آراءشويّة دردشة

اللسان عنوان .. كيف ؟| بقلم د. ضحي اسامه راغب

المرء مخبوء تحت لسانه وهذا يعني أن المرء يخفي الكثير خلف صمته، إن هذه الكلمة لأمير المؤمنين تحمل في طياتها من المعرفة العالية ما يطبع الشخصية بالوعي والفهم الفذّ، فإن اللسان المذكور في كلامه الشريف لا يُقصد به مجرد هذا العضو من البدن فحسب، بل مضافاً إليه الدور المنوط به.

واللسان هو أقوى عضلة في الإنسان، فهي كالحصان الذي يروض على ما يعلمه عليه صاحبه إن لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك هذه مقولة عربية قديمة، والمثل يشبه اللسان بالحصان الاصيل بقدر ما تحافظ عليه سيكون محافظا عليك كفارس له، ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان.

وعلى المرء أن يتذكر على الدوام قوله تعالى: ” ما يَلفِظُ مِن قول إلاّ لَديهِ رَقيب عَتيد ” .

وقال بعض الحكماء إنما خلق للإنسان لسان واحد وعينان واذنان ليسمع ويبصر أكثر مما يقول، ثم أنه حبس بأربعة أبواب الشفتان مصراعان والأسنان مصراعان.

وما يحصل الحكماء على الحكمة إلاّ بالتفكر والصمت، وللسان آفات لاتعادلها آفات عضو آخر في البدن.

فمن آفاته الكذب ، والوعد الكاذب ، والغيبة ، والنميمة ، والمزاح ، والمراء ، والجدل ، والفحش في الكلام ، والكلام فيما لايعني وفضول الكلام ، والخصومة ، واللعن ، والسخرية والإستهزاء ، والحلف الكاذب ، والخوض في الباطل ، والتقعر ، والتشدق ، والتكلف في الكلام ، والغناء ، وقول الشعر الماجن ، وإفشاء السر ، والمدح أمام الممدوح ، والذم بما لا يستحق .. ومثل هذه الآفات يستحق كل واحد منها الحذر من الوقوع في مساوئه، وكلها من آفات اللسان .

وعلى المؤمن أن يراقب كلامه أكثر من كلام الناس، فلا يتكلم إلاّ بعد رَوِيَّة وتفكر، فإذا ما نطق بالكلمة، خرجت الكلمة من سيطرته وأصبحت ملك من سمعها.

أما قبل ذلك فهي ملكه إن شاء تفوه بها وإن شاء كتمها، وعلى المرء أن لا يستهين بالكلمة، فرب كلمة أحدثت فتنة، ورب فتنة تسببت في إزهاق أرواح أو في خصام وشقاق.

ألا تستحق مثل تلك الكلمة أن يهوي بها صاحبها في جهنم .

ولا بدّ من الالتفات إلى العلاقة الوطيدة بين الكلام وبين إرادة المتكلم واختياره، فصحيح أن الكلام وظيفة منوطة باللسان من الناحية الفيزيولوجية لكنه في الوقت نفسه فعل من أفعالنا الاختيارية التي يحكمها شعورنا وإدراكنا من جهة تخطيطية، وقدرتنا وإرادتنا من ناحية تنفيذية.

فالكلام من هذه الجهة، ليس فعلاً من أفعال اللسان، إلا إذا شئتم أن تقصدوا بذلك أنه فعل لا إرادي، أي فعل بيولوجي من جهة أن كل عضو من أعضاء الجسد له دور ووظيفة في الحياة.

لكن الكلام – من جهة النفس التي تتحرك بإرادتها واختيارها من خلال الجسد – يعتبر فعلاً اختيارياً وإرادياً للنفس، وليس فعلاً تكوينياً اضطرارياً كحركة العين أو حركة اللسان اللاشعورية.

إن حركة اللسان بالتكلم خاضعة لحركة النفس الإرادية، فإذا أردت أن تسكت يسكت لسانك، وإذا أردت أن تنطق ينطق.

إذاً أنت حاكم أمرك وليس اللسان حاكمك، فلا يتذرّعنّ أحد بأنه قد سبقت هذه الكلمات على لسانه من دون قصد، بل هناك قصد خفي لهذه الكلمة، فلا نتسرع في إطلاق الكلمات لنقع في ورطات، ثم نعمد بعد ذلك إلى الاعتذارات حفظاً لماء الوجه، وإنما لنحاول قدر الإمكان أن لا نتصرف من خلال اللسان إلا بعد التفكُّر والتدبُّر واتخاذ القرار بأن نتكلم، أو نصمت، فاحفظ لسانك أيهـا الإنسـان لا يلدغنـك إنـه ثعـبـان كم في المقابر من قتيل لسانـه كانت تهاب لقـاءه الأقـران .. فإذا أردنا أن نتكلم فليكن كلامنا خيراً أو فلنصمت إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى