المبتدأ والخبر| بقلم اللواء اح اسامه راغب
تعلمنا جميعا في بدايات المراحل التعليمية اللغة العربية حتي أصبحنا علي يقين أن مفردات كلمات اللغة العربية كثيرة ومتعددة وبالغة الثراء..
فكل كلمة في لغتنا الجميلة، لها أكثر من معني ودلالة.
والمسلم به دوما أن الكلمة والمعنى يفرضان نفسهما في اي لغة، لكن في العربية الامر اكثر رحابة وسعة، وافق المعاني ودلالتها من الثراء حيث يحتوي اي نظير من اي لغة اخرى.. فكل لغات العالم تتاثر بالترجمة بشقيها، اما الترجمة منها، او الترجمة اليها، عدا اللغة العربية التي تستوعب كل لغات العالم ولا تتاثر الا بالترجمة منها، اذ لا توجد مفردات في اية لغة اخرى تستوعب مفردات العربية وثراءها.. ودائما اللغة العربية هي التي تفرض نفسها لكونها الأدق والأشمل والاكثر وضوحا في المعني والمضمون.
لقد تعلمت الاعراب ضمن قواعد اللغة العربية، ولعله اهم قواعدها في رأي الكثير من فقهائها، في مقتبل وبدايات التعليم، وتحديدا في مادة النحو.. التي اذكر أن مدرس النحو كان بهي الطلة والطلعة دائما، حيث لم أره طوال تتلمذي على يديه، الا مرتبا الهندام، مرتديا بدلة أنيقة تكسيه الكثير من الوقار والجلال.. وكان لا يتكلم العامية ابدا، وانما يتحدث العربية الفصحي في حواراته مع الجميع، في داخل الفصل الدراسي وخارجه، واقطع بلا اي شك اني لم اره بزي غير ذلك، ولو على سبيل الصدفة، حتى ظننت أن البدلة من ضمن قواعد اللغة العربية !!
كانت حصة النحو لكل زملائي، من أصعب الحصص الدراسية ورويدا بدأ البعض في تذوق طعم وجمال لغة الضاد، وكان لأستاذنا الانيق طريقة واضحة واسلوب معتاد في الهجوم على بعض الطلاب، بمباغته اينا بكلمته المعتادة “أعرب ياطالب الجملة الآتية” وبالطبع لم يكن النجاح حليف الغالبية، فقد كان يعرف قدر كل طالب ومستواه، ويزيد قليلا عن مستوى الطالب عند سؤاله.
لذا كان دائما ما يصحح، مرتكزا على ما بدا لنا جميعا أنهما أهم كلمتين في الاعراب وتحديدا هما “المبتدأ والخبر”.
المبتدأ والخبر.. كلمتان اذا بدأت الجملة بأحدهما نهرول في باقي الجملة بحثا عن الاخرى فإن بدأت بمبتدا، بحثنا عن الخبر، الذي لا يكتمل المعني ولا المضمون الا بوجوده، وان كان خبر مقدم، وقعنا في فخ متكرر، ما ان نفك شفرة الجملة، الا ونبحث عن المبتدأ المؤخر.
باختصار، فهما إما متجاورتان او متباعدتان، فأي مبتدأ لابد ان يكون له خبر، وقد لا تفهم أي جملة الا بأركانها الأساسية هما هنا، المبتدأ والخبر ودائما المعني يظل منقوصا اذا كتبت بمبتدأ فقط ولاتقفل الجملة سواء في المعني والمضمون الا اذا تزاوج المبتدأ بالخبر.
تعلمنا أصول اللغة العربية في حصة النحو وظلت هذة الحصة دائما ثقيلة وكل الطلبة في حالة تأهب خوفا من الوقوع في فخ مدرس النحو، والكل يتجنب ان يكون غير المحظوظ الذي يقع في فخ الاعراب المتكرر.
والحق اني لم أحب تلك الحصة الا بعد ان تحركت أحاسيس اللغة عندي وبدأت اتذوقها واستمتع بمفرادتها، فاحببت مادة النحو، ليس من اناقة المدرس فحسب، بل ايضا من عمق معاني اللغة.
ومنذ هذا الزمن ترسخت لدي قاعدة بالغة الاثر والتاثير، فاذا أردت الصياغة الدقيقة اتذكر حصة النحو واللغة العربية وصوت المدرس الرنان وهو متأكد من سيطرته علينا بقوة اللغة وليس قوته الشخصية، فاذا كان المبتدأ نقطة إرتكاز فإن الخبر قاعدة اطلاق الجملة لتحلق في سماء المعاني وتبحر اللغة العربية لسبر اغوارها.
والابحار هنا يمعني عمق اللغة وحاجتها الي بحار بارع وملاح يقود سفينة مملوءة بخيرات اللغة التي لا تنضب، وكل يوم عن يوم اتأكد ان اللغة العربية مثل نهر النيل الذي لاينضب ولا يجف عن العطاء بمياه المعاني التي هي كل الحياة وادوات الكتاب والشعراء والروائين والصحفين وكلنا تحت مظلة المبتدأ والخبر.
فاذا كانت مصر هي مبتدأ الجملة فالبقاء والوجود هو خبرها.
حفظ الله مصر كمبتدأ أي حضارة وتاريخها العريق خبر اللغة العربية.