في عالم الصحة النفسية، تعد اضطرابات الأكل ليست مجرد مشكلات تتعلق بالغذاء والوزن، بل هي أعراض تعكس تعقيدات أعمق في الحالة النفسية، والتي قد تكشف عن تحديات جوهرية في تقدير الذات والتحكم العاطفي.
لذا في هذا المقال سنبين لك كيف يمكن لاضطرابات الأكل أن تكون علامة مساعدة في تشخيص الاضطرابات النفسية، ولزوم التعرف عليها مبكرًا لتوفير العلاج الأمثل.
مفهوم اضطرابات الأكل
اضطرابات الأكل هي حالة صحية نفسية تتميز بسلوكيات غذائية غير صحية تؤثر سلباً على الصحة البدنية والنفسية للشخص، وهذه الاضطرابات تشمل مجموعة من السلوكيات المرتبطة بالأكل، والتي تتراوح من تناول الطعام بشكل مفرط إلى الامتناع عن الطعام بشكل مفرط.
وقد بينت دراسة وهي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، التي نشرتها الجمعية الأمريكية للطب النفسي في عام 2013 أن اضطرابات الطعام لها تأثير كبير على الصحة الجسدية، وأكدت أن اضطرابات الأكل يمكن أن تسبب ضائقة عاطفية ومضاعفات طبية كبيرة، وتساهم في ارتفاع معدل الوفيات أكثر من أي اضطراب نفسي آخر.
أشكال اضطرابات الأكل
هناك العديد من أنواع اضطرابات الأكل، ولكل منها خصائصها المحددة ومعاييرها التشخيصية، ولكن تشمل اضطرابات الأكل المعترف بها رسميًا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الذي تم ذكره في الفقرة السابقة ما يلي:
الشره المرضي (Binge Eating Disorder): وهو أكثر اضطرابات الأكل شيوعًا، ويتميز بنوبات متكررة من الشراهة عند تناول الطعام، والتي تُعرف باستهلاك كمية كبيرة من الطعام مصحوبًا بالشعور بفقدان السيطرة.
فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa): يتميز بتقييد شديد في تناول الطعام نتيجة الخوف الشديد من زيادة الوزن، والرغبة المفرطة في النحافة، مما يؤدي إلى وزن جسم منخفض بشكل خطير.
الشره العصبي (Bulimia Nervosa): يتميز بنوبات متكررة من الشراهة تليها سلوكيات لتفادي زيادة الوزن مثل التقيؤ القسري، أو الصيام، أو ممارسة الرياضة بشكل مفرط.
كيف يمكن لاضطرابات الأكل بمختلف أشكالها أن تكون علامة مساعدة في تشخيص الاضطرابات النفسية؟
اضطرابات الأكل يمكن أن تكون علامات مساعدة في تشخيص الاضطرابات النفسية لأنها غالبًا ما تكون مرتبطة بمشكلات نفسية أخرى، وقد بينت دراسة هدفت إلى مواجهة التحديات في فهم وعلاج اضطرابات الأكل، ويشمل ذلك دراسات جديدة وأساليب علاجية مبتكرة ومبادرات للصحة العامة، كما أكدت الدراسة على ضرورة فحص كيفية تفاعل اضطرابات الأكل داخل الجسم، واستكشاف طرق فعالة للعلاج.
ويمكن أن تظهر اضطرابات الأكل نتيجة الاضطرابات النفسية التالية:
1- تقلب المزاج
اضطرابات الأكل غالبًا ما ترتبط بتقلبات المزاج، فهؤلاء الأشخاص قد يجدون في الطعام وسيلة للتخفيف من المشاعر السلبية، والذي يمكن أن يظهر في شكل الأكل العاطفي، حيث يُستخدم الطعام كوسيلة للهروب من المشاعر مثل: الحزن، والوحدة، والإجهاد. في هذه الحالات، يُعتبر الطعام مسكن مؤقت للألم النفسي، مما يخلق حالة من الاعتماد على الطعام للتعامل مع المشاعر.
2- الاكتئاب
الأشخاص المصابون بالاكتئاب قد يلجؤون إلى سلوكيات مختلفة في محاولة للتكيف مع هذه التحديات، وتشمل هذه السلوكيات، الحرمان من الطعام، أو الإفراط في تناول الطعام.
على سبيل المثال: يوجد ارتباط قوي بين الاكتئاب والشره العصبي (Bulimia Nervosa)، حيث يتم تشخيص 70.7% من الأشخاص المصابين بالشره العصبي أيضًا بالاكتئاب.
3- اضطراب الوسواس القهري
اضطراب الوسواس القهري (OCD) واضطرابات الأكل يمكن أن يكون لهما علاقة متقاطعة، فالأشخاص الذين يعانون من OCD قد يظهرون سلوكيات قهرية متعلقة بالطعام والنظافة، مثل: التفكير المفرط في نقاء الطعام أو الخوف من التلوث.
هذه السلوكيات قد تؤدي إلى تطوير عادات غذائية مقيدة أو غير صحية. علاوة على ذلك، يمكن للأفكار الوسواسية حول الوزن والشكل أن تسهم في تطور اضطرابات الأكل مثل الشره العصبي أو فقدان الشهية العصبي.
4- اضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder)
إن اضطراب القلق واضطرابات الأكل غالبًا ما يرتبطان بشكل وثيق، فالأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي قد يشعرون بالقلق الشديد بشأن كيفية إدراك الآخرين لهم، وقد يركزون بشكل خاص على جسدهم ووزنهم.
هذا الشعور بالوعي المفرط بالنفس والخوف من الحكم السلبي قد يؤدي إلى سلوكيات غذائية غير صحية، مثل: تجنب الطعام في المواقف الاجتماعية أو اللجوء إلى الأكل العاطفي كوسيلة للتعامل مع القلق.
كيف يمكن الحد من اضطرابات الأكل؟
يرتبط التدخل المبكر بتحسن النتائج، لذا يُنصح بعدم التأخير في طلب المساعدة، إذ تتوفر المساعدة بأشكال مختلفة، ومنها مايلي:
1- العلاج النفسي السلوكي (CBT): يركز على تغيير الأفكار والمعتقدات غير الصحية المرتبطة بالطعام والجسم، ويعلم الأشخاص كيفية التعامل مع المشاعر والتحديات بطرق صحية، وقد ناقشت دراسة استخدام العلاج السلوكي المعرفي (CBT) في علاج اضطرابات الأكل، وركزت الدراسة على أهمية العلاج المعرفي السلوكي في معالجة المشاكل والأفكار المرتبطة بالطعام والوزن والجسم، وأكدت على فعالية هذا النوع من العلاج في مساعدة الأشخاص على تغيير تصوراتهم وسلوكياتهم المرتبطة باضطرابات الأكل.
2- العلاج الأسري المبني على الأسرة (FBT): نظرًا لأن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل غالبًا لا يعتقدون أن لديهم مشكلة، لذا فقد يلعب أفراد العائلة دورًا حاسمًا في تقديم المساعدة، وهذا النوع من العلاج يُشرك فيه أفراد الأسرة في العلاج، ويهدف إلى تعزيز الدعم الأسري والتعاون لمساعدة الشخص على التعافي من اضطراب الأكل.
التعافي من اضطرابات الأكل ليس بالأمر السهل، فهو يتطلب شجاعة وصبر، ولكنه ممكن مع وجود نظام داعم ومناسب، وإذا كنت تعاني من اضطرابات الأكل وبدأت بملاحظة أن الأمر يؤثر على صحتك النفسية، يمكنك التواصل مع المختص من خلال تحميل تطبيق لبيه والذي سيساعدك على اتباع استراتيجيات فعالة ودقيقة لتحقيق صحة نفسية سليمة.
كما يمكنك الانضمام لبرنامج السيطرة على شراهة الأكل والذي سيساعدك على التعامل مع أهم اضطرابات الأكل بمتاعبة مع مختصين مؤهلين في هذا المجال.