توفيق الحكيم ظاهرة فنية حيرت النقاد| بقلم د. إيمان عبد الفتاح
إذا كان الفن وسيلة للفنانين لتوضيح فلسفتهم الخاصة من خلال إنتاجهم الأدبي، فإن الصدق الفني وحرية الفن عند توفيق الحكيم هما أساس تفرده.
فقد كان هذا الكاتب العظيم يحاول تحقيق الكمال لمجتمعه بل ويشعر بحاجة عصره إلى نوع معين من الأدب يكمل به نقصا أحدثه الأدب في اللغات الأخرى منذ ألفي سنة.
وليس بعجيب على كاتب مثله أن يميل إلى القضايا الفكرية ميل غريزي منذ عرف طريق الكتابة، إذن فالحكيم مفكر يحب الفكر امتزج الفكر بطبيعته الفنية فأخرج لنا أعمالا أدبية فاقت الأعمال العالمية.
إذا كان الحكيم يؤمن بأن الفن للمجتمع فكان من الضروري أن أصحح نقطة خاطئة ظلت بأذهان الجمهور ألا وهي أن توفيق الحكيم من أدباء البرج العاجي الذين لا يكتبون عن مشاكل الشعب ولكن الحقيقة أن كاتبنا لا يؤيد فكرة الفن للفن وإنما الفن ملك لجميع طبقات المجتمع بكل تفاصيل حياتهم بل وأذهانهم، ولعل السبب وراء ذلك الاعتقاد الطابع الذهني الفلسفي الذي كان يكتب به أعماله حيث أن المستوى الثقافي لم يكن ارتفع في ذلك الوقت، إلى جانب اللغة القوية التي كان يكتب بها، كل هذا أدى إلى اتساع المسافة بينه وبين الجمهور.
ولقد كتب الحكيم بعض مسرحياته باللغة العربية الفصحى والبعض الآخر باللهجة العامية محاولا بذلك أن يحقق الكمال في الفن ومراعاة مقتضي الحال.
أما من جانب إيمانه بالقضية الإنسانية الخالدة في قيمها العليا وفقا لمبادئه ومعتقداته فإنه يقف على الجانب الآخر بالنسبة للفليسوف الأوربي جان بول سارتر زعيم المذهب الوجودي.
و الحكيم شرقي النزعة يعشق شرقيته – في رأي- يتحدث عنها كثيرا، يدافع عنها، يفتح كنوزها، يبين مميزاتها التي يمتاز بها الشرق عن الغرب وهي الروح.
الروح ليست موجودة في الغرب المادي.. تلك الروح ظهرت حائرة في ( عصفور من الشرق و عودة الروح).
فنراه يسبغ على التراث الأدبي ثوبا جديدا من فكرة إنسانية جديدة في اطار القوالب الفنية الحديثة.. فنري مسرحية شهرزاد التي استلهمت كبار الأدباء يتناولها الحكيم من منظور فكري مغاير تماما لما عهدناه عنها عن سوفوكليس وبرنارد شو وغيرهم من الكتاب.
إلى جانب مسرحية( بيجماليون) التي أظهرت بوضوح الفلسفة الذهنية للكاتب التي هي الصراع بين الخلود والفناء، و مسرحية ( أهل الكهف وسليمان الحكيم وبراكسا) وغيرها من المسرحيات ومسرحية يا طالع الشجرة التي تعد امتداد لمذهب اللامعقول في الأدب.
و نستطيع القول بأن توفيق الحكيم قد أضاف للأسلوب الفني والأدبي ألوانا أخري لم تكن معروفة في عصره مثل الرسائل كما في ( زهرة العمر) واليوميات مثل (يوميات نائب في الأرياف) وكلها ألوان لم يعرفها الأدب العربي من قبل.
وأخيرا لا يسعنا إلا أن نقول أن توفيق الحكيم يمثل مرحلة من مراحل الانطلاق الفكري والحضاري بما أدخله على الأدب من فنون جديدة ظلت وستظل تحلق في سماء الفن.