آراءشويّة دردشة

تحياتى لكل ڤيروس| بقلم عميد د. عمرو ناصف

عندما يصبح دور الأب مقصوراً على جلب المال ثم الجلوس على المقهى حتى منتصف الليل، دون متابعة لمجريات امور بيته ولو لعشر دقائق يومية على سبيل الرقابة ( حتى لو وهمية )، ثم يتهم ( لقمة العيش ) بتغييبه عن أهل بيته.

عندما يصبح دور الأم مقصوراً على الأعمال المنزلية، والتدليس على الأب فى تصرفات الإبن الأكبر، أو البنت الصغرى بل وتشجيعهم عليها، ومتابعة المسلسلات، والتحدث الى أخواتها وصديقاتها عبر الموبايل والشات بالساعات، ثم تشتكى ( الساقية اللى مربوطة فيها ).

عندما تصبح المدرسة مجرد أماكن لتجميع الأفكار السيئة والإنحراف الخلقى والمتشردين من التلاميذ دون برامج إصلاح، ويصبح المدرسون مجرد ترجمة حرفية لأجرة الدرس الخصوصى فى المساء.

عندما يصبح المجتمع ومسئوليه رعاة لمبادئ المساواة فى مجتمعنا فى صورتها الخطأ، فيتساوى على أيديهم الرجل بالمرأة فى ( كل شئ )، ثم تتفوق المرأة فى أحيان كثيرة، على إختلاف خلق الله لهم سيكولوچياً ونفسياً وجسدياً وفكرياً، فيتساوى على إثر ذلك بالتبعية ( الشاب بالعجوز )، ( الولد بالبنت )، ( المحتاج بالغنى )، ( الصواب بالخطأ )، ( العيب بالمباح )، ( الحرام بالحلال )، فيرعى الذئب الغنم.

عندما تصبح لغتنا اليومية حروف مفككة ( إنضربت فى الخلاط ) وأخرجت لنا مصطلحات لاترجمة لها ولا حتى للعربية ذاتها، ثم يتداولها الكل مبتسمين.

عندما يصبح الزى الرسمى للجامعة ( البنطلون المقطع والبنتاكور ) وتتعالى صيحات الإعجاب بذلك، ولا حياة لمسئولين، وتصبح البدلة والكرافات ملابس الافراح والمآتم فقط، ويصبح بنطلون الترنح والشبشب ابوصباع ( لبس خروج ).

عندما تصبح ( ترابيزة السفرة ) أو ( الطبيلة ) فى بيوت العائلة مقصورات على العزائم فقط، ولم تعد تجتمع حولها الأسرة ولا لحلقات المذاكرة، ويصبح السندوتش ( عالسريع ) هى لغة طعامنا الأساسية اليومية، ورائحة ( الطبيخ ) و( طبق السلطة ) فى المنزل تعنى مناسبة او زيارة مهمة.

عندما تصبح مشروباتنا اليومية صورة مكررة مختلفة الأسماء من كل ماهو غازى وفوار ولاذع، وينقرض عصير القصب والعرقسوس ومشروباتنا العشبية الصحية.

عندما تصبح ( دار الأوبرا المصرية ) هى المجهول المخيف من الشعب، ولايتابعون حفلاتها وإن سيقت إليهم فى التليفزيون، بينما الكبارية والملاهى الليلية ومسارح الشوارع الخشبية هى كل المعلوم المبهج.

عندما يصبح الفُجر والتردى الأخلاقى سلوكاً عادياً غير ملفت ولا مزعج ولا حتى يبعث على الضجر، بل مقرونا بمقدساتنا ورموزنا واسماءنا وساحات فخرنا، بلطجة فى ستاد القاهرة، تحرش فى حديقة الأزهر، سرقة فى ساحة الحسين، قذارة فى حوش السيدة.

عندما تصبح الدراما وبعض صنوف الإعلام معرض كل تشجيع على الخروج عن الدين والاداب العامة، ومرعى كل الطموحات الشاذة الراغبة فى كل ماهو خطأ، ونجد المسلسل التليفزيونى يتعاطف مع الحامل سفاحا ( عشان بتحبه )، والقاتل ( عشان لحظة ضعف ) ويشجع على العمل فى الكبارية ( طالما شغلانة شريفه )، ويُمنى كل شريف بجواز ومشروعية الأموال والملايين عندما يسرق ( عشان محتاح ).

عندما يصبح الهزل مقبولا من الكل، والإسفاف متفق عليه – ولو ضمنا – لدى الكل، ولا يحيك الإثم فى صدورنا، ولا أحد يسعى حتى للنقد.

تكون إذاً تحياتى لكل ڤيروس بشرى.. وكل بشرى ڤيروس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى