” جماعة ” الأستاذ وحيد!! | بقلم إيمان إمبابى

راوحت كثيرا فى الكتابة عن هذا المسلسل .. أن أكتب الآن, أو أنتظر لنهايته .. لكن وضوح رؤية الكاتب, بعد 15 حلقة, بالنسبة لى دفعنى للكتابة .. لا سيما أننى لن أكتب فى نقد عمل فنى أو إبداعى .. كما يحلو للبعض أن يستخدم هذه الجملة وغيرها كمتاريس أمام من يريد الكتابة عن رؤية غير منضبطة لعمل يتحدث عن التاريخ!
رؤية الأستاذ وحيد باتت واضحة جدا بالنسبة لى بعد صبر لمشاهدة أول عشر حلقات من المسلسل .. أما أهدافه من هذا العمل فهو فقط أعلم بها!!.. ولا تعنينى أسبابه بقدر ما يعنينى وغيرى التوقف للحظة تفكير بهدوء عن تخريب هذا العمل لجزء عزيز وحساس من تاريخ مصر الحديث .. فى فترة غاية فى الصعوبة .. تشابه كثيرا الفترة التى نعيشها الآن .. فترة تغيير نظام حكم فاسد .. بالتاريخ والوثائق والأحداث .. وهى بالمناسبة موجودة لمن يرغب فى التحقق منها .. فسادها لم يكن فى رأس الحكم فقط .. بل أيضا فى رجال المال والصيارفة الذين أطلق عليهم “الإقطاع”.. وفسادها أيضا فى أحزاب عديدة نشأت وانتعشت تحت جناح الملك وحاشيته, والاحتلال ورجاله .. والوثائق تذكر بالتفاصيل كيف أن حركة الصهيونية العالمية وجدت ملاذا آمنا لها .. فى كنف هؤلاء قبل قيام دولة إسرائيل .. وكيف كانت تعقد مؤتمراتها فى قلب القاهرة .. وكيف ضمت منطقة “وسط البلد” مقرات للحركة الصهيونية .. وفساد هذه المرحلة أيضا كان فى تغلغل ونفوذ جماعة الإخوان الإرهابية .. بنشاطها وتجارتها وسلاحها وعلاقاتها بأجهزة مخابرات دولية .. تلك التفاصيل الصعبة والمتشابكة .. هى التاريخ الذى جرى تشويهه فى “جماعة الأستاذ وحيد”!!
أما الفترة التى طالها أكبر تشويه فى الحلقات الـ15 الأولى.. فهى السنوات من 52 وحتى 54 .. فى “جماعة الأستاذ وحيد” إكتشفت تاريخا جديدا غير الذى قرأته بأم عينى فى الكتب القديمة والمراجع والوثائق .. التى هى متاحة بالمناسبة لكل من أراد أن يعرف تاريخ بلده .. إكتشفت أن الزعيم جمال عبد الناصر كان رجلا ضعيف الشخصية .. مهزوزا .. وفى الأصل كان “إخوانيا”!!.. اسقاط متعمد لاتصال ناصر بكل التيارات والأحزاب قبل الثورة .. التركيز فقط على أنه كان “إخوانيا” .. تسطيح فكرة بأقصى ما يحتمل التسطيح لفكرته من وراء هذه الاتصالات المكثفة .. مع تأكيد إخوانيته بتعامل الإخوان معه أو حديثهم لبعضهم البعض عنه باعتباره واحدا منهم .. وبما يشى بأن تنظيم الضباط الأحرار فى الأصل أسسه مجموعة من الإخوان!!.. فلم يكن لديه رؤية لما بعد حركة الجيش .. التعامل مع تفاصيلها وتداعياتها كان يتم يوما بيوم .. يستيقظون صباحا .. فيتوجهون لمجلس قيادة الثورة ليسألون بعضهم البعض “هنعمل إيه النهاردة”!!.. يغرق ورفاقه فى أى مأزق كما يقول المثل الشعبى “فى شبر مية”.. و”الأستاذ” سيد قطب هو الأب الروحى والمفكر والمنقذ للضباط الأحرار!!.. هو صانع الأحداث الخطيرة والمهمة.. وهو الوحيد القادر على حل المعضلات والمعوقات!!
الزعيم جمال عبد الناصر كان يتلقي الأوامر دائما من “الأستاذ” سيد .. و”الأستاذ” يناديه طوال الوقت باسم “جمال” بلا ألقاب .. يزجره أحيانا .. ويسخر منه أحيانا أخرى .. وعلى نفس النهج كان أعضاء مجلس قيادة الثورة .. “يغرقون فى شبر مية”.. اجتماعاتهم تساؤلات يائسة عما سيفعلون فى موقف ما .. وتردد دائم فى اتخاذ قرار بعينه .. و”الأستاذ” سيد يمارس اللعب بهم مستمتعا بسذاجتهم .. يحكى ويتندر مع المحيطين به متفاخرا بذكائه .. وبقدرته على التلاعب بمن خلعوا الملك .. وغيروا نظام الحكم!!
بعد حوالى 7 حلقات من المسلسل .. تساءلت جديا, هل هذا عمل درامى أو تاريخى أو كوميدى .. أحيانا كنت أعتقد أن الأستاذ وحيد كان يستهدف مسلسل كوميدى .. فى رسم السيناريو بطريقة أفلام الكارتون .. أو حتى رسم الشخصيات بطريقة الكاريكاتير!! وإلا ما هو تفسير الجرأة المتناهية للمسئول عن “النظام الخاص”, التنظيم المسلح للجماعة “عبد الرحمن السندى .. جرأته على الدولة المصرية .. وعلى مجلس قيادة الثورة .. وعلى مرشده حتى!!.. وهل حسن الهضيبى المرشد الثانى كان دخيلا على الجماعة كما أورد الأستاذ وحيد فى نصه “المعطوب”؟.. الهضيبى كان رفيقا للبنا.. وكان عضوا بالجماعة منذ بداية الأربعينات من القرن الماضى.. إلا من وجهة نظر إخوانية لاحقة.. غاضبة مما فعل الهضيبى .. أو طامعة فى مكان شغر بمقتل البنا!!
سؤال آخر ضمن العديد من الأسئلة الاستنكارية التى آثارتها “جماعة الأستاذ وحيد”.. هل الإخوان أصحاب فكرة تقنين الملكية الزراعية .. التى عرفت بقوانين الإصلاح الزراعى الأولى فى 1952؟.. ولماذا لم يذكر أصحاب الفكرة الذين تقدموا بها – بالمناسبة – قبل الثورة للملك .. الراحلين سيد مرعى وابراهيم شكرى؟..
كذا شخصية زينب الغزالى .. تلك الشخصية المحورية فى تاريخ الجماعة الإرهابية .. والتى لعبت أدوارا مهمة ليس لحسن البنا فقط .. بل للتنظيم الخاص أيضا .. وفيما بعد فى قضية الفنية العسكرية .. فهى من آوت فى بيتها الفلسطينى صالح سرية قائد التنظيم لمدة 3 اشهر .. وكانت عرابة هذا التنظيم .. أما كتابها الكاذب الذى يفخر به الإخوان “أيام فى حياتى” .. الذى كشف فى 2011 ابراهيم منير أنه مؤلف هذا الكتاب .. وأن به الكثير من المبالغات عن تعذيبها فى السجون .. وهو حوار موثق على قناة الجزيرة .. المهم أن “جماعة الأستاذ وحيد” يقدم لنا تلك السيدة .. “كحقوقية” متحضرة عصرية .. تجتمع فى مقر جمعيتها بنساء سافرات ومحجبات .. لمناقشة امور الوطن .. بطريقة محببة كأى امرأة مصرية أصيلة .. وتبدو هادئة متدينة متسامحة .. عكس تلك الشخصية تماما .. وأيضا الوثائق تحمل الكثير لمن يريد أن يتعرف على دور هذه “الكوبرا” فى الجماعة الإرهابية!!
أما “الأستاذ” سيد قطب نفسه .. “جماعة الأستاذ وحيد” يقول التاريخ فيها أن الأستاذ سيد كان عملاق الفكر السياسى والاستراتيجى والأدبى أيضا!!.. وفي الحقيقة هذه شخصيه تلفها الكثير من علامات الاستفهام .. نشأته .. وعمله فى وزارة المعارف فى وظيفة إدارية .. نفس تلك الوظيفة تؤهله لبعثة للولايات المتحدة الأمريكية فى نوفمبر عام 1948 .. وهو عام ملتهب التفاصيل بتصعيد العمليات الإرهابية للجماعة .. والحصار الذى ضرب حول مرشدها وأعضائها .. ثم عودته فى أغسطس 1952 .. ومابين بداية بعثته وعودته الكثير من التفاصيل الغامضة والمريبة .. حول الدور الذى أداه فى تلك الفترة .. لا سيما وأن الوثائق المعتمدة للمخابرات الأمريكية .. نشرت الكثير من التفاصيل حول لقاءاته برجالها .. مؤكدة بصور متاحة للباحثين والراغبين فى المعرفة!!
واخيرا .. سؤال ملح .. اين مصر .. بأحداثها الجسام فى تلك المرحلة فى “جماعة وحيد حامد”؟.. مرور عابر على كل الأحداث المهمة .. وتزييف فاضح لأحداث أخرى .. وإسقاط متعمد لذكر أحداث بعينها!!.. أين مصر مابعد الثورة بكل تفاعلاتها يا “أستاذ” وحيد؟!!
هذه قراءة أولية لعمل لا أستطيع أن أسميه – بأى حال – عمل تأريخى .. ولا حتى عمل درامى .. وبعد الحلقة الأخيرة سوف تكون لى قراءة معمقة وتفصيلية .. وأعتقد أنها ستكون غاضبة!!
إيمان إمبابى