المشير طنطاوي.. الغائب الحاضر

افتتاحية بروباجندا
في خضم انشغال ملايين المصريين بنبأ وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وأثناء متابعة أنظار العالم أجمع لمراسم التشييع عبر مئات الكاميرات والميكروفونات من مسجد المشير بالتجمع الخامس .. توحدت جميع المشاعر والنظرات ربما على سؤال واحد فقط .. أين هو المشير محمد حسين طنطاوي ولماذا غاب عن تشييع جثمان قائده الأعلى إلى مثواه الأخير وهو، المشير طنطاوي، الذي لم يغب يوماً عن مصر ولم تغب عنه ساعة.
وبطبيعة الحال لم تتوقف الشائعات طوال الأيام الماضية عن وضع تفسيرات وتأويلات جميعها من درب الخيال عن “كواليس” و”أسرار” غياب المشير طنطاوي عن جنازة الرئيس الأسبق حسني مبارك والتي بدأت بأن الرئيس الأسبق كان غاضباً من المشير وأوصى بعدم حضوره الجنازة، وانتهت بوفاة المشير طنطاوي نفسه (اطال الله في عمره) وتأخير إعلان هذا النبأ لحين الانتهاء من تشييع مبارك.
وقد استمر هذا الجدل أياماً .. إلى أن قطع اللواء الدكتور سمير فرج، مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، مؤخراً الطريق على جميع هذه “الفتاوى المغلوطة”، معلناً أن المشير محمد حسين طنطاوي، بخير وأنه يتواجد فى منزله، وذلك في تكذيب للشائعات التي انتشرت خلال اليومين الماضيين حول تدهور حالته الصحية ودخوله في غيبوبة تامة، فيما رجحت وجهات نظر متوازنة مرور المشير بوعكة صحية عابرة حالت دون حضوره لجنازة مبارك.
ولعل السؤال المهم جدا في هذا المقام يدور حول سر اهتمام ملايين المصريين على هذا النحو الذي شهدناه بحضور أو غياب المشير طنطاوي رغم خروج الرجل من الخدمة السعكرية بعد عشرات السنين قضاها في خدمة هذا الوطن المفدى مصر حيث شغل منصب وزير الدفاع لأكثر من 20 عاماً، بخلاف ترأسه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار شئون البلاد بكل حكمة واقتدار في فترة من أحلك الفترات التي مرت بها مصر بعد تخلي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن الحكم ونقل صلاحياته إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في غضون أحداث 25 يناير 2011.
وبعد استتباب الأمور بقيام ثورة 30 يونيو واسقاط حكم المرشد، ومن بعدها وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم .. يحرص الرئيس السيسي على حضور المشير حسين طنطاوي أغلب، إن لم يكن جميع، الاحتفالات بالمناسبات الوطنية، كما يحرص على جلوس المشير على الجانب الأيمن من الرئيس بالإضافة إلى تشييد محور المشير بالتجمع الخامس في مدينة القاهرة الجديدة ومسجد المشير طنطاوي، والذي يعد تحفه فنية معمارية من حيث التصميم والإنشاء أقيم على مساحة 8 آلاف متر مربع ويتسع لـ 3 آلاف مصلى ويضم قاعتى مناسبات رئيسية بإجمالى 1250 فردا، إضافة إلى 5 قاعات مناسبات فرعية بإجمالى 1300 فرد، ليتصدر قائمة أكبر المساجد المصرية.
فكل هذا يدل على إنها رسائل الوفاء من الرئيس السيسي للمشير، فقد جمعت بينهما ملحمة وطنية في حب مصر وتقديم كل ما يمكن تقديمه لأجل الحفاظ عليها وحمايتها من الشرور والمكائد التي كانت تحاك ضدها في أحلك فترات الصعوبة التي مرت بها في أعقاب أحداث 25 يناير 2011.
حيث كان زمام البلد كله في يديه وكان بإمكانه التفكير في تحقيق مصالح أومكتسبات خاصة أوحتى يسعى لمجد شخصي، وساعتها كانت الأوضاع ستنقلب رأساً على عقب وكانت سفينة الوطن ستتجه إلى منطقة صخور وأمواج عاتية وفيضانات كارثية، لكنه لم يفكر سوى في مصلحة البلد المؤتمن عليها.
سيرة ذاتية
ولد « طنطاوى» فى 31 أكتوبر 1935، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1956، ودرس بكلية القادة والأركان عام 1971، وفى كلية الحرب العليا 1982، وشغل مناصب قيادية عديدة بالقوات المسلحة، حيث كان قائد فرقة مشاة ورئيساً لهيئة العمليات.
وشارك المقاتل «طنطاوى» بأغلب الحروب التى خاضتها مصر، حيث حارب فى حروب 1956، و1967، والاستنزاف، بالإضافة لحرب أكتوبر 1973، وكان بالأخيرة قائد وحدة مقاتلة بسلاح المشاة.
فى 15 أكتوبر ١٩٧٣، حاول العدو الإسرائيلى، عبثاً، النفاذ للعمق المصرى، رداً على عبور قواتنا إلى عمق سيناء، لذا دفعت إسرائيل بفرقتين مدرعتين وكتيبة مظلات إلى مزرعة تقع على الضفة الشرقية لقناة السويس قرب مدينة الإسماعيلية، وكانت مشروعاً تجريبياً تم إنشاؤه فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبمشاركة خبراء من اليابان، لكن الإسرائيليين اختلط عليهم الأمر حينما شاهدوا بعض الكتابات باللغة اليابانية على منشآت المزرعة، فسموها « المزرعة الصينية».
وقتئذ كان المقدم محمد حسين طنطاوى، قائد الكتيبة 16 مشاة، مرابطاً فى المكان، فاستبسل وجنوده فى صد الهجوم، وكبّدوا الإسرائيليين خسائر فادحة باعتراف إرييل شارون، بقوله: « قتل حوالى 300 جندى من فرقتى، وأصيب نحو 1000، وجميعنا أمضينا واحدة من أسوأ الليالى بحياتنا». وبعد نصر أكتوبر، حصل الضابط طنطاوى على نوط الشجاعة العسكرى، وفى عام 1975 عمل ملحقًا عسكرياً لمصر فى باكستان ثم بأفغانستان، وفى 1987 تولى قيادة الجيش الثانى الميدانى، ثم قوات الحرس الجمهورى عام 1988، حت ى أصبح قائدًا عامًا للقوات المسلحة ووزيرًا للدفاع عام 1991، ثم حصل على رتبة مشير عام 1993.
طيلة أكثر من 20 عاماً على رأس الجيش المصرى كان للمشير طنطاوى كثير من المواقف والقرارات، منها ما رواه الرئيس السيسى بقوله: « ضباط الجيش والصف والجنود كانوا يتقاضون نصف رواتبهم لمدة 20 سنة، عشان الجيش يحقق قدرة اقتصادية تساعده، والسيد المشير كان صاحب هذه الفكرة».
الزى العسكرى للمشير « طنطاوى» يجسد مشواره وتضحياته، حيث حمل أوسمة وأنواطا وميداليات، منها وسام التحرير، ونوط الجلاء العسكرى، ونوط النصر، ونوط التدريب، ونوط الخدمة الممتازة، ووسام الجمهورية التونسية، ووسام تحرير الكويت، ونوط المعركة، وميدالية تحرير الكويت، وميدالية يوم الجيش.
أما حكمة المقاتل المشير طنطاوى فظهرت عندما تولى قيادة البلاد خلال احداث 25 يناير، وبعد تخلى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم، حيث استطاع الحفاظ على وحدة وتماسك البلاد، حتى إجراء أول انتخابات رئاسية فى منتصف عام 2012، وخلال هذه الفترة كان الجيش تحت قيادة طنطاوى حائط الصد الأول عن الشعب والوطن ضد محاولات التفتيت وزرع الفتنة.