تعرف على سيرة الرقيب محمد عبدالعاطي «صائد الدبابات» في حرب اكتوبر

يعد البطل محمد عبدالعاطي أحد أبطال سلاح المدفعية، حيث كان يتميز بأخلاقه وثقافته الواسعة وتمسكه بالتقاليد العسكرية، والانضباط العسكري، وتم ترشيحه ضمن فئة من خيرة الجنود؛ لتدريبهم على الصواريخ المضادة للدبابات، وكان دائما يحرص على تنفيذ خطوات التدريب، وقد عٌين ضمن مجموعة الموجهين عندما أصاب الهدف من أول صاروخ في اختبارات الرماية بالذخيرة الحية، وتكرر ذلك في العديد من الاختبارات.
انضم عبدالعاطي بعد ذلك إلى إحدى الوحدات وتوالى التدريب وتنوع طبقا لوظائف أفراد الطاقم، وكان يثبت في كل مرة أنه أهل للعمل على هذا الصاروخ، فكان دائما يحظى بمكافآت تشجيعية والمنح والهدايا؛ تقديرا له على كفاءته ومهارته في التدريب وكلل نجاحه بفوز ساحق لم يحققه غيره عندما أعلن عن مسابقة بين وحدات التشكيل بالذخيرة الحية، حيث أصاب الهدف من أول صاروخ أمام كبار القادة وجميع الضباط والصف والجنود، ويومها تصدق على ترقيته إلى درجة رقيب، وواصل التدريب للحفاظ على هذا المستوى، وكان سببا في ارتفاع الروح المعنوية ومستوى الكفاءة القتالية لدى جميع أفراد الوحدة، ونال أيضا جائزة “أحسن رامي” في مسابقة للجيش الثاني، حيث أجرى الرماية من على تبة رملية على ارتفاع 30 مترا.
وحظى عبدالعاطي في أحد البيانات العملية لاستخدام الصاروخ المضاد للدبابات في ضرب الأهداف الثابتة والمتحركة، على تقدير رئيس الأركان وقتئذ وصدق على ترقيته إلى درجة وكيل رقيب أول، وبهذه الترقية أصبح أقدم ضابط صف في السرية فكان مثالا طيبا لجميع أفراد سريته حتى جاء يوم العبور العظيم الذي كان ينتظره الجميع لتحرير سيناء الحبيبة وليرفرف عليها علم مصر بعد غياب طويل.
وفي صباح السادس من أكتوبر عام 1973 صدر أمر القتال لفصيلة عبدالعاطي “الفصيلة الثانية” محددا به مهمتها، حيث جاء يوم العبور وكان الجميع على أهبة الاستعداد وقد أعد كل فرد مهمته، وكان الجميع يراقب الساعات في انتظار ساعة العبور، وفي الثانية بعد ظهر السادس من أكتوبر العاشر من رمضان كانت الدنيا حوله كمين نحل، وانطلقت القوارب وبها رجال الصاعقة والمهندسين، وإذا بالسماء مليئة بالطائرات المقاتلة، وما هي إلا لحظات حتى أصوات الانفجار قد عمت الضفة الشرقية للقناة، وهدرت المدافع تدك حصون العدو وتزيل أبراج مراقبة وتسقط أعلام فهلل عبدالعاطي ورجاله مكبرين بالصوت كالرعد “الله أكبر الله أكبر”.
وجاءت ساعة عبور عبدالعاطي ورجاله فعبر القناة وسط التهليل والتكبير ولهيب النيران وما أن وصلوا إلى الضفة الشرقية حتى اندفع عبدالعاطي مع فصيلته خلف القائد إلى المكان المحدد له، وكان يبعد عن القناة بمسافة ثلاثة كيلومترات، وسرعان ما تم تأكيد مهمة كل فرد منهم، وفي نفس اليوم احتلت فصيلة عبدالعاطي موقعا على مسافة كيلومتر ونصف، فقامت بتدمير ثلاث دبابات للعدو تباعا.
وفي صباح اليوم السابع من أكتوبر شاهد عبدالعاطي ورجاله أربع طائرات مقاتلة للعدو، وهي تتساقط وكان لذلك أبلغ الأثر عليهم، وصدرت الأوامر بعمل كمين في منطقة على مسافة عشرة كيلومترات من الحد الأمامي لقواتنا؛ لتدمير مدرعة العدو القائمة بالهجوم المضاد، وعند اقتراب الفصيلة إلى منطقة الكمين احتلت تبة عالية من طريق العريش، وقام الجميع بتجهيز مواقعهم وعمل إجراءات الإخفاء وما كادت الفصيلة تنتهي من عملها إلا ورأى عبدالعاطي نحو ثلاث عشرة دبابة تقترب من الموقع، وأطلق عبدالعاطي أول صاروخ في اتجاه الدبابة فدمر ثماني دبابات وزملائه دمروا باقي الخمس دبابات الأخرى، ودامت المعركة نحو نصف ساعة، والجميع يهتفون “الله أكبر” وهنا أطلق على عبدالعاطي “صائد الدبابات”، وبانتهاء المعركة تم انتقال الفصيلة إلى موقع آخر.
وفي صباح التاسع من أكتوبر، فؤجى عبدالعاطي بعربة مجنزرة للعدو، فعلى الفور أهدى إليها صاروخا مباشرا فتم تدميرها وقتل وإصابة جميع من فيها، وصدرت الأوامر إلى فصيلة عبدالعاطي بالانتقال إلى موقع تبادلي، فتم نقل ثلاثة أطقم مجهزة من ذخيرة عبدالعاطي الذي لايزال في الموقع بغرض التأمين لحين تمام استعداد باقي الفصيلة للقتال، فإذا بسبع دبابات معادية تقترب من الوحدة المجاورة لوحدته وبدأت تقصفه بالنيران، وعلى الفور استعد عبدالعاطي ولم يكن معه سوى ستة صواريخ أطلق الواحد تلو الآخر فأصاب ست دبابات والأخيرة لاذت بالفرار، فلقد كان لما حققه أن يجعل الجميع يلقبونه بـ “صائد الدبابات”.
وفي الثاني عشر من أكتوبر، فوجئ عبدالعاطي، بقذائف الدبابات المعادية تنهال من حوله وبمراقبة هذه النيران اكتشف دبابة تختفي خلف دبابة أخرى فأخذ يراقبها حتى انتهت من الضرب وأطلق عليها صاروخا فانفجرت الدبابة وتم تدميرها.
وفي مساء الرابع عشر من أكتوبر، حاولت قوات العدو تدمير مواقع قواتنا بقوة ثلاث دبابات وعربتين مجنزرتين وتمكن عبدالعاطي من تدمير ثلاث دبابات وعربة مجنزرة وفرت العربة الأخرى، وتتوالى المعارك يوم بعد يوم ورجال عبدالعاطي متمسكين بموقعهم يزودون عنه، ملقنين العدو درسا لن ينسى آثار صواريخه مهما طال الزمن.
وظل الموقف على ذلك الحال حتى جاء وقف إطلاق النيران، وهكذا استحق عبدالعاطي عن جدارة لقب “صائد الدبابات” واستحق ما كرمته به مصر التي ترعى دائما أبنائها المخلصين، وأهدته وسام نجمة سيناء من الطبقة الثانية.
[/error]