خبراء المفرقعات.. أبطال يحتضنون الموت فداء الوطن
تقرير .. عادل محمد
جاء استشهاد الرائد مصطفى عبيد، من شرطة المفرقعات، وإصابة اللواء انتصار منصور، مدير إدارة المفرقعات بالقاهرة، وأمين الشرطة جرجس أنطون حبيب خلال تفكيك عبوة ناسفة كانت معدة لتفجير كنيسة أبو سيفين بعزبة الهجانة بحي مدينة نصر كدليل دامغ جديد على روح الفداء التي يقدمها رجال الأمن بالشرطة المدنية والقوات المسلحة لمصر والمصريين، فأرض الوطن الطاهرة لا ترويها إلا دماء العزة والبطولة، وكامتداد أيضاً لسجل شهداء الواجب الوطني من رجال الشرطة المدنية والقوات المسلحة .
فرغم علم الجميع بمدى فداحة المهمة الخطيرة التي يقوم بها خبراء المفرقعات .. إلا أن أي صاحب إحساس إنساني ستنهار مشاعره بل وقواه العقلية وهو يشاهد كيف يتطاير جسد الشهيد ثم يتفتت قطعة قطعة بفعل شدة فتك المواد التفجيرية التي يقوم بتجهيزها الإرهابيون بعدما كفروا بجميع مبادئ البشرية وابتدعوا ديناً جديداً يخصهم وحدهم شعاره القتل وسفك الدماء غدراً وخسة وخيانة، لإراقة دماء الأبرياء .
ويشير الواقع إلى أن مأمورية ضباط المفرقعات ليست مجرد عمل روتيني يستيقظ المتخصصون فيه كل يوم ليبدأوا عملهم ثم يعودون إلى منازلهم ، فطبيعة هذه المهمة الأمنية الخطيرة تؤكد أن الموت هو القاعدة والحياة هي الاستثناء لهؤلاء الفدائيون، وليس أدل على هذا من استشهاد خبيري مفرقعات تابعين للقوات المسلحة خلال مداهمة رجال الأمن لإحدى البؤر الإرهابية بمنطقة عزبة عرب شركس بالقناطر الخيرية وبعدهم خبير مفرقعات بالحماية المدنية الذي فاضت روحه الكريمة إلى بارئها لحظة محاولته تفكيك قنبلة وضعها الإرهابيون في محيط قسم شرطة الطالبية بالهرم .
ومع تكرار الجرائم الإرهابية الخسيسة .. بات العبأ أكبر والموت أقرب لهؤلاء الفدائيين الذين لا يترددون في المجازفة بأرواحهم في مواجهة المتفجرات القاتلة التي لا ترحم ولا تعطي مهلة لاحتمال الخطأ، فهم يعلمون تماماً أن نسبة نجاتهم لا تتعدى 1% ورغم ذلك لا يتوانون للحظة في تقديم أرواحهم فداءً للآمنين .
ويكشف خبراء أمنيون بعض تفاصيل طبيعة عمل خبراء المفرقعات .. فبمجرد تلقي بلاغ عن وجود جسم غريب يخرج على الفور فريق الكشف والتعامل مع المفرقعات في السيارة الخاصة بهم والمجهزة بأحدث الأدوات، وفى مكان البلاغ يتم عمل كردون لإبعاد المواطنين عن العبوة التي يشتبه فيها، وفي نفس الوقت تكون الكلاب البوليسية المدربة على كشف المتفجرات بصحبة ضباط الحماية المدنية وخبراء المفرقعات فيتم البدء بأول كلب فإذا كانت هناك متفجرات بالفعل يجلس بطريقة معينة .
ولمزيد من التأكد يتم إبعاده والاستعانة بكلب مدرب آخر، فإذا فعل نفس الشيء تبدأ مهمة فريق تفكيك المتفجرات، أما إذا حدث تناقض بين رد فعل الكلبين يقوم فريق التفتيش من خلال أجهزة الكشف المتاحة بتصوير الهدف محل الاشتباه سواء كان سيارة أم حقيبة أو غير ذلك، للتأكد من احتوائه على متفجرات من عدمه .
وبعد التأكد عن وجود متفجرات يبدأ خبراء المفرقعات في التعامل معها بإحدى ثلاث طرق هي : ” الروبوت الآلي” ، وفى هذه الطريقة يظل قائد الفريق في السيارة ويتعامل مع العبوة محل الاشتباه من خلال الروبوت على بعد 500 متر .
حيث يتحرك ” الروبوت” ويهز العبوة ويفجرها بنفسه، وهذه الطريقة رغم أنها آمنة بالنسبة لضابط المفرقعات لكنها غير مفضلة لدى أغلب الخبراء عالميا .. والذين يفضلون التعامل مع العبوة بشكل مباشر لكى يأخذوها ويعرفوا ما بداخلها، لأن التعرف على ما بداخلها من مكونات يمكن فريق البحث من تحديد هوية الجناة، وهناك طريقة ” نصف الآلي” وفيها يرتدى ضابط المفرقعات البدلة المخصصة لذلك ويذهب بها للتعامل مع القنبلة .
أما الطريقة الثالثة فتعتمد على التعامل اليدوي عن طريق البكر والحبال، ودون استخدام الروبوت أو البدلة، والذى يحدد اختيار رجل المفرقعات لأى طريقة من هذه الطرق هو عملية الكشف ونجاحها فى التشخيص السليم للعبوة الموجودة، ليس هذا فحسب بل هذا التشخيص قد يجبر فريق التفتيش على التعامل مع العبوة فى نفس المكان دون نقلها لمكان آخر إذا كانت ضد الهز وأي حركة لها تجعلها عرضة للانفجار .
أما إذا كانت عبوة زمنية، فلابد من سباق الزمن معها قبل ان تنفجر ومهما كانت الخسائر، في حين أنها لو كانت بالريموت كنترول، يتم على الفور التعامل معها بإخطار جهات البحث المرافقة لكى تبحث بسرعة عن الشخص الذى في يده هذا الريموت حتى لا يفجره، وبالتالي تمثل عملية القبض عليه السيطرة على العبوة، وبناء عليه فإن عملية الكشف تعد أهم مرحلة في تحديد طبيعة التعامل مع العبوة الناسفة .
وتضم إدارة المفرقعات، التابعة للإدارة العامة للحماية المدنية بوزارة الداخلية، عددا كبيرا من الخبراء الذين يتمتعون بقدرات فنية عالية جدا، ويتم تدريبهم على أحدث الأجهزة وحاصلين على دورات وفرق دولية عالية المستوى، ولذلك فإن قدراتهم في التعامل مع القنابل والمفرقعات تتم بشكل احترافي، لكن بوجه عام يعتمد منهج التعامل الفني مع المتفجرات على اختلافها على وجود بطارية أو مصدر للطاقة ومفجر أو بادئ اشتعال، وأخيراً المادة المتفجرة، ويتلخص عمل خبير المفرقعات في قطع الطاقة عن وحدة التفجير .
هذا بطبيعة الحال إلى جانب مكونات نفسية يجب أن تتوافر من الأساس في خبير المفرقعات في مقدمتها الشجاعة والإقدام والفدائية وهذه أمور في غاية الأهمية هذا طبعا بخلاف الذكاء الحاد وعبقرية التصرف وحسن التدبير وهي جميعاً معايير يقاس على أساسها تميز خبير مفرقعات عن آخر .
وقبل كل ما سبق فإن العقيدة الحاكمة لهؤلاء الأبطال، من خبراء تفكيك المفرقعات وغيرهم من حماة الوطن، هي تقديم الدماء والأرواح وكل غال ونفيس فداءً لأخوانهم المصريين .. ليضربون أروع أمثلة في التضحية من أجل أمن وسلامة الوطن والمواطنين .