بين حضارة عريقة وثقافة معتدلة.. تونس تتوج “عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2019”
تنطلق اليوم الاحتفالات الرسمية بتونس “عاصمة الثقافة الإسلامية عن المنطقة العربية” لعام 2019، وهو الاختيار الذي يأتي تتويجا لدورها البارز في إثراء الحضارة الإسلامية مع نجاحها في الانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى وتكريس قيم الإسلام المعتدل.
وتنظم تونس على مدار عام 2019 سلسلة من الأنشطة والفعاليات التي تُبرز ثقافتها الإسلامية ومعالمها الحضارية والإنسانية وإسهاماتها الفكرية، كما تشمل حفلات فنية وعروضا سينمائية ومسرحية وندوات فكرية ومعارض وأمسيات شعرية، وبرامج شبابية ومسابقات إبداعية إضافة إلى معارض ومهرجانات ثقافية للدول الإسلامية.
وتشمل فعاليات الاحتفال مجموعة من المحاور من بينها تونس “عاصمة الروحانيات”، تونس “عاصمة الفكر والعلوم”، تونس “عاصمة المعمار الإسلامي”، تونس “عاصمة الأدب والفنون”، تونس “عاصمة الاجتهاد والتجديد”، وتنتهي بتكريم عدد من الشخصيات التونسية البارزة التي ساهمت في إثراء الفكر الإسلامي من بينها الناشر الراحل الحبيب اللمسي والمؤرخ الراحل محمد الحبيب الهيلة، كما سيتضمن البرنامج أنشطة لمدن أخرى خاصة بولايتي القيروان والمهدية وفي مدينة نفطة.
وجاء اختيار تونس عاصمة الثقافة الإسلامية، بقرار من المؤتمر العاشر لوزراء الثقافة للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد بالخرطوم في نوفمبر 2017، كما يأتي بعد 10 سنوات من اختيار مدينة “القيروان” التونسية عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2009.
وعن اختيار مدينة تونس “عاصمة الثقافة الإسلامية عن العالم العربي” لعام 2019، قال الدكتور محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية التونسية – لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط في تونس – إن هناك عدة عوامل تتميز بها تونس أهلتها لهذا الاختيار، وعلى رأسها حضارتها الإسلامية والعربية الراسخة في القدم وتاريخها العريق وأعلامها وفنانوها والدور الذي لعبته ثقافتها الإسلامية كعنوان الإبداع والتنوير، ونشر قيم الاعتدال والتسامح بعيدا عن التطرف والتشدد، موضحا أن هناك العديد من الفعاليات التي ستصاحب هذا الاحتفال من بينها فعاليات ثقافية وفنية وإبداعية وندوات علمية تبرز تاريخ الحضارة الإسلامية لتونس في بعدها التاريخي والإبداعي، فضلا عن تهيئة وترميم عدة معابد وآثار إسلامية، وإصدار مجموعة من المنشورات والكتابات الخاصة التي تبرز مكانة تونس ودورها في إثراء الثقافة الإسلامية.
وحول استغلال هذا الاحتفال للترويج للسياحة الثقافية في تونس، أوضح زين العابدين أنها ستكون فرصة جيدة لإبراز المعالم الإسلامية في البلاد والتي تبرز تونس كمرجع تاريخي مهم ومدينة ذات حضارة قديمة مع انفتاحها على الثقافات والحضارات الأخرى، حيث تتضمن الاحتفالات برنامجا لاستقطاب الزائرين من دول إسلامية للإطلاع على المعالم الإسلامية في كل المدن التونسية والإقامة في المنازل العتيقة، كما سيتم تنظيم معرض دائم عن الرحالة الذين مروا بتونس ووصفوها في كتبهم.
واستهلت تونس احتفالاتها، أمس الأربعاء، بجولة ثقافية وسياحية قام بها مجموعة من المفكرين والأدباء والشعراء والفنانين الضيوف بمدينة تونس العتيقة، التي تشهد على أهم المحطات التاريخية الإسلامية ثقافة ومعمارا، وعلى رأسها جامع الزيتونة الذي يعد من أبرز معالم تونس الإسلامية.
وبهذه المناسبة تم افتتاح “ساحة 23 جانفي 1846” بسوق البركة بالمدينة العتيقة بالعاصمة تونس، بحضور مجموعة من سفراء الدول العربية والإسلامية، ويرمز تاريخ 23 يناير 1846 إلى يوم فاصل في البلاد وهو اليوم الذي قرر فيه حاكم تونس “أحمد باي” إلغاء الرق والعبودية في تونس، والتي اعتبرت آنذاك خطوة جريئة وسابقة بعشرات السنين على أكبر الديمقراطيات في العالم.
وبالنسبة لحفل الختام، فقد تم الاتفاق بين وزارة الشؤون الثقافية التونسية والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) على تنظيم هذا الحفل في 18 من ديسمبر المقبل، كما تم الاتفاق على توزيع جوائز “إيسيسكو” التشجيعية في مجالات الصناعات التقليدية والحرف اليدوية، وكذلك جائزة الإيسيسكو لأفضل مشروع ثقافي وجائزة الإيسيسكو لأفضل برنامج إعلامي.
وبدأت منظمة “إيسيسكو” تقليد “عاصمة الثقافة الإسلامية” عام 2005، وأصبحت تقام هذه الفعالية سنويا في ثلاث مدن، واحدة عن المنطقة العربية، وواحدة عن المنطقة الآسيوية، وواحدة عن المنطقة الأفريقية، ويهدف تداول المدن لتنظيم هذه الفاعلية إلى استثمار العطاء الثقافي التاريخي لهذه العواصم القائم على المبادئ المستلهمة من الحضارة الإسلامية وفتح باب الحوار أمام مختلف الدول، وعدم انحسار كل منطقة على عوالمها الخاصة وتحقيق الانفتاح الفكري والثقافي والحضاري باختلاف الشعوب وتباين الأجناس.
ويرى فريق واسع من المراقبين أن تتويج تونس كعاصمة للثقافة الإسلامية جاء نتيجة لمساهمتها على مدار تاريخها في الترويج للثقافة العربية الإسلامية والحضارة والفنون والعمارة، فضلا عن الدور البارز الذي لعبته في تكريس قيم الإسلام المعتدل ومحاربة الفكر المتطرف والإرهاب.
وتاريخيا لعبت تونس دورا بارزا في الترويج للثقافة الإسلامية، فمنذ الفتح الإسلامي على يد عقبة ابن نافع عام 670م، أسس مدينة القيروان لتكون المدينة العربية الإسلامية الأولى بإفريقيا، وعاصمة استراتيجية وروحية للإسلام الذي تغلغل انطلاقا منها في الأوساط الأمازيغية، وتشكل – على امتداد 70 عاما – سمات المجتمع الإسلامي في تونس.
كما أصبح ميناء عاصمتها مركز انطلاق للغزوات نحو صقلية وجنوب إيطاليا بحرا، ونحو بقية دول شمال أفريقيا و”إسبانيا الأندلس”، أي أنها ساهمت في تسهيل الفتوحات الإسلامية.
ومثلت مدينة المهدية، التي كانت عاصمة الفاطميين في الشمال الأفريقي، ثاني العواصم الإسلامية، ولا تزال الآثار الموجودة على ميناء المدينة حتى اليوم شاهدا على إبداع وتميز الحضارة العربية الإسلامية.
أما على الصعيد الثقافي، فقد أسهمت تونس في تفسير ونشر الثقافة الإسلامية الأصيلة والمعتدلة وإبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة، وذلك من خلال اجتهاد علمائها واعتمادهم على القياس، بالإضافة إلى الإنتاج الأدبي والفني والفكري والعمراني وكتابتهم باللغة العربية عن علم الفلك والجغـرافيا وعلم النباتات والزراعات، والطب الإنساني والبيطري.
كما ساهم أعلام ورموز تونس في إثراء الحركة الثقافية الإسلامية المعاصرة، وخاصة الذين ساهموا منهم في نشر قيم الاعتدال الديني، ومعالجة ظواهر الغلو والتشدد، وأشاعوا قيم التسامح والتعايش والحوار بين الحضارات والأديان والشعوب والانفتاح على ثقافة الآخر، وأبرزوا قدرة الفكر الإسلامي على مواجهة التحديات الفكرية، وعلى الإجابة على مختلف القضايا المستحدثة في ظل التحديات الراهنة التي يشهدها العالم الإسلامي.