حقا .. تاريخية | بقلم محمد ناقد

زيارات رسمية كثيرة مرت على مصر وكنت أسمع كثيرا عليها زيارات تاريخية وكنت أتوقف كثيرا عند هذا المصطلح ولم أدرك قيمته ومعناه حتى جاءت زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان أعز الله شأنه وما صاحب الزيارة من ترتيبات خاصة للدولة المصرية لاستقبالة وما أثير قبل حضوره من قرار المحكمة الدستورية ببطلان جميع الأحكام الصادرة من محكمتي القضاء الإداري والأمور المستعجلة والخاصة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية لانها من الأعمال السيادية وهو ما صاحبها من قلق لدى بعض جموع الشعب المصري وربط بينهما حتى أعلن عن جدول الزيارة.
هنا توقفت وأدركت الكثير من المعاني الخفية بين الأسطر المعلنه لهذه الزيارة وأدركت مسبقا أنها حقا ستكون تاريخية لانها مفترق الطرق بين ثقافات أجيال مضت وبين ثقافات أجيال آتيه فهي حقا تاريخية، لأن التاريخ سيتغير مجراه عند تلك الزيارة واستوقفني عدة مشاهد دالة ومؤكدة على كونها زيارة تايخية.
أولها أختيار مصر كأولى المحطات الخارجية للأمير محمد بن سلمان والتي تسبق زيارته للندن وواشنطن واحتمال باريس وتصريح الأمير بأنه إذا نطقت مصر فهي تتحدث بـ لسان المملكة العربية السعودية والعكس صحيح وهي رسالة للمحطات التالية بأن وحدة مصر والسعودية ليست محل شك لأن مصالحهما وأمنهما في وحدتهما وليس هناك مجال للمزايدة على هذه العلاقات.
وهنا ننتقل لجدول الزيارة التي أعد بحنكة ودراية مخابراتية عالية الجودة، فبداية الزيارة كانت لأكبر مشروع قومي يمتلكة الشعب المصري وانشأة بمالة وبعرق أبنائه ليشاهد الأمير مدي قدرة المصري على التحدي والإرادة وأنه لا يوجد حائل بينه وبين بناء مستقبلة وهنا أعلن عن الشراكة الاستراتيجية بين حلم السعوديين في مشروع نيوم وبين حلم المصريين في مشروع محور قناة السويس ليجتمعا الحلمين وتتوجه الإرادة لتحقيقهما معا بإنشاء أكبر صندوق استثماري تبلغ قيمته 16 مليار دولار ليحقق أبناء الشعبين أمالهما معا يدا واحدا لن تفصلهما إلا الموت.
ثم يأتي المشهد الأعظم في الزيارة والذي رسم نهج وتوجه المملكة السعودية في تدمير المفاهيم الخاطئة على مر العصور بزيارة الكاتدرائية المرقسية والبابا تواضرس في أول زيارة رسمية لمسئول سعودي للكتدرائية المرقسية بالعباسية ناهيك عن الرسائل التي ارسلت منها للعالم بتغيير ثقافة شعب وعادات أمه أرادت تطبيق الإسلام المعتدل بحقيقته وهي الرسالة الأهم في الزيارة للمحطات التي تلي زيارته لمصر.
وجاء المشهد الذي لا يقل عن سابقيه وإنما مكملا ومؤكدا له الا وهو الفن والثقافة عماد الأمم فجاء حضور الأمير بصحبة الرئيس عبد الفتاح السيسي لعرض مسرحي بدار الأوبرا اعترافا منه بقيمة الثقافة والفن في تشكيل وجدان وثقافات الأمم المتحضرة والمتقدمة وهنا الإشارة الأهم بالإعلان عن السعودية الجديدة في ثوبها الجديد.
وكان خير الختام وخير الرسالة زيارة منارة العلم والإسلام الوسطي والتأكيد على أن تشجيع الفن والثقافة والتواصل بين الأديان يجب أن يكون تحت غطاء الإسلام الوسطى والذي يقوده منذ فجر التاريخ الأزهر الشريف رغم كيد الكائدين ولو كره الكارهون فجاء افتتاح إعادة تطوير الأزهر الشريف ليس بجدرانه ولا حوائطة وإنما شمل التطوير أفكاره ومناهجة فتواجد الرئيس والأمير والإمام رسالة للعالم بوسطية الإسلام وتعاليمه وليعلنوا الأزهر الشريف منارة للعلم كما كان وسيظل منارة شامخة في سماء العالم الإسلامي فكانت حقا ختامها مسك برائحة السلام والمحبة والتسامح مع الآخرين ومواجهة التطرف والإرهاب بكل شدة وحزم لذا أدركت حينها معني كلمة زيارة تاريخية فهي حقا تاريخية.