آراءمواطن مصري

الملفات الساخنة على طاولة “الشيوخ”| بقلم جورج عياد

يخطئ من يظن أن تولي شخص ما منصب مسئول هو أمر يدعو للبهجة والسعادة، فطبيعة التحديات التي يواجهها العالم بصفة عامة ومنطقتنا العربية بصفة خاصة، ومصر تحديداً تمثل أوضاعاً في غاية الصعوبة خصوصاً إذا ما أضيف إلي المشهد السياسي المعقد كارثة انتشار جائحة كورونا التي قلبت جميع الحسابات رأساً على عقب.

ونركز الحديث فيما يأتي عن الحالة المصرية التي شهدت مؤخراً استحقاقاً نيابياً مهماً هو انتخابات مجلس الشيوخ، فهذا الاستحقاق يثري الحياة النيابية في مصر ويعمق التجربة السياسية الناجحة، في الدولة المصرية التي تشهد تحديات كبيرة وتحولات أكبر في الشأن الداخلي والخارجي، فقد جاء استحداث مجلس الشيوخ تحقيقا لرغبة واسعة من أعضاء مجلس النواب، بعد استقرار الأوضاع في أعقاب ثورة 30 يونيو، لأنه يمثل إضافة نوعية؛ بما يملكه من الصلاحيات الواسعة التي منحت لمجلس الشيوخ الجديد، في كل ما يتعلق بالعملية التشريعية، فيما سيحال إليه من مشروعات قوانين من رئيس الجمهورية، أو ما سيحيله مجلس النواب إليه من مشروعات قوانين.

وبطبيعة الحال فلعله من المناسب في هذا المقال استعراض بعض الملفات الساخنة التي تنتظر الحسم وسيكون لمجلس الشيوخ قول الفصل فيها.. ولعل في مقدمتها الأزمة الليبية، وما تعيشه الدولة العربية الشقيقة من صراع واقتتال على السلطة بين العديد من الأطراف السياسية والمليشيات المُسلّحة، في مختلف أنحاء البلاد، ويزداد تعقيد المشهد الليبي إذا ما وضعنا في الحسبان مخططات تمزيق ليبيا وتقسيمها والتي لم تعد خافية على أحد، وتلعب فيه الجماعات المسلحة دورًا كبيرًا، خاصة الدول الأجنبية ذات الأجندات المشبوهة التي تتستر وراء منهجيات مختلفة، فبعضها يتخذ شكلا إسلاميًا، وبعضها يتخذ شكلا قبليًا، والبعض الآخر يقاتل من أجل المال.

كما أن هناك قوى خارجية تتحين الفرصة للتدخل المباشر في الشأن الليبي، عبر تزكية الفتنة والانشقاق داخل الصف الليبي، في محاولة للنيل من مقدرات هذا البلد الكبير، وتقسيمه إلى دويلات، وهو ما يفرض على مصر عدم الوقوف بصفوف المتفرجين وترك الساحة الليبية لتلك القوى تتقاذفها يميناً ويساراً حسب مخططاتها المشبوهة، وهو ما يعكس ثبات الموقف المصري تجاه القضية الليبية والذي يأتي من منطلق الحرص على وحدة وسلامة الأراضي الليبية، والعمل على ضرورة التوصل لحل للأزمة بأيدي الليبيين أنفسهم، بمساندة المجتمع الدولي.

فمصر تعتبر الأزمة الليبية أمن قومي لها، لما تمتلكه الدولتان من تاريخ ومصير وحدود مشتركة، وبالتالي فنحن نمد يدنا لجميع الليبيين، بالتعاون على دعم وحدة الأراضي والدولة الليبية، ولن تدخر مصر جهداً للحفاظ عليه مهما كلف الأمر، ليس بغرض التدخل في شئون الأشقاء، ولكن بغرض وضع الأمور في نصابها وطريقها الصحيح.

أما ثاني الملفات الساخنة على مائدة مجلس الشيوخ فهي قضية “سد النهضة” الأثيوبي، وهي تمثل صميم الأمن القومي المصري، فهي تتعلق بحق أصيل لمصر وشعبها في الحصول على مياه النيل، شريان الحياة وعصبها، وهو نهر دولي تحكمه قواعد وضوابط دولية وأممية، فنحن في النهاية لا نعيش في غابة، فمصر لم يسبق لها أن أنكرت أبداً على أية دولة، من دول حوض النيل، حقها في تعظيم الاستفادة من هذا النهر العظيم، بل تعترف بالحق في التنمية سواء عن طريق إقامة سدود، لإنتاج الكهرباء والطاقة، أو إقامة مشروعات تنموية على ضفتي النهر، ولكن بشرط عدم الإضرار بالآخرين، والإخلال بآية حقوق تاريخية لدولتي المصب، ودون إضرار بحصتهما القانونية من المياه، التي أقرتها الاتفاقيات والمعاهدات النافذة والقائمة.

لذا عبرت مصر وبمنتهى القوة عن رفضها للموقف الأثيوبي المراوغ الذي لا يراعي صالح الدول الشريكة في نهر النيل، فهذا الموقف لا يتسق مع ضمانات حسن النية، بل استمر لما يقرب من ثمان سنوات على هذا النحو، شهدت العديد من الجولات التفاوضية، واتفاق لإعلان المبادئ، وجولات التفاوض الثلاثية، وكذلك المفاوضات التي عقدت في واشنطن برعاية الولايات المتحدة ومشاركة البنك الدولي.. وتملك مصر أوراق لعب عديدة في هذه الأزمة لكن القيادة السياسية، التي يمثلها القائد الزعيم الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما عهدناه دائماً يحرص على اعطاء الآخر الفرصة كاملة.

وان كان هذين الملفين على الصعيد الخارجي، فإن الملفات الداخلية لا تقل سخونة في واقع الحال، حيث تقفز على قائمة الأولويات التحديات الاقتصادية وما يرتبط بها من ضرورة تدوير عجلة الاستثمار واضعين في الاعتبار أزمة انتشار وباء كورونا، إلى جانب تحديث ملفات الصحة والتعليم والإسكان وهي بمثابة الاحتياجات الضرورية المباشرة التي ينتظر المواطنون تطويرها بشكل ملموس.

على أية حال.. نعلم أن الطريق ليس ممهداً ولا مفروشاً بالورود أمام المجالس النيابية التي تتشكل في مصر، لكننا واثقون في أن النجاح سيكون حليفاً لكل من يخلص النية ويتفانى في تقديم أروع ما عنده من مجهودات لصالح الوطن والمواطنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى