تزوجوا صغاراً| بقلم عميد د. عمرو ناصف
عندما يتزوج الشباب وهم زمرة العشرين عاماً وتكون زوجاتهم من نفس الفئة العمرية ويرزقهم الله الأبناء فإنهم سيتمكنون من تربيتهم تربية جيدة سوية.. ومعنى ( جيدة ) هنا ليس بالجودة المادية.. فإن المادة – رغم أهميتها – لاتخلق الإستواء النفسى لدى النشأ.. وانما الرضا بما فى اليدين هو من يخلق هذا الإستواء.. ولكن المقصود هنا بالتربية الجيدة هى التربية النفسية، نشر الوعى حتى وإن قلت المصادر، الإحساس بالأمان وإن ندرت الإمكانات، الإعتدال النفسى، الرضا والقناعة حتى وان قل المتاح، … إلخ.
كل أنواع ومناهج التربية تلك من شأنها خلق نفس سوية راضية قنوعة يتولد عندها سعادة وفرحاً بأقل القليل والثقة بالنفس حتى فى اشد لحظات الفشل، فنفوسٌ مثل هذة تربت على السلام النفسى والراحة الذهنية والحوار وحل المشكلات لديها مسميات أخرى لكل صعب وكل خسارة، فالوحدة لديها قَدَر، والحاجة عندها رزق، والإحتياج رضا، والقلق طموح، والخوف حرص، والفشل محاولة جديدة للوصول للهدف.
كل تلك المعانى والجوانب النفسية لن يوفرها إلا أبوين صغيرين، لديهم الطاقة الكافية والمستمرة دوماً للتعليم والمراقبة، وتعديل السلوك، والإقناع الذى ينفى جهالة الملابسات ويولد نظرية المنطق بالحوار ويحلها محل الإكراه والإجبار والعناد، كل ذلك فى ظل إمكانية الأبوين بل وحرصهم هم انفسهم على التعلم إذا اصطدمت الأجيال والثقافات وطرق البحث والتفكير، ولا ننسى الإنطلاق دوماً وبانتظام إلى الساحات والطرقات والمتنزهات، واللعب خارج وداخل البيت أيضاً بانتظام.. فكل ذلك من شأنه أن يفتح المدارك، ويفرض وابلاً من الأسئلة التى إجاباتها الصحيحة والحقيقية عند الوالدين فقط، وتبنى الطفل وتؤسس منهجيته أكثر مما تفعل المدرسة حتى وإن كانت مدارساً نموذجية.
والسؤال هنا..
كيف يملك أباً او أماً قد وصلوا لخريف العمر او قاربوه مثل تلك الطاقات، واين منهم الإرادة على تطبيق كل تلك المتغيرات والنظريات تطبيقاً مثالياً لضمان نتائجاً مثالية لأبناء مثاليين ؟
كيف يستطيع كهلاً أن يجارى طفلاً فى لعبه وحيويته، وكيف ينطلق إلى المتنزهات والحدائق من لايقوى على الحراك أو يستصعبه، بل كيف يطوى فروق الزمان ليختار اللغة والطريقة والمؤيدات ليقود بها مناحى الحوار والاقناع مع من لديه تطورات عصره ولغته السباقة ومقنعاته البراقة، مثل ذلك الأب حرَّى به أن يكون جَدآ، ينشر حكمته على أحفاده ليكمل بها علم الأبوين وتربيتهم العصرية.
لكل هذا..
دعت المجتمعات التحضرية، والعادات العائلية، والأعراف القبلية بل وكل الديانات السماوية إلى الزواج المبكر الذى هو عمارة الأرض والحياة – فى بعض فوائده – ولكن مقاليد التربية والتنشئة هى أصل الفائدة.
فكما أرسل الله عز وجل أنبيائه حين إكتمال الأشد فى الأربعين التى هي عين المناسبة وصرف الطاقة لمجادلة الكبار وذوى الفكر والمنهج الشرك، كذلك فإن أشد الزواج عند الأبوين هو بدايات البلوغ وما بعدها بسنوات قلائل فهى عين المناسبة وجل الطاقة لمجادلة الصغار.
ماذا وقد هدمنا نحن – بفروض الزواج وشروطة – كل مساعى المجتمعات والأعراف والأديان ذاتها حين وضعنا العراقيل والسدود والعنود والمهور والقصور فى وجه كل من أراد أن يعف نفسه وينتج أجيالا سوية ذات فكر وعلم وعقل، تحمل رايات الأمم وتتقدم بمجتمعاتها وتتصدر قوائمها، وأصبح ما أمرت به أدياننا الراسخة و مجتمعاتنا المحترمة وتقاليدنا العريقة تفعله المجتمعات المنعدمة الأديان الحديثة الميلاد والمستحدثة الأعراف والتقاليد وهو ما يجعلها تذخر الآن بالمورد البشرى الذى هو رهان الرخاء والتقدم، ونحن إما قد بتنا و لامورد لنا أو أصبحت مورادنا البشرية مجرد أبناء الشيبة والخريف، أولئك فاقدى السلام النفسى، الذين لم يلعب معهم آباءهم ولم يركضوا خلفهم فى الحدائق ولم يجدوا إليهم منفذاً للحوار، وإتسعت بينهم فجوات الزمن، فكانوا عديمى التأسيس، مهزوزى النفوس، فاقدى المغزى والقدوة، مستهلكين غير منتجين، إن لم ينجرفوا وينحرفوا أجمعين.
.. إستقيموا يرحمكم الله ..