انسحاب ترامب من اتفاق باريس للمناخ.. تحد كبير في طريق مكافحة التغير المناخي
دخل انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ حيز التنفيذ الرسمي خلال الأسبوع الحالي، حيث جاء هذا الانسحاب ليمثل نقطة تحول مفصلية في مسار هذا الاتفاق العالمي، ويشكل تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي في جهوده المبذولة لمكافحة التغير المناخي، خاصة وأن أمريكا تعد من أكثر الدول تسببا فيه.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد قدمت، خلال اليومين الماضيين، إخطارا رسميا إلى الأمم المتحدة للبدء في عملية الانسحاب من الاتفاق، والتي تستغرق قرابة عام، وهو ما يعني أنه في حال إتمام خروج واشنطن من الاتفاق فإن ذلك سيصبح ساري المفعول في الخامس من نوفمبر 2020، أي في اليوم التالي لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة.
وأثار قرار الانسحاب الأمريكي من اتفاق المناخ ردود أفعال قوية على الصعيدين الداخلي والدولي، فداخليا تسبب هذا القرار في وقوع انقسام واضح في الداخل الأمريكي حيث تجمع عدد من المحتجين خارج البيت الأبيض اعتراضا على قرار الرئيس وذلك وفور الإعلان عن قرار الانسحاب، كما أطلق حكام بعض الولايات الأمريكية من كاليفورنيا ونيويورك وواشنطن، ومعظمهم من الديموقراطيين، تحالفا لدعم اتفاقية المناخ لتأكيد التزامهم بدعم أهداف الاتفاقية رغم انسحاب إدارة ترامب منها.
وفي الوقت الذي رحّب المحافظون الأمريكيون بهذا القرار، تعهد كبار القادة الديمقراطيين الساعين لانتزاع مقعد الرئاسة من ترامب بالعودة إلى اتفاقية باريس في حالة فوزهم، ووصفت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، نانسي بيلوسي، قرار الانسحاب بأنه قرار جديد ضد العلوم ينسف مستقبل الأرض ومستقبل أولادنا”.
أما على الصعيد الخارجي، فقد أثار قرار الانسحاب الأمريكي استياء دوليا واسع النطاق. فقد أعربت كل من فرنسا والصين عن “أسفهما” لقرار الولايات المتحدة، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونظيره الصيني شي جين بينج، في بيان مشترك في بكين “دعمهما الثابت لاتفاق باريس للمناخ الذي يعتبران أنه عملية لا عودة عنها، وبوصلة التحرّك القوي بشأن المناخ”.
كما أبدى الاتحاد الأوروبي استياءه من قرار ترامب، في الوقت الذي اعتبرته ألمانيا “انتكاسة” حيث أكد وزير التنمية الألماني، جيرد مولر، أن “الدول الصناعية، التي تتسبب بصورة رئيسية في تغير المناخ، لديها مسؤولية خاصة ويتعين عليها أن تقوم بدور نموذجي”، في إشارة إلى الولايات المتحدة التي تنتج 14% من الانبعاثات الكربونية في العالم محتلة بذلك المركز الثاني بعد الصين.
أما روسيا فقد اعتبرت أن إعلان واشنطن الانسحاب من اتفاق المناخ أنه يعد “ضربة جدية” لهذه المعاهدة لمكافحة التقلبات المناخية، موضحا أن هذا القرار “يقوض الاتفاقية بشكل جدي للغاية لأن الولايات المتحدة دولة رائدة في انبعاث الغازات الدفيئة”.
وكان ترامب قد تعهد خلال حملته الانتخابية عام 2016 بالتخلي عن اتفاق باريس للمناخ في حالة فوزه بالرئاسة لما له من تداعيات سلبية على الاقتصاد الأمريكي، وظل متمسكا بموقفه منذ ذلك الحين على الرغم من الجهود الدولية المكثفة لردعه عن هذا القرار. ويرى ترامب أن هذا الاتفاق اتفاقا هشا ضعيفا ويعود بالضرر على بلاده في حين يترك دولا أخرى من، أبرز المتسببين في التلوث مثل الصين، تزيد من انبعاثاتها بلا رادع.
ووفقا للمراقبين، فإن رؤية ترامب ومؤيديه الرافضة للاتفاق استندت إلى أنه سيقف عائقا أمام النهوض بالاقتصاد الأمريكي، فهو سيؤدي إلى فقد نحو 6.5 مليون وظيفة صناعية في الولايات المتحدة، فضلا عن خسارة جزء من الناتج القومي الأمريكي قد تصل إلى 3 تريليونات دولار، كما أنه سيشكل عبئا على موازنة الدولة نظرا للمبالغ الهائلة التي ستخصص إلى صندوق المناخ الأخضر، المنصوص عليه في الاتفاق وتقدر بـ3 مليارات دولار، ومن المفترض أن يتم توجيهها لدول العالم الثالث لتعزيز جهودها في مكافحة التغيرات المناخية.
وكان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد وقع عام 2015 اتفاقية باريس للمناخ مع قادة 194 دولة، فيما اعتبر خطوة كبيرة في مجال حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي، حيث تهدف الاتفاقية إلى خفض الارتفاع الحراري للأرض لأقل من درجتين مئويتين، والحد من ارتفاعات درجات الحرارة بمقدار 1.5 بنهاية القرن الحالي، وذلك من خلال تعهدات الدول، وبصفة خاصة الدول الصناعية، بكبح انبعاثات الغازات الدفينة وتقديم الدول المتقدمة الدعم للبلدان النامية في الجهود لبناء مستقبل مستدام بيئياً.
ويرى المراقبون أنه بانسحاب الولايات المتحدة، فإن هذا الاتفاق سيواجه مصيرا صعبا وتحديثات عثرة قد تعرقل تنفيذه على النحو المطلوب. فمن ناحية، هناك مخاوف من أن يؤدي قرار الانسحاب الأمريكي إلى تشجيع دول أخرى بأن تحذو حذوها وتقرر الخروج ، أو تخفف جهودها لتخفيض انبعاثات الكربونية.
ومن ناحية أخرى فإن مغادرة الولايات المتحدة ستُحدِث فجوة كبيرة بالنسبة إلى التمويل، فقد التزمت الإدارة الأمريكية السابقة بدفع مبلغ ثلاثة مليارات دولار، أكثر من أي بلد آخر من حيث القيمة المُطلقة، لصندوق المناخ الأخضر.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة دفعت مليار دولار فقط، إلا أن هذا ساعد على تأمين الدعم لاتفاق باريس من الدول النامية. إضافة إلى ذلك، تُسهم الولايات المتحدة بنحو 20 % أو 20 مليون دولار، في الميزانية التي يتم تحديدها كل عامين لأمانة الأمم المتحدة المعنية بالمناخ في مدينة بون الألمانية.
من ناحية ثالثة، يتفق عدد كبير من المراقبين على أن قرار الانسحاب سيجعل من الصعب أكثر تحقيق هدف الاتفاق المتمثل في الحد من ارتفاع حرارة الكوكب أكثر من درجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية. في هذا السياق ذكرت منظمة “كليميت أكشن تراكر” في دراسة لها، أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق سيتسبب في ارتفاع بمقدار 0.2 درجة مئوية في درجة حرارة الأرض، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى زيادة خطر حدوث أنماط من الطقس أكثر تطرفاً، وزيادة سرعة ذوبان الكتل الجليدية، وارتفاع منسوب مياه البحر.
وفي ضوء المشهد السابق، يتفق المراقبون على أن قضايا المناخ أصبحت مؤخرا تحظى بأهمية ملحوظة في الحملات الانتخابية، بل أنها تلعب دورا بارزا في ترجيح كفة الفائز في كثير من الجولات الانتخابية، وهو ما ظهر واضحا في السنوات الأخيرة لاسيما على الساحة الأوروبية حيث حققت الأحزاب المدافعة عن قضايا البيئة والمناخ نتائج متقدمة في كثير من الدول.
ومن هنا يٌتوقع أن تلعب قضية المناخ دورا بارزا في الحملة الانتخابية الأمريكية العام القادم، بل إنها قد تكون من بين العناصر الحاسمة لإعادة انتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة من عدمه.