الله عليكي يا مصر.. تبني وتساعدي ووقت الشدة تحمي وتساندي| بقلم جورج عياد

جزى الله الشدائد كل خير وان كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها حمداً ولكن عرفت بها عدوي من صديقي
يحفظ المصريون عن ظهر قلب هذه الأبيات المأثورة من شعر الإمام الشافعي، حتى تحولت إلى منهج وأسلوب حياة يمنحهم قوة احتمال لا تقارن وقدرة على المواجهة لا يتصورها أحد.. وميزتهم دون باقي شعوب العالم إلى رجال أفعال وليس فقط أقوال.
وحتى لا يكون الكلام مطلقاً على عواهنه.. فقد أثبتت الأحداث الخطيرة التي تموج بها منطقتنا العربية أن المصريين أجدع ناس، والذي يبرهن على قدرة أبناء هذا البلد الأمين تحدي أي مستحيل واحتمال أية ضغوط مهما كانت لأجل هدف واحد ألا وهو: تبقى الرأس مرفوعة ونقف إلى جوار أشقائنا في العروبة على قلب رجل واحد لا نكل ولا نمل ولا نشتكي الهوان أو ضيق العيشة.
فمن يتتبع حجم الصعوبات والتحديات التي واجهتها أرض الكنانة مصر، البلد الأمين، خلال السنوات العشر الماضية سيكتشف على الفور أنه يصعب على أعتى الأمم احتمالها مع الاحتفاظ بالهوية الأصيلة التي تحفها الشهامة والمروءة ونجدة المحتاجين.. فبداية من استعادة مصر ممن أرادوا اختطافها وتحويلها إلى إحدى ولايات المرشد والاحتكام لأمر أمير الجماعة، ومرورا بالإصرار على بناء جمهورية جديدة تجمع كل أطياف أهل البلد دون تمميز أو تفرقة.
ولا تخفى على أحد كمية الضغوط التي تعرض لها الشعب المصري في هذه المرحلة من مؤامرات وفتن ودسائس وتنظيمات إرهابية مدعومة من أجهزة إجرامية وعصابات دولية.. إلا أن المصريين تصدوا لها بصدور مكشوفة خلف راية الوطن والزعيم القائد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تحمل الأمانة والمسئولية في فترة من أشد الفترات التي مرت بها مصر لكن هذا لم يزده إلا عزيمة وإصراراً على العبور بسفينة البلاد إلى بر الأمان.
ووسط هذا وذاك كانت الظروف الدولية والإقليمية وكأنها تقف لنا بالمرصاد.. فمن أزمة وبائية عالمية هي تفشي فيروس كورونا وما شكله من شبح الموت الذي ألقى بظلاله القاتمة على كافة أوجه الاقتصاد العالمي وما صاحبه من اغلاق وركود أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى نسب غير مسبوقة.
تلى ذلك الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على جميع الأنشطة الاقتصادية والتجارية على كافة الأصعدة، وما صاحبها من تراجع حاد في معدلات السياحة الوافدة إلى مصر والتي تعتبر أحد أهم مصادر النقد الأجنبي وارتفاع أسعار جميع السلع التي نستوردها من الخارج.. مما انعكس على زيادة أسعار جميع السلع والخدمات.
وقبل عدة شهور.. اندلعت أحدث مؤسفة في السودان الشقيقة أشبه بحرب أهلية ما أدى لموجة نزوح قوامها أكثر من 200 ألف سوداني إلى الملجأ الوحيد مصر التي فتحت لهم أحضانها لتستقبلهم على الرحب والسعة وكأنهم في بلدهم الأول وليس الثاني.
إلى أن وصلنا إلى المشهد الأخير بوقوع العدوان الإجرامي الغاشم للاحتلال الصهيوني على أكثر من مليوني شقيق فلسطيني في قطاع غزة.. وكالعادة انبرت مصر عن بكرة أبيها لتبذل كل جهود ممكنة لوقف الاعتداء السافل على الأبرياء العزل، ليس ذلك فحسب بل جندت الدولة بتوجيهات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي بتنظيم حملات التبرع بالدماء لأخوتنا الفلسطينيين، إلى جانب إعداد قوافل إغاثة طبية وغذائية وبطاطين وملابس قوامها لا تحصيه العين لتضم مئات الشاحنات ليس تكرماً أو تجملاً من الشقيقة الكبرى مصر.. ولكن إيماناً منها بأن الشقيق يظهر معدنه الأصيل وقت الضيق بعيداً عن الأقوال العنترية المتنطعة والمغرقة في المنظرة والتمثيل.
كل هذا بلا أدنى شك يكشف أن المصريين هم الشعب الجبارين حقاً .. فقد أبدوا بسالة لا تضاهى في الفداء والاحتمال والوقوف إلى الأخوة في العروبة ولو على حساب ارتفاع الأسعار والصبر على جني ثمار المشروعات الاقتصادية العملاقة التي بنتها سواعد مصرية فتية كانت كفيلة لانتقالنا إلى “حتة تانية” فعلياً وحرفياً لولا التحديات التي لا ذنب لنا فيها سوى أن قدرنا أن نكون الشقيق الأكبر وما أدراكم بمسئوليات الشقيق الأكبر الذي عليه مسئولية وأمانة “مسافة السكة” لكل من يحتاج وقفات الرجال.