تقاريرعاجل

الفرنسيون يدلون بأصواتهم في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية

بدأ الفرنسيون الادلاء باصواتهم الاحد في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي يتوقع ان يفوز فيها الرئيس ايمانويل ماكرون رغم نسبة امتناع كبيرة، باغلبية ساحقة تسمح له باطلاق اصلاحاته في مواجهة معارضة ضعيفة.

وفتحت مراكز الاقتراع التي يناهز عددها 67 الفا في فرنسا، ابوابها عند الساعة السادسة بتوقيت غرينتش، على ان يستمر التصويت حتى الساعة 16,00 بل وحتى الساعة 18,00 في المدن الكبرى.

وتبدو حركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” على وشك السيطرة على ثلاثة أرباع المقاعد في الجمعية الوطنية، وهو إنجاز مدهش سيمكنها من الإطاحة بأي معارضة، وهذا على الرغم من عدم حصولها إلا على نحو 15 بالمئة من أصوات الناخبين المسجلين في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية يوم الأحد.

في مختلف مناطق فرنسا تمكن مرشحو “الجمهورية إلى الأمام”، وكثيرون منهم حديثو العهد في المعترك السياسي، من تحويل المشهد السياسي في البلاد، وأزاحوا من طريقهم مرشحي اليسار واليمين ببساطة شديدة. وتشير التوقعات لاحتمال حصولهم على نحو 430 مقعدا من أصل 577 في الجمعية الوطنية في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية الأحد المقبل. وهذا دون احتساب الناجين من الحزبين التقليديين الذين أعلنوا عن تأييدهم للرئيس الفرنسي الشاب (39 عاما)، أملا بإيجاد مكان لأنفسهم على سفينة ماكرون هربا من الطوفان.

ويظهر أن الرئيس الفرنسي الجديد، الذي تعهد خلال الحملة الانتخابية بتغيير واسع في “النظام”، على وشك استغلال هذا النظام كما لم يفعل أي قبله. وإذا ما تأكدت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في الدورة الثانية، فإن حركته التي لا يزيد عمرها عن 15 شهرا ستستفيد من النظام الانتخابي ذي الدورتين للحصول على إحدى أكبر الأغلبيات البرلمانية التي شهدتها فرنسا في تاريخها، ما يعطي مؤسس الحركة إمكانية احتكار السلطة في البلاد.

استطلاعات الرأي تشير إلى أكتساح حزب ماكرون

المسألة الوحيدة المجهولة هي حجم فوز الحزب الرئاسي “الجمهورية الى الامام!”. وتشير استطلاعات الرأي الى انه سيحصل على ما بين 400 و470 مقعدا نيابيا من اصل 577 مقعدا في الجمعية الوطنية، اي واحدة اكبر الاغلبيات التي سجلت خلال الجمهورية الخامسة التي بدأت في 1958.

وبتأهل 222 نائبا منتهية ولايتهم فقط الى الدورة الثانية ونسبة تصل الى اربعين بالمئة من النساء المرشحات، ستنبثق عن هذه الانتخابات جمعية وطنية تم تجديدها بعمق وتتسم بمشاركة نسائية كبيرة.

ودعي اكثر من 47 مليون ناخب الى التصويت في هذا الاقتراع الذي ستكون نسبة الامتناع فيه تحت المجهر بعدما بلغت 51,3 بالمئة في الدورة الاولى.

وفي جزيرة غوادلوب في ارخبيل الانتيل حيث جرى التصويت السبت بسبب الفارق في التوقيت، سجلت نسبة المشاركة ارتفاعا طفيفا بالمقارنة مع الدورة الاولى للاقتراع التي جرت في 11 يونيو. وقالت جان (60 عاما) انها جاءت للتصويت “لانه واجب” وعبرت عن اسفها لان نتائج هذا الاقتراع “معروفة سلفا”.

ويبدو ماكرون (39 عاما) الذي لم يكن معروفا منذ ثلاث سنوات فقط، وفاز امام شخصيات مهمة على الساحة السياسية، في موقع يسمح له بكسب آخر رهان له وهو الحصول على اغلبية واسعة في الجمعية الوطنية احد مجلسي البرلمان، تسمح له بالسير قدما في اصلاحاته الليبرالية الاجتماعية.

ويشدد اصغر رئيس في تاريخ فرنسا على ثلاث اولويات في مشروعه هي وضع معايير اخلاقية للحياة السياسية واصلاح قانون العمل وتعزيز ترسانة مكافحة الارهاب.

بحث يائس عن معارضة

في الدورة الاولى، فازت الحركة التي اسسها ماكرون منذ فترة قصيرة ب32,3 بالمئة من اصوات المقترعين وازاحت احزاب اليمين واليسار التقليدية التي تهيمن على الساحة السياسية منذ عقود.

واحتل المرتبة الثانية لكن بفارق كبير حزب الجمهوريين اليميني الذي حصل على 21,5 بالمئة من الاصوات، ثم اليسار الراديكالي (13,7 بالمئة) فاليمين المتطرف (13,2 بالمئة) والحزب الاشتراكي الذي حصل على 9,5 بالمئة من الاصوات. وهذا يعني ان المعارضة تشكل نسبة ضئيلة بسبب نظام الاغلبية الفرنسي.

وعنونت صحيفة “لوباريزيان” السبت “بحث يائس عن معارضة”، ملخصة بذلك القلق حيال جمعية وطنية يطغى عليها لون واحد الى حد كبير.

تساءلت صحيفة “لوفيغارو” من جهتها “اذا لم تكن المعارضة موجودة في الجمعية (الوطنية) (…) فأين ستكون موجودة؟”. واضافت “في بلد مثل فرنسا يجب ان نخاف من ان تكون (المعارضة) في الشارع”.

ظهور ضعيف لليمين الفرنسي

وفي مواجهة “موجة ماكرون” لا يمكن لليمين ان يتطلع الى اكثر من ستين الى 132 مقعدا في الجمعية الوطنية، حسب التقديرات، مقابل اكثر من مئتين حاليا.

اما الحزب الاشتراكي الذي كان يشغل نصف مقاعد الجمعية الوطنية المنتهية خلال الولاية الرئاسية لفرنسوا هولاند، فلا يمكنه الاعتماد على اكثر من بضع عشرات من النواب.

اما اليمين المتطرف واليسار الراديكالي الذي كان يأمل كل منهما في قيادة المعارضة، فلم يتمكنا من الحصول على النتائج الجيدة نفسها التي سجلاها في الاقتراع الرئاسي.

فاستطلاعات الرأي ترجح فوز مارين لوبن زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف التي خسرت امام ماكرون في الانتخابات الرئاسية، في معقلها الشمالي اينان بومون، لكنها قد تكون النائبة الوحيدة لليمين المتطرف في الجمعية الوطنية.

اما حزب فرنسا المتمردة الذي يقوده جان لوك ميلانشون والحزب الشيوعي فيأملان في الحصول على عدد كاف من النواب (15) يسمح بتشكيل كتلة برلمانية.

والتغيير واضح بوجود عدد كبير من النواب الجدد بينهم كثر جديدون على الساحة السياسية، بما ان نصف نواب “الجمهورية الى الامام!” القادمين من المجتمع المدني، لم يسبق لهم ان شغلوا مناصب بالانتخاب من قبل.

وقال ديدييه موس الخبير في الدستور “قضينا على كل ما يمثل نظام قديم ونقوم بتجريب شىء آخر”.

ورأى ان الانتخابات يمكن ان تؤدي الى “اكبر عملية تجديد للطاقم السياسي منذ 1958 وربما منذ 1945”.

معدل تاريخي للامتناع عن التصويت

بالنسبة للمراقبين الذين فاجأهم المشهد البريطاني ما بعد استفتاء بريكسيت وصدمة وصول دونالد ترامب للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، تبدو فرنسا كمنارة للاستقرار والإيجابية في العالم. ويعتبر كثيرون إيمانويل ماكرون رئيسا تقدميا واسع الأفق، وباستثناءات قليلة، أبرزها روسيا وإدارة ترامب، كان انتخابه على رأس هرم السلطة الفرنسي موضع ترحيب عالمي، وخاصة بين شركاء باريس الأوروبيين. وكثيرون يتفقون مع هتاف رئيس الوزراء الفرنسي يوم الأحد “لقد عادت فرنسا”، كائنا ما كان معناه.

ولكن عددا من إشارات التحذير ترافق انتصار ماكرون، أولها المعدل الهائل للامتناع عن التصويت الذي مهد الطريق لهذا الانتصار. إذ هبطت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الفرنسية لما دون 50 بالمئة لأول مرة في تاريخها. ما يعني أن نسبة 32,2 بالمئة من الأصوات التي حصل عليها مرشحو حركة “الجمهورية إلى الأمام” لا تمثل سوى 15,2 بالمئة من إجمالي أصوات الناخبين المسجلين في فرنسا.

وتشير صحيفة “لوموند” واسعة الانتشار في عددها الصادر الاثنين إلى أنه “لم يسبق على مر التاريخ أن حصل حزب سياسي على أغلبية كهذه بعدد أصوات متدن بهذا الشكل”. ويطلق هذا الانخفاض التاريخي في معدل التصويت إشارات إنذار بشأن شرعية الرئيس وحركته أثناء استعدادهما لتنفيذ إصلاحات واسعة في البلاد.

إقصاء المعارضة بسبب الامتناع عن التصويت

ومن أسباب الامتناع عن التصويت في بلد يوصف شعبها غالبا بأنه مسيس جدا، التعب الشديد بعد عام انتخابي حافل تضمن انتخابات تمهيدية لليمين ثم لليسار، تبعتهما دورتا الانتخابات الرئاسية، قبل شهر واحد فقط من الانتخابات التشريعية. وأيضا يرجع هذا إلى النظام الانتخابي الفرنسي الذي يجعل من الانتخابات التشريعية حدثا ثانويا لاحقا للانتخابات الرئاسية شديدة الأهمية. وزاد ماكرون من اختلال التوازن هذا بقيامه بـ”شخصنة” شديدة للسياسة في البلاد.

وربما كان أهم العوامل التي أدت لانصراف الفرنسيين عن التصويت حالة “القرف” والإحباط من الحزبين السياسيين التقليديين اللذين هيمنا على المشهد السياسي في البلاد طيلة عقود.

وسيكون إنجازا بالنسبة لحزب “الجمهوريون” المحافظ إذا تمكن من الفوز بمئة مقعد اليوم الأحد. أما “الحزب الاشتراكي” الذي قاد البلاد في الحكومة السابقة لوصول ماكرون للرئاسة، فقد تم مسحه بشكل كامل تقريبا من المشهد السياسي. وبقدر ما استفاد ماكرون، الذي كان وزيرا للاقتصاد في حكومة مانويل فالس الاشتراكية في ظل رئاسة فرانسوا هولاند، من انهيار “الحزب الاشتراكي”، كان أيضا من العوامل التي ساعدت على هذا الانهيار.

ولم تتمكن الأحزاب الأخرى التي رغبت بركوب الموجة المناهضة للمؤسسة من إحداث اختراق في الجمعية الوطنية. حزب “الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان التي خسرت الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية أمام ماكرون، فشل في ترجمة حضوره القوي في الرئاسيات إلى مقاعد في البرلمان، إذ تشير التوقعات لحصوله على خمسة مقاعد فقط. كذلك كان الحال بالنسبة لحركة “فرنسا الأبية” من أقصى اليسار، التي كانت تسعى لتصبح القوة الأساسية في اليسار الفرنسي، فركزت هجومها على “الحزب الاشتراكي” المتداعي، لتكون نتيجة هذا الهجوم الجمعية الوطنية تكاد تخلو من نواب اليسار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى