الموسيقي غذاء الروح | بقلم د. روان عصام يوسف

الموسيقى كالشعر والتصوير تمثل حالات الإنسان المختلفة وترسم أشباح أطوار القلب وتوضح أخيلة ميول النفس وتصوغ ما يجول في الخاطر وتصف أجمل مشتهيات الجسد في سكينة الليل يحيي عاطفة الأمل.
والموسيقى هي لون من ألوان التعبير الإنساني، فقد يتم التعبير فيها وبها عن خلجات القلب المتألم الحزين، و كذلك عن النفس المرحة المرتاحة؛ و في الموسيقى، قد يأتي المرء بشحنة من الانفعالات التي فيها ما فيها من الرموز التعبيرية المتناسقة .. في “مقاطع” معزوفة يحس بها مرهفُ الحس أو من كان ” ذوّاقة ” ينفعل ويتفاعل سماعياً و وجدانياً وفكرياً، يحس بها إحساساً عميقاً وينفعل به انفعالاً متجاوباً، مثله مثل أي من الكائنات الحية، فالموسيقى –و بخاصة الموسيقى الراقية و الروحانية- تساهمُ في علو الروح.
ولكن الموسيقى ليست مجرد أنغام؛ بل هي وسيلة “تواصل” لالتقاء الذهن والروح عند الشخص الواحد؛ وهي أيضاً وسيلةٌ فاعلة اجتماعية وتربوية تساهم في عمليات التفاهم وفي تنمية الحس الشخصي؛ وتعمل على إدخال البهجة على النفوس وفي تجميل العالم من حولنا، أو كما جاء في إحدى مقطوعات الفنانة اللبنانية الشهيرة فيروز : – أعطني النايَ وغـَنّي، فالغِناء سِـرُّ الوجود.
فتُعتبر الموسيقي لغة العالم الوحيدة التي تُفهم من خلال السمع، بدون تلقين أو تعليم، بالإضافة للمتعة التي نحصل عليها وتتركها في النفس جراء سماعها، فهي تساهم في تزكية النفس وتهذيبها.
لقد عرّفها الكثير من العباقرة والمهتمين بها، وأجادوا في وصفها بما تمنحه للإنسان، وخير قول هو لـ ( جبران خليل جبران ) : ” هي ابنة الملامح الصامتة، ووليدة العواطف الكاشفة عن نفسيّة الإنسان، الواعي لحقيقة ما “، كما قال عنها بأنّها لغة النفوس والتي تطرق أبواب المشاعر، إضافة إلى أنّها تنبّه الذاكرة، وذكر بأنّها ليست فقط لغة العواطف، وإنّما هي أيضاً لغة لكلّ من الفهم والفكر.
والحياة بلا موسيقى خطأ فادح، فهي أسمى من أن تكون أداة للهو والسرور .. فهي تطهير للنفوس وراحة للقلوب.
أيتها الموسيقى.. إن في أنغامك الساحرة ما يجعل جميع لغتنا عاجزة قاصرة، عجيب أمر هذه الموسيقى.. إنها لا تمس شيئاً إلا جعلته صافياً نقياً.
من لا يستطيع أن يتجاوب مع الموسيقى فلا قلب بين ضلوعه، عندما يخيم السكون تتردد أصداء الموسيقى في النفس لتجلب لها سكونها والروح لتكون غذائها.