الفصل الرهيب من عمر مصر .. بقلم وسام سمير

الفصل الرهيب من عمر مصر
مصر .. أنشودة الأزمان و معشوقة التاريخ .. هي ارض السلام ورائدة الامم .. وقد خاضت عبر الدهور الكثير وبقت دائماً في شموخ .. وهي اليوم تروي من أعماق قلبها قصة كفاح سوف يقف أمامها التاريخ كثيرا بالفحص والدرس ..
– إنها مصر في الرابع والعشرين من يونيو عام ٢٠١٢ …
– جلس محمد مرسي العياط علي عرش مصر في لحظات دقيقة من عمر الوطن ….
لا تختلف كثيرا عن تلك اللحظات التي جلس فيها الطاغية بيبرس الجاشنكير علي العرش يوم سادت الفوضي والتخبط والخوف من المجهول عام ١٣٠٩ للميلاد .
– وفي منتصف نهار التاسع والعشرين من يونيو ظهر محمد مرسي في قلب التحرير وحلف اليمين امام اتباعه ضاربا بعرض الحائط الثوابت الدستورية العريقة لـ ام الدنيا ، وكما لو كان مجبرا ووقف في الثلاثين من يونيو امام المحكمة الدستورية وأعاد حلف اليمين .
في لحظات كانت فيها ارض الفيروز تبكي حزنا وألما علي ترابها المنتهك من قبل أناس لادين لهم ولا توجد رحمة في قلوبهم مثلهم مثل جحافل الدلاة الذي أتي بهم محمد علي في بدايات حكمه لمصر كي ينال من الشعب المصري العظيم إلا أنهم سقطوا وطردوا خارج تراب الوطن … ومازال أحفاد احمس خير أجناد الارض يخوضون المعارك كي يطهروا ارض الفيروز من دلاة العصر .
وبدا الاخوان وعلي راسهم مرسي العياط في تحدي أركان الأمة المصرية يوم ان اتخذ القرار بإعادة مجلس الشعب المنحل، كأول خطوة نحو الانقضاض علي الفريسة .
وفي الخامس من أغسطس ومع أذان المغرب كانت الجريمة البشعة التي انسحقت لها القلوب .. مقتل خير أجناد الارض وهم علي مائدة إفطار رمضان .. فهيمن الريب علي سماء مصر وتظاهر مرسي واتباعه بالبراءة واعلن عن نيته في شن حمله مكبرة للإطاحة بمجرمي سيناء وقد تشابه في هذا كثيرا مع الحاكم بامر الله الذي أمر اتباعه بقتل المصريين ثم تنصل من الجناة وامر بالقضاء عليهم
– ولم يكن غريبا علي رجلا لم يعرف معني الشرف ونبل الأخلاق ان يمنح نفسه جميع الأوسمة المصرية الرفيعة دون استحقاق او جدارة.
واخذ الجرح ينزف ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث تنقطع الكهرباء ويسود الظلام الحالك كل مدن الصعيد فاظلمت السماء بأكملها وهو الأمر الذي أعاد الذاكرة المصرية الظلام الحالك الذي هيمن في منتصف القرن الحادي عشر واستمر لاياما عديدة فتشائم المصريون واقشعرت النفوس .
وفي الثاني عشر من أغسطس ٢٠١٢ تم الإطاحة بوزير الدفاع ورئيس الأركان المصري وبدأ ظهور نجم الخلاص حين عين وزيرا للدفاع .. انه عبد الفتاح السيسي .. وفي نفس الليلة ظهر مرسي العياط متحديا السيادة الدستورية للدولة المصرية واصدر الوثيقة التي كتبت بداية النهاية لمؤامرة العصر .
– ثم انطلق في رحلة صادمة الي ايران .. وبدأت ملامح المؤامرة في الظهور حين اتضح جاليا ان الهدف الاكبر هو ضرب الغطاء الأيديولوجي الذي أخذت تتمتع به مصر علي مدار تاريخها الطويل .. فقد استيقظت عروس المتوسط في صباح السابع من سبتمبر علي مذبحة الكتب والمعارف في شارع النبي دانيال مما جعل الماضي يبعث من أعماقه بأكبر جريمة حضارية عرفتها العصور الوسطي حين دمرت كتب مصر وطرحت في قلب الصحراء وعرفت بمذبحة تل الكتب .
وفي السادس من اكتوبر من نفس العام صدمت مصر حين جلس القتله في الصفوف الأمامية يحتفلون بموت السادات .. فاحتقنت النفوس وشعر الجيش المصري بانه بات مستهدفا في كرامته وتاريخه .
وقد جلس تاوضروس الثاني علي الكرسي المرقسي في الرابع من نوفمبر خلفا لاثناسيوس العصر الحديث البابا شنودة الثالث، فابتهج الأقباط ولكن ..
حدث في صباح السابع عشر من نوفمبر ما اندي له الجبين وارتجفت من اجله قلوب المصريين .. حادث قطار أسيوط الذي أودي بحياة عشرات الملائكة .. فبكت مصر كلها باستثناء مرسي وجماعته إذ أنهم كانوا يدبرون لأمرا بات بالنسبة لهم أكثر أهمية من أرواح المصريين ….
انه الإعلان الدستوري الذي انقض به علي مصر صانعا من نفسه إلها فوق الجميع .. فأخذ العملاق ينتفض واخذ الغضب يحلق في الأفق .. فتسرب الخوف الي قلب الجماعة ونزلوا الي الشوارع في مليونية الخوف .. إلا انه في الخامس من ديسمبر كان للمواجهة .. و الكلمة العليا للشعب امام قصر الحكم في الاتحادية .
– وبعد أياما قليلة حاصر الاخوان المحكمة الدستورية العليا في تحدي فريدا من نوعة كي يمهدوا الطريق لارتكاب أكبر جريمة في حق السيادة والدولة … انه .. دستور الاخوان الذي تم وضعه في ساعات قليلة و تحت جنح الظلام كي ُيحكم به المصريين .. كذا كان الحال مع خاير بك الذي دبر لحكم مصر في ظلام الليل ولكن القدر لم يمهلهما كثيرا ..
– وفي الخامس عشر من نفس الشهر تم الاستفتاء الهزلي علي دستور الظلام وتم إقراره قبل ان تغيب شمس العام بساعات قليلة
– وأخذت الأحداث تتسارع مع بدايات العام التالي إذ انه في السادس والعشرون من يناير عام ٢٠١٣ صدر حكما بالإعدام علي مجموعة من أبناء مدينة بورسعيد علي خلفية مذبحة الدوري المصري فشعرت المدينة الباسلة بالقهر والتعسف وانطلقت الفوضي في كل الإرجاء فخرج محمد مرسي واعلن حظر التجوال فتحداه الشعب واسقطوا هيبته حين نزلوا الي الشوارع ضاربين بقراراته عرض الحائط وبات واضحا تعاطف الجيش المصري مع أبناء القناة .
– ومع نهاية شهر يناير انطلق مرسي الي ألمانيا وقابل المستشارة أنجلا ميركل في زيارة يكتنفها الغموض وما هي إلا أياما قليلا ووصل احمدي نجاد الي ارض النيل في زيارة لمسئول إيراني منذ ان انقطعت العلاقات في الربع الاخير من القرن الماضي وقد قوبل نجاد بمشاعر الاستياء وعدم الترحاب .
– واستيقظ المصريون في صباح السادس عشر من فبراير علي مفاجأة عجيبة من نوعها … اختفاء راس تمثال عميد الأدب العربي .. المصري .. طه حسين في ظروفا غامضا زادت من حالة الريب لدي الجميع ثم لاحقها حادثة لم تشهدها مصر من قبل وهو احتراق المنطاد السياحي فوق الأقصر وموت اغلب السائحين وقد تم تصوير الحادث لحظة وقوعه .. ثم فجاءة ودون توقع ظهرت أسراب الجراد لأول مرة في سماء القاهرة فحجب قرص الشمس وكان هذا إذعانا بما هو قادم ..
– ثم أخذت المواجهات تتصاعد بين الشعب وبين الاخوان وكان جبل المقطم هو شاهد العيان .. وفي التاسع من مارس هجم مجموعة الشباب علي مبني اتحاد الكرة واضرموا فيه النار واخذ التسائل يطرح نفسه .. من يكون هؤلاء ؟!
– وكعادته انطلق مرسي الي باكستان وفي مشهد هزلي ظهر وخطب بكلمات مبتذلة أهان اسم مصر امام العالم ..
– وشق شهر ابريل حجاب الزمن ليأتي بالأحداث الفاصلة إذ انه في الرابع منه كانت مذبحة غامضة قد وقعت في منطقة الخصوص وراح ضحيتها عدد من الأقباط وأكدت روايات شهود العيان ان هناك مجموعة من الملثمين قد اقتحموا المنطقة وارتكبوا المذابح .. وبعد ثلاثة أيام فقط تلقت الكاتدرائية المرقسية صفعه مدوية في أثناء مراسم العزاء إذ تعرضت لهجوم خاطف من مجهولين وتم التعدي عليها وعلي المصليين وقد حاول البابا ان يستغيث بـ محمد مرسي هاتفيا إلا ان الاخير بات هادئا وغير مباليا بالأمر .
ثم جاء الدور علي اعرق مؤسسة دينية في الشرق ” الازهر الشريف ” الذي وقف بثبات وحسم وتصدي لمحاولات الاختراق والتهميش الذي لم يري مثيلا له منذ ان بناه المعز لدين الله ، فقد كانت واقعة تسمم طلبة الازهر هي الخطوة الاولي لاسقاطه إلا ان القدر قد حماه وحافظ علي ثباته شامخا ..
– وأخيرا كشف الشيطان عن وجهه القبيح حين اعلن مرسي والإخوان عن مشروع إقليم قناة السويس كخطوة أولي لعزله تماماً عن ارض النيل وظهرت صكوك الغفران الإخوانية لبيع مصر بالكامل وتفجرت جرائم الفتنة والتهجير في صعيد البلاد وفي التاسع عشر منه ذهب مرسي ليقابل بوتين في روسيا فكان غير مرحباً به فزادت سخرية المصريين منه وقبل ان ينتهي هذا الشهر كانت قد تأسست حركة تمرد التي أخذت علي عاتقها حشد النفوس المقهورة والمجروحة وبدأت تلهم الناس بيوم الخلاص الذي اقترب .. واستمرت مسرحياته الهزلية متجسده في واقعة اختطاف السبع جنود في سيناء وإطلاق سراحهم وقد تظاهر مرسي بانه البطل المغوار إلا ان هذا زاد من تقزيم صورته امام الشعب
وفي ال٢٠ من مايو تعرضت عروس المتوسط للمرة الثانية لتشوية صورتها الحضارية حين استيقظ الناس وفوجئوا بتشويه تمثال عروس البحر وتغطية صدور وأرداف اغلب تماثيل الإسكندرية ذات الطابع الروماني، كما صدر قرار بمنع عروض فن البالية من الأوبرا الأمر الذي كان صادما لكل مصري واعتبر هجوما واضحا علي أعلام الفن والفكر والثقافة المصرية .
– وفي الثالث من يونيو كانت الفضيحة الكبري تتألق علي الهواء مباشرتا حين جلس مرسي متوسطا مجموعة من المصريين وأخذوا يتناقشون في سبل الحلول المحتملة لقضية سد النهضة الإثيوبي فسخر العالم كله وعلي راسه إثيوبيا من هذا الرجل الذي بات واضحا انه فقد ثوابه .
– وانتصف الشهر وقبل حلول الظلام استقبل ستاد القاهرة التجمع المريب واخذ المصريين يشاهدون مايحدث وهم في حيرة ورهبة مما هو قادم علي مصر ..
– وفي الثامن عشر من يونيو تلقت مدينة القصور في صعيد مصر إهانة بالغة حين عين احد الإرهابين الذي نال منها يوما محافظا لها و ظهرت جريمة نادرا ما تحدث في مصر مع حلول اليوم الرابع والعشرون من الشهر إذ فوجيء الجميع بقتل احد مشايخ الشيعة في منطقة الخصوص والتنكيل بجثته في مشهد اقشعرت منه النفوس .
– وفي صباح الأحد الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ أخذ هب العملاق بقوة وباس شديد وانطلق المصريين الي الشوارع فنبهر العالم وارتجفت قلوب الاخوان … وجاءت الكلمة الفاصلة حين تحرك الجيش المصري في عصر الاثنين لأول من يوليو واعلن في بيان تليفزيونى مهلة زمنية لإنهاء هذه المهزلة السياسية .. إلا ان الاخوان لم يستجيبوا لأي حلول سياسية بل قاموا بارتكاب مجازر مخيفة في منطقة بين السرايات وجامعة القاهرة اندي لها الجبين ..
– وقبل ان ينتصف الليل كان مرسي يلقي بخطابه الاخير والذي أسقطه نهائيا من حسابات الشعب المصري
– فاحتبست الأنفاس واخذ الكل ينظر الي السماء في انتظار الخلاص المنشود والذي جاء متألقا وحاسما في مساء الأربعاء الثالث من يوليو عام ٢٠١٣ حين ظهر الفارس المصري الباسل عبد الفتاح السيسي يتوسط عمودي الأمة المصرية وبقلب الأسد اعلن إنهاء هذا الفصل الرهيب من عمر مصر وكشف عن خارطة طريق اعتبرت هي خط الضوء الخاطف الذي شق قلب الظلام وحلق بمصر والمصريين الي آفاق الحرية وسموات الكرامة .
وستبقي دائماً عاطرة الذكر الباقية مصر .. شامخة في آفاق الأزمان … صامدة تتحدي الأيام .
وسام سمير