حلق الست زينب!! .. بقلم إيمان إمبابى
حلق الست زينب!!
الأخ “المثكف”.. الأخت “المثكفة”.. الأخ “الناشط”.. الأخت “الناشطة”.. الإخوة والأخوات من “اللى مش عاجبهم العجب”.. سخروا ثم سخروا ثم سخروا.. ولم يكتفوا.. من كل شىء.. من اكتتاب المصريين فى أسهم قناة السويس الجديدة.. التى يحلو لهم تسميتها “ترعة” أو “تفريعة”.. أو أي كلام بلا معنى يمكن أن يقال.. من تبرعات المصريين لصندوق “تحيا مصر”.. وسمعنا “درر” من الأخت “المذيعة” التى صدعتنا كثيرا بالحديث عن الفقراء.. والعدالة الاجتماعية.. ثم “تحفتنا” بأن: “الأوطان لا تبنى بالتبرعات”!!.. ثم أغلقت فمها عندما شاهد العالم أن مصر تبنى بمشاركة المصريين وليس تبرعات.. هؤلاء جميعا عادوا مرة أخرى لسخرية ثقيلة الظل من حلق السيدة زينب سعد الملاح.. صاحبة أغلى حلق فى مصر.. لأنها تبرعت به لمصر..
فى تاريخ مصر – الذى لا يعرفه هؤلاء – عشرات.. ومئات.. وآلاف القصص التى لن يفهموها.. لأنها خلطة مصرية خالصة.. قصص لم تكن أولها قصة جدتى – والدة أبى – التى لم أعاصرها لكنها حكيت لى.. ولكل جيلى فى العائلة حتى لا تنسى.. قصة “الحلق” الذى تبرعت به جدتى “للمجهود الحربى” فى الستينات.. جدتى وآلاف الجدات تبرعن بذهبهن لصالح المجهود الحربى.. سمعتها مرات ومرات.. منها أحيانا ومن والدى أحيانا أخرى.. وعندما تحكى هذه القصة – من أى منهما – تصاحبها طقوس حفرت فى ذاكرة طفلة – أنا – وكبرت معها.. عن شكل الحلق ووزنه.. و”الصرة” التى وضع فيها الحلق مع قطع ذهبية كثيرة لنساء أخريات من الجيران.. وأخذها والدى لتسليمها.. لمصر.. قطار الفنانين الذى قطع المسافات فى طول مصر وعرضها.. يحمل فنانين مصريين يقيمون حفلاتهم.. ويتبرعون بدخلها لصالح المجهود الحربى.. مصر للطيران التى حملت طائراتها فنانين مصريين أيضا.. يطوفون الشرق والغرب.. يقدمون عروضا ذهب دخلها للمجهود الحربى.. المجهود الحربى الذى بنى جيش مصر بعد نكسة 67.. البناء ليس المال الذى يشترى السلاح والعتاد.. وليس الجهد الذى يبذل فى التدريب والاستعداد.. البناء.. بناء روح الجيش المصرى.. ما فعله المصريون فى الستينات – وما أدراك ما الستينات – هو بناء روح الجيش المصرى التى انكسرت بعد 67.. بناء روح مصر التى هزمت بانكسار الجيش فى الحرب.. بناء الروح تم بإيدى كل المصريين.. بالقرش والجنيه والأوانى النحاسية والأساور الذهبية.. وحلق جدتى!!
حلق “الست زينب”.. غالى جدا.. وحلق جدتى غالى جدا.. والجنيهات التى يقدمها المصريين كل يوم فى صورة “صباح” على مصر.. غالية جدا.. غالية لأنها تعيد الروح لجسد تم سحب كل وسائل الحياة منه على مدار 40 عاما.. غالية لأنها تسهم فى مد أيادى المصريين للأرض البور فتزرعها.. لأبواب مصانع صدأت من طول غلقها فتفتحها وتنيرها وتدير عجلات العمل فيها.. لبشر يعيشون أمواتا فتحنو عليهم وتأخذ بأيديهم إلى الحياة.. غالى حلق “الست زينب” على مصر..
أما أصحاب الدم الذى يعتقدون أنه “خفيف”.. فدعهم يتحدثون عن “القمع” و”التطبيل” وتأييد “دونالد ترامب”.. معتوه جديد يضاف إلى معاتيه كثر حول العالم.. ولدينا منهم فى مصر من تحولوا إلى مسخ يسخر منه المصريون.. فقأوا أعينهم بأيديهم.. وطمسوا على قلوبهم.. ولم يعد لديهم سوى الندب على زمن “الثورة” الذى ولى.. وعلى نجومية زائفة ضاعت من أيديهم فى لحظة يقظة مصرية.. وعلى حلم الوصول إلى السلطة.. عبر فضائية أو حزب أو منظمة حقوقية.. بعدما قطعت مصر “الحبل السرى” الذى كان يربطهم بسفارات أمريكا وأخواتها!!
إيمان إمبابى