آراءشويّة دردشة

الوادي المقدس طوي | بقلم د. ضحي اسامه راغب

حين تُذكر مصر، تتدفق سطور التاريخ العميق لتكتب أروع الكلمات، فكم من حضارةٍ مرّت على مصر، وكم من آثارٍ ومتاحف، وعماراتٍ وأهراماتٍ شاهقة، وقصورٍ شيدت فيها، ففيها ما يبهر العين، وما يخطف الألباب من السحر والجمال، من تماثيل، وتحفٍ فنيةٍ، ورسوماتٍ وصور، فحين تزور مصر، وتشعر وكأنك دخلت حقبةً من حقب التاريخ، فتتجول بين الآثار وتسافر في خيالك إلى البعيد البعيد.

واليوم نحن فى الوادى المقدس طوى نطوف فيه بالكلمات، نتنسم فيه ريح موسى ـ عليه السلام ـ وكيف تجلى الله سبحانه وتعالى له فى هذا المكان المبارك .. وجبل موسى .. في جنوب سيناء وهو الجبل الذي يحمل اطهر البقع في الأرض كما تشير التوراه وكما اشار القرآن الكريم الى قدسية ذلك المكان عندما طلب الله عزوجل من موسى الكليم أن يخلع نعليه لانه بالواد المقدس طـوى قال الله تعالى مخاطبا موسى عليه السلام ” إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى” وادى طوى البقعة المباركة فى الارض وهى اقدم بقعة واول بقعة مقدسة على وجه الارض ولا يراودنا الشك فى ذلك فهو نص كتاب الله اذا فالتسكت كل الاصوات ولتستمع الى صوت النداء الربانى الذى لا ريب فيه وكلمة ( طوى ) وحيها من طوى الزمن وطوله وقدم عمر الوادى المقدس وأمر الله نبيه وكليمه موسى عليه السلام بخلع نعليه هو امر واجب على كل مؤمن بكتاب الله ورسله ان يخلع نعليه عند دخول هذا الحرم الربانى العتيق.

فانتبهوا جيدا الى هذا المعنى لقد أمر الله نبيه موسى بخلع النعلين للخشوع والتواضع عند مناجاة الله تعالى وهو أمر بذلك لينال بركة الوادي المقدس وتمس قدماه تربة الوادي.

وكلمة مُقدَّس اسم مفعول من الفعل قَدَّس وهي تعني الشيء البالغ الأهمية والعظمة في نفوسِ الناس منذ قديم الأزل، والذي له خصوصية في الزمان والمكان والذي تُؤدّى فيه العبادات والطقوس الدينية، والأماكن المُقدَّسة تختلف باختلاف الأديان والمذاهب؛ ويُعتبر الوادي المقدس طوى من الوديان المذكورة في كافة الديانات السماوية، فقد مر به العديد من أنبياء الله تعالى، فورد ذكره مرات عديدة في القرآن الكريم، وفي الإنجيل، وفي التوراة، فهو مكان مُبارك وعظيم، وتلقى سيدنا موسى فيه الوصايا العشر، وسنتحدث في هذا المقال عن موقع الوادي المقدس طوى، ومكانته الدينية، والسياحة فيه.

ويقع الوادي المقدس طوى في مصر، وبالتحديد في جزيرة سيناء، ويصل ارتفاعه إلى 2285م عن مستوى سطح البحر، ويقع بجانبه جبل سانت كاترين الذي يصل طوله إلى 2629م، والذي يُعتبر أعلى قمة جبلية في مصر، ويُحاط الوادي بسلاسل جبلية من كل ناحية، وفي أسفل الوادي توجد كنيسة العذراء، ويتكون الوادي المقدس من مجموعة من القمم الجبلية.

وقصة الوادي المقدس اتت حيث أنه فى ليلة شديدة البرد والظلام، اشتد فيها البرق والرعد وأمطرت السماء خرج موسى ومعه أهله عائدا إلى مصر، وتاه أثناء سيره فوقف حائرا يرتعش من البرد وسط أهله .. ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد، فأمر أهله أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.

” فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى ” واختلف العلماء والمفسرون فى معنى الوادى المقدس طوى، لكن أغلبهم اتفق على أنه كل مفرج بين الجبال والتلال والآكام، وسمى بذلك لكونه مسلكا للسيل ومنفذا، وأن طوى هو واد فى أصل جبل الطور، وهذا اللفظ اسم لهذه البقعة، قال ابن منظور هو الذى كلم الله عز وجل فيه موسى ـ عليه السلام ـ وهو بمصر بأرض سيناء، ويعبر بالطى عن مضى العمر، يقال طوى الله عمره ومنه “والسماوات مطويات بيمينه ” وهذا الوادى بجنوب سيناء بنفس الاسم، والشجرة التى كلم الله منها موسى، تسمى فى المكان نفسه ” العليقة ” ولا تزال خضراء إلى الآن وهى الآن بداخل دير سانت كاترين. وذكر القرطبى فى تفسيره أن المقصود بالمقدس : المطهر، والقدس : الطهارة، والأرض المقدسة أي المطهرة، وسميت بذلك لأن الله تعالى أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين، وقد جعل الله تعالى لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض، كما جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض، ولبعض الحيوان كذلك، ولله أن يفضل ما شاء، وعلى هذا فلا اعتبار بكونه مقدسا بإخراج الكافرين وإسكان المؤمنين، فقد شاركه في ذلك غيره، و( طوى ) اسم الوادي، عن ابن عباس قال :هو واد عميق مستدير مثل الطوي. أما الطبرى فى تفسيره فذكر أقوالا منها: ” إنك بالواد المقدس طوى ” أى بالوادي المبارك، واختلف أهل التأويل في تأويل قوله “طوى”، فقال بعضهم معناه إنك بالوادي المقدس الذى طويته، كأنه قال : طويت الوادي المقدس طوى، لكن ابن كثير ذكر قولا لعلى بن أبى طلحة عن ابن عباس قال: هو اسم للوادي، فعلى هذا يكون عطف بيان، وقيل عبارة عن الأمر بالوطء بقدميه، وقيل لأنه قدس مرتين وطوى له البركة وكررت، والأول أصح كقوله إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى.

وفي هذا المكان رأى موسى عليه السّلام النارَ من بعيدٍ وكان معه أهله فتركهم وجاء إلى موضع النّار عله يجد أناساً أو يُحضر منها قبساً من نار، وعندما وصل إلى موضع النّار حدث ما لا يخطر ببالٍ حيث جاءت كلمات الله جلّ في عُلاه إليه مباشرةً دون وسيط من مَلَكٍ أو غيره بالأمر بخلع النعلين؛ وقال المفسرون في ذلك الأمر لأنهما كانتا من جلد حيوانٍ غير مذكّى وقيل من باب التواضع والإجلال أمام مَلِك الملوك، ولذلك سُمي موسى عليه السلام كليم الله.

تَسَلّم في وادي طُوى المُقدّس مهام رسالته كأحد أنبياء الله في الأرض وأحدِ أُولي العزم من الرُسل، وأُمر أن يدعو فرعونُ مِصر للإيمان بالله وحده وهو الذي إدّعى الألوهية فكَفَر فِرعون بدعوة موسى عليه السّلام وآمن معه قومه من بني اسرائيل، فمن وادي طُوى المُقدّس انطلقت الرسالة السماوية اليهودية إلى يومنا هذا.

انطلق من مصر لكل الدنيا لتؤكد علي أن مصر هي مهد الحضارات وملتقي الديانات فهنا تجتمع الأديان السماوية “يهودية، مسيحية، إسلامية” من خلال أجراس الكنائس وأذان المساجد وترانيم المعبد اليهودي، محمية للهدوء والسلام بعيدا عن العنصرية، عندما تحضر إلى هناك يأتي في ذهنك جملة ” الدين لله والوطن الجميع ” لتتلاقي الديانات السماوية في مكان حضاري وتاريخي واحد في مصر، وهذا ما لم يوجد ولن يوجد في أي دولة أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى