نجد اننا أمام مشهد عبثى مستفز بانتشار الاف من المستشارين ممن هم فوق سن الستين عاما أى بعد الخروج إلى المعاش فى الوزارات والهيئات الحكومية والمؤسسات القومية والحكومية والتى تحصل على دخلها من الدولة أى انهم يزاحمون الشباب فى اجورهم وفى مواقعهم وفى الترقى إلى المناصب القيادية.
وعلى الرغم من أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يسعى جاهدا لتمكين الشباب ولا يألوا جهدا فى دعم حصول الشباب على فرص للقيادة ، بل وأطلق العديد من المبادرات الداعمة للشباب المصرى وحصوله على فرص فى الترقى والقيادة ، الا أن كافة وزارات وهيئات وأجهزة الدولة تسير فى الاتجاه المعاكس له كما لو كانوا فى عناد معه أو يتربصون بشباب مصر.
ولو علمنا أن انتشار هؤلاء المستشارين فى الدولة يكبد خزينة الدولة المليارت من الرواتب والمكافأت والبدلات والانتقالات والمخصصات لهم بخلاف تحمل ميزانية الدولة لمعاشاتهم المقررة فعليا لخروجهم إلى المعاش فتجد أن ميزانية الدولة تتحمل ما لاطاقة لها به من هؤلاء فاصبحوا عبئا على ميزانية الدولة وعلى شباب الوطن.
وحينما تجد أن نسبة البطالة فى مصر تصل إلى حوالى 12 فى المائة تجد فى المقابل من ينبرى ليعد مشروعا لرفع سن المعاش إلى 65 عاما أو 70 عاما وهناك من يتطوع ويخرج بمقترح ( مدى الحياة ) لبعض الوظائف كما لو أن مصر نضب معينها الا من البعض الذين يجب أن يستمروا فى مناصبهم مدى الحياة ، ولا عزاء للشباب.
ولن نتحدث عن الوزراء واعمارهم لانهم فى النهاية عدد قليل لا يجب التعاطى معه ولكن فى دولاب العمل فى الحكومة والقطاع العام وغيرها من قطاعات الدولة المختلفة فالمستشارين يكبدون الميزانيات احمالا اضافية ويحصلون على فرص كان الاولى بها الشباب وجيل الوسط المنسى دائما.
واذا كان هؤلاء المستشارون خبرات نادرة وطفرات فى المجتمع وهو أمر مستبعد فيمكن ان يجدوا فرصهم فى القطاع الخاص الذى سيرحب بهم بل ويطاردهم واحيانا ينتظر خروجهم إلى المعاش او التقاعد للحصول على خبراتهم النادرة وموهبتهم الفذة.
واذا كنا ننوى حقيقة بناء المجتمع المصرى ومستقبله بصورة سليمة فاننا يجب أن نسعى إلى استغلال الطاقات الكامنة فى شباب المجتمع وافكاره المبتكرة والتعاطى معها للتجاوب مع سرعة العصر الذى نعيش فيه والذى يفرض علينا ايقاعا مغايرا تماما لايقاع المستشارين للحاق بعجلة التقدم بين الدول الاخرى وعدم الوقوف محلك سر.
وفى اولى أدبيات الاصلاح الاقتصادى للدول ترشيد الانفاق وهو الامر الذى يفرض علينا لزاما الاستغناء عن المستشارين الذين يكبدون ميزانية الدول المليارات والذين يمكن احلال الشباب وجيل الوسط محلهم بدلا من التعامل مع دولة فوق السن حركتها ابطأ وتواصلها المجتمعى بايقاع هادىء وتجاوبها مع التقدم متراجع.
ونجد البعض ينبرى ليتحدث فى بعض قطاعات الدولة الحكومية عن الابداع وانه لا سن له ولا يجب ان يتوقف ، وهذا فعليا حقيقة لا مراء فيها ولكن الابداع لا يتطلب تولى مناصب قيادية ومزاحمة أو إزاحة الشباب عن تولى القيادة لتحديد الدماء والاستفادة بافكارهم ، فالفنان لا سقف زمنى لابداعه ولكن هذا فى مسارح وسينما القطاع الخاص فهذا مجال الابداع الذى لا يمكن لاحد أن يتحدث فيه.
أحد أهم عناصر محاربة الفساد فى مصر هو محاربة الفساد الادارى وأحد أهم أشكال الفساد الادارى فى الدولة هو تعيين المستشارين الذين هم عبارة عن مجاملات لهم من وزير او رئيس هيئة او رئيس مؤسسة دون سند واقعى او سد لفجوات او غيره بل أن البعض يتم عودته للعمل بعد خروجه إلى المعاش وانقطاعه عن العمل وجلوسه فى منزله لسنوات كما لو كان لديه عصا سحرية سينجح بها فى تحويل التراب إلى ذهب.
منجم الذهب الحقيقى فى هذا المجتمع هو القدرات الكامنة فى المجتمع وتحديدا فى شبابه وجيل الوسط … افلا تعقلون.