آراءشويّة دردشة

الوحش | بقلم د. نجلاء حرب

إلى أين يدفعنا هذا الوحش ؟؟

يقول المثل الهندى القديم السلم الخداع يؤذي أكثر من الحرب، وقد أوجز جي دبليو بوش السياسة الأمريكية في جملة واحدة “يمكنك خداع بعض الناس كل الوقت وهؤلاء من تود التركيز عليهم”، أما مارك توين فيوجز الوضع بقوله “لولا البلهاء لما حقق الآخرون أي نجاح .. نناور ونخفي أفكارنا ونكذب ونتزلف .. وفي النهاية نحقق ربحا أكيدا .. لكن أرقي أنواع الخداع وأقواها تأثيرا هو الخداع الذي نمارسه على أنفسنا”

تناول النقاد الأمريكيون فيلم الجميلة والوحش  “Beauty and the Beast”  في نسخته المستحدثة نسخة 2017 بنظرة تحليلية متعمقة تبين اشتباك الفيلم مع الواقع الأمريكي والتحولات الخطيرة التي يشهدها المجتمع الأمريكي  بدءا من عهد الرئيس أوباما وصولا لعهد الرئيس “الأحمق المفيد” ترامب ودون الدخول في تفاصيل دقيقة للفيلم إلا أنه عكس بصورة واضحة سياسة التخويف من الآخر ومحاولة القضاء عليه وتفتيت قواه بدلا من التعايش السلمي معه، ومحاولة حشد مشاعر الكراهية وخلق حالة من الرعب والعدائية للأخر وحشد الأصوات للقضاء عليه من أجل الحفاظ على مكتسبات خاصة.

أليست هذه هي حقيقة السياسة الأمريكية ألا يعكس هذا الوجه الحقيقي الذي ندركه جميعا ثم نمارس الخداع على أنفسنا ونصدق خلافه .. هل صدقنا يوما أمريكا التي أقنعت أولادها أن الهندي الأحمر إرهابي متوحش دموي يقاوم الأمريكان المتحضرين ويتطلب الأمر قتل 48 مليون هندي لبقاء 2 مليون أمريكي متحضر؟!، هل صدقنا أمريكا التي كانت تقوم باصطياد السود الأفارقة وتصويرهم لأبنائهم بالوحوش الإرهابيين وهي ترفع أوباما الأسود لحكم أمريكا؟!، هل صدقنا أن أمريكا حاربت بشرف في الحرب العالمية الثانية أليس الطيران الأمريكي هو الذي قصف مدينة درسدن الألمانية رغم أنها لم تعد تشكل هدفا عسكريا وأدى القصف لقتل 150 الف الماني وتدمير أغلب الأبنية بها؟!، هل صدقنا أن أمريكا هي حافظ السلام في العالم ألم يعترف السفير الأمريكي الأسبق في اليونان ماكويج بأن جميع الأعمال التكتيكية والتأديبية الكبيرة التي قامت بها الحكومة العسكرية في اليونان في الفترة ما بين عام 1947 ل 1949 والتي ذهب ضحيتها 154الف شخص بخلاف من أودعوا بالسجون وأعدموا كانت مصدقة ومهيأة من واشنطن مباشرة؟!، هل صدقنا أن أسلحة الدمار الشامل هي التي جعلت جورج بوش الابن يغزو ويحتل العراق وباركنا ذبح صدام صبيحة يوم العيد على مرأى كل شعوب العالم .. أليست أمريكا هي الدولة الوحيدة التي استعملت السلاح النووي الإرهابي سلاح التدمير الشامل حين ألقته على هيروشيما ونجازاكي  فقتلت الآلاف وتركت المشوهين ومازال يولد الأطفال مشوهين وانتقلت بعدها للحرب مع كوريا وقتل ملايين الكوريين للقضاء على الشيوعية وترسيخ الديمقراطية، ثم انطلقت لأكبر حروب الإبادة في فيتنام؟!، هل صدقنا حبها وتأييدها للعرب والمسلمين ورقص ترامب في السعودية ألم تكن هي مصدر الدعم والتأييد المطلق لكل المجازر الصهيونية ضد المسلمين من 48 مرورا ب 67 وما بعدها من مذابح بحر البقر ومذبحة قانا، وضرب وحصار بيروت بالقنابل العنقودية المحرمة دوليا، وضرب أفغانستان ثم كوسوفا بقنابل يورانيوم ستظل في أرض كوسوفا كما يشير الخبراء الأمريكيين لمدة مليار سنة وما يحدث من مجازر للمسلمين في بورما وغيرها وغيرها حتى الآن، هل صدقنا أن الانقلابات التي حدثت في العديد من الدول مثل كوبا وإيران وجواتيمالا واندونيسيا وتشيلي وغيرها تمت بمعزل عن تخطيط وتنفيذ المخابرات المركزية الأمريكية، هل صدقنا أن المسلمين هم الإرهابيين وأن بوكو حرام وغيرها تملك القدرات الذاتية لعملياتها واستمراريتها للآن، هل صدقنا أن الحضارة الأمريكية هي الأرقى على الإطلاق فبتنا نتحدث لغتهم ونتفاخر بذلك ونشتري منتجاتهم ونأكل طعامهم ونستقبل أنظمتهم التعليمية بفخر .. هل صدقنا أن بريتون وودز جاءت لنشر الرخاء الإقتصادى ورفع مستوى رفاهية الشعوب ومساعدتها في تخطي أزماتها وانطلقنا نطلب العون من توأميها البنك الدولي وصندوق النقد وفي مصر استقبلنا بعثاتها بدءا من بول ديكي بالترحاب .. هل انطلقنا لمؤسساتهم الدولية وصدقنا أنها ستقيم العدل وتنشر السلام .. هل صدقنا أن كلينتون وأوباما والأحمق المفيد وغيرهم من الممثلين صعدوا لحكم أمريكا بمحض الصدفة وبالديمقراطية.

أوليفر ستون أحد أهم الكتاب وصانعي الأفلام الأمريكيين والذي ولد في عام 1946 وشارك في حرب فيتنام  في أصدق دقائق في عام  2017 أعترف بصدق أن الأمر لا يرتبط بكلينتون ولا أوباما ولا حتى ترامب، ففي خلال الثلاثة عشر حربا التي بدأتها أمريكا خلال الثلاثين عاما الماضية ضيعت 14 تريليون دولار ومئات الآلاف من الضحايا في الأرض لم يرتبط الأمر بقائد واحد سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين ولكنه النظام الذي أعلن أنها حرب يبررها حماية العلم الأمريكي وحشد شعبه للخوض فيها بقوة، ودعا ستون الكتاب الأمريكيين للنظر إلى الضحايا الناجمين عن التدخل الأمريكي في مائة دولة والرجوع إلى الذات ومحاولة نشر السلام بين المجتمعات وتغيير الصورة التي يرسمها لهم النظام عن العدائية للآخرين.

 وختاما وعودة لأنفسنا هل صدقنا أننا بتشرذمنا وإمكانياتنا الحالية قادرون على التحدي، هل حتى نستطيع التحدي على بقائنا وقد تحولنا لأعداء فيما بيننا بعد أن أصبحنا نخًون أبنائنا .. هل وصلنا إلى شفا منحدر الهلاك وبات مصيرنا بيد وحش مدمر وقوى خارجية تحاول إعاقته حفاظا على مكتسباتها.

هل آن الأوان للإفاقة من الغفلة لنجتمع حول قيادة واعية ونملك مقدراتنا ونتمسك بهويتنا ونحافظ  على مكتسباتنا .. أم سنظل نمارس أرقى أنواع الخداع كما وصفه مارك توين خداع أنفسنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى