تحديات صعبة تواجه فرنانديز خلال رئاسته الجديدة للأرجنتين
جاء فوز مرشح اليسار البيرتو فرنانديز رئيسا منتخبا للأرجنتين ليضعه أمام مجموعة من التحديات الصعبة التي يتعين عليه مواجهتها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد، والتي تعد الأسوأ منذ 17 عاما.
كان فرنانديز قد فاز في الانتخابات الرئاسية التي عقدت أمس الأول الأحد بعد حصوله على 48.1 من إجمالي الأصوات مقابل 40% للرئيس المنتهية ولايته ماوريسيو ماكري الذي أقر بهزيمته في الانتخابات الرئاسية، وهنأ منافسه فرنانديز مشيرا إليه بـ “الرئيس المنتخب”، ومؤكدا على بداية “انتقال سياسي منظم” بينهما.
وحظى فرنانديز في هذه الانتخابات بدعم كريستينا دي كيرشنر، الرئيسة السابقة للأرجنتين، وزوجة الرئيس الأسبق نيستور دي كيرشنر، والمرشحة لمنصب نائب الرئيس.
وفور الإعلان عن فوز فرنانديز أمس الاثنين، شهدت العملة والأسهم في الأرجنتين مكاسب قوية، حيث ارتفعت قيمة العملة الوطنية، البيزو، بنحو 1.3 % أمام الدولار لتصل إلى 59.1994 بيزو، في الوقت الذي صرح فيه رئيس البنك المركزي الأرجنتيني بأنه سيطرح 50 مليون دولار بسعر 59.999 بيزو لكل دولار، للمساعدة في استقرار العملة المحلية. كما ارتفع مؤشر “مارفال” للأسهم الأرجنتينية بنحو 1% أو ما يوازي 315 نقطة ليصل إلى 30312.3 نقطة.
ويتولى فرنانديز قيادة الأرجنتين في فترة من أصعب الفترات التي شهدتها البلاد التي تعاني من الركود الاقتصادي الشديد، حيث يشهد الاقتصاد الأرجنتيني انكماشا منذ الربع الثاني من عام 2018، وبلغت معدلات التضخم مستويات مرتفعة وصلت إلى 37,7% الشهر الماضي، في حين فقدت العملة الأرجنتينية 20% من قيمتها في الأسابيع الثلاثة الأخيرة و70% منذ يناير 2018، بينما خسر البنك المركزي أكثر من 12 مليار بيزو من احتياطيه، فضلا عن ارتفاع حجم الدين العام وتفاقم البطالة وتزايد معدلات الفقر التي تطول 35,4% من السكان، أي بمعدل واحد من كل ثلاثة أرجنتينيين.
وأشارت تقديرات البنك المركزي الأرجنتيني الأسبوع الماضي إلى أن نسبة التضخم في البلاد ستبلغ 55% خلال العام الجاري، بينما سيسجل إجمالي الناتج الداخلي تراجعا بنسبة 2.5%.. كما توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الأرجنتيني بنحو 1.2% في العام الجاري.
كانت حكومة بوينس آيرس قد حاولت العام الماضي مواجهة العجز الكبير في ميزانية البلاد من خلال قرض من صندوق النقد الدولي وصل إلى نحو 57 مليار دولار أمريكي، غير أن ذلك لم يمنع هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، حيث يرى المستثمرون فرصة تخلف الأرجنتين عن السداد بنسبة 95 % خلال السنوات الـ5 المقبلة، وهو ما وضع البلاد في مأزق صعب خاصة في ظل البرنامج الضريبي الصارم الذي فرضه الرئيس ماكري والذي شكل عبئا إضافيا على المواطنين، وساهم في زيادة معاناتهم اليومية.
واتفق فريق من خبراء الاقتصاد على أن إجراءات التقشف التي اتخذها الرئيس ماكري كان لها تأثير سلبي على النمو الاقتصادي والعمالة حيث إنها تجعل من الصعب التعامل مع الفقر المتزايد وزيادة احتمال الصراع الاجتماعي، في وضع مضطرب بالفعل، مؤكدين أن نتيجة الانتخابات جاءت كرفض لتدابير التقشف.
وينظر الكثيرون إلى الرئيس المنتخب فرنانديز باعتباره قوة موحدة تجمع القوى المؤيدة والمناهضة لما يسمى “البيرونية”، ويقصد بها العدالة الاجتماعية، وهي حركة سياسية تقوم على فكر الرئيس الأرجنتيني السابق خوان دومينغو بيرون، في “فرينتي دي تودوس”، وهي جبهة عريضة ركزت على إبعاد الرئيس ماكري من منصبه، بعد تزايد الأوضاع الاقتصادية المتردية في عهده وفشله في إخراج البلاد من أزمتها. وعقب الإعلان عن نتائج الاقتراع الرئاسي، احتشد الآلاف من مؤيدي فرنانديز ونائبته كيرشنر، بعد فوزهما، ولوّحوا بأعلام الأرجنتين، وهتفوا “لقد عدنا”.. وقالت كريستينا كيرشنر للحشود: “اليوم، ألبرتو رئيس جميع الأرجنتينيين”.
وأكد فرنانديز أنه سيسعى إلى إعادة التفاوض بشأن قرض صندوق النقد دون تقديم تفاصيل محددة، وقال إنه يريد سعر صرف تنافسي للبيزو للسماح للأرجنتين “بالإنتاج والتصدير”.
وفيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية للبلاد، اقترح فرنانديز إلغاء الضرائب على الصادرات الصناعية، والمبيعات الأجنبية للتكنولوجيا والخدمات القائمة على المعرفة. كما دعا إلى إجراء تغييرات على صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي تم التوصل إليها في يونيو الماضي، معتبرا أنها مضرة بالصناعة المحلية.
في ضوء ما سبق يبدو واضحا أن مهمة الرئيس الجديد ليست سهلة، فهو مواجه بمجموعة من التحديات التي يتعين عليه التعامل معها تلبية لمطالب الملايين الذين صوتوا لصالحه وأعطوه ثقتهم في الانتخابات الرئاسية أملا في إخراج البلاد من هذا الوضع المتأزم. ورغم كثرة التطمينات التي يبثها فرنانديز للمواطنين غير أن هناك حالة من اهتزاز الثقة تسيطر على الأجواء داخل الأرجنتين، وهو ما يجعل مهمة الرئيس الجديد أكثر صعوبة.