«الطلاق» هم عابر للثقافات وإشكالية مجتمعية تتطلب تضافر الجهود لمواجهتها

تشكل “حالات الطلاق” والانفصال والتصدعات في الحياة الأسرية هما ثقافيا أصيلا سواء في الشرق أو الغرب ويمكن وصفها “بالهم العابر للثقافات على المستوى الكوني” بقدر ما تتحول لإشكالية مجتمعية تتطلب تضافر الجهود لمواجهتها.
وواقع الحال أن الثقافة الغربية مهمومة الآن بصورة ظاهرة بقضايا الطلاق والانفصال الزوجي وتأثيرها على الأبناء حتى أن بعض الصحف تنشر عناوين كتب يمكن ان تقدم نوعا من المساعدة والدعم النفسي على هذا الصعيد وهاهي الكاتبة والقاصة البريطانية فرانسيسكا سيجال تقترح على القراء عدة كتب اعتبرتها “مفيدة في مثل تلك الأوقات المؤلمة”.
كتب تتحدث عن مشكلة الطلاق
القائمة التي نشرتها جريدة “الجارديان” البريطانية مؤخرا لصاحبة قصة “الأبرياء” موجهة لهؤلاء الأبناء الذين يعانون من الآثار الناجمة عن طلاق أو انفصال الوالدين، وتتضمن عناوين كتب مثل كتاب:”تجاوز مرحلة” لشارون اولدز وهو كتاب يستكشف الآثار النفسية الناجمة عن انتهاء علاقة زوجية طويلة الأمد مع جهد بحثي يسعى لتخفيف حدة هذه الآثار وتجاوز آلامها فيما تحمل المؤلفة الوالدين المنفصلين مسؤولية الكثير من الآلام التي يكابدها الأبناء.
كما تتضمن القائمة التي اقترحتها فرانسيسكا سيجال كتاب سيرة ذاتية في قالب روائي بعنوان “غريب بشكل بشع ” لاستر فرويد حفيدة المحلل النفسي الأشهر سيجموند فرويد فيما كانت والدتها قد أقدمت على الانفصال عن والدها لتعيش “حياة الهيبيز” في نهاية ستينيات القرن العشرين.
وهناك كذلك كتاب “طعام، صلاة، حب” للكاتبة والروائية الأمريكية اليزابيث جيلبرت التي تتناول في قالب روائي تجربتها الخاصة في الطلاق ومحاولة استعادة ذاتها الممزقة كما اختارت فرانسيسكا سيجال قصة:”فتح القلعة” لدودي سميث الى جانب كتابين اخرين هما: “فخ الأبوين” للكاتب الألماني الراحل ايريخ كاستنر و”السيدة دواتفاير” للكاتبة البريطانية آن فاين وقد تحول هذا الكتاب الى فيلم سينمائي انتجته هوليود.
ولأنها إشكالية متعددة الجوانب فان الكتب التي تتناول التصدعات في الحياة الأسرية متعددة ومتنوعة في الغرب مثل كتاب “فجوة الزوجة الواحدة:الرجال والحب وحقيقة الكذب فى الحياة الزوجية” ويتناول فيه اريك اندرسون ثقافة الحياة الزوجية بالغرب الذى لايعرف تعدد الزوجات بالمفهوم القانونى وداخل اطر شرعية.
والكتاب يسعى للإجابة عن أسئلة من قبيل: لماذا يكذب الرجال على الزوجات؟!..فيما يحذر المؤلف الأمريكي وهو أستاذ فى علم الاجتماع بجامعة ونشستر من تصاعد” مسلسل الخيانة الزوجية في الثقافة الغربية التي تحظر تعدد الزوجات”.
والطريف ان بعض المعلقين في الصحافة الثقافية الغربية ذهبوا إلى أن العنوان الأنسب للكتاب هو “الدليل الكامل للخيانة الزوجية” فيما يتوغل المؤلف فى جذور وأسباب استشراء كذب الرجال على زوجاتهم.
ويذهب اريك اندرسون إلى أن الشرائع والثقافة الغربية التى تحظر تعدد الزوجات هى ذاتها التى تجعل الرجال يبررون لأنفسهم خيانة الزوجات بدعوى الملل فيما أجرى اندرسون دراسة مسحية نشرت ضمن الكتاب وأكدت ان اغلب المبحوثين من الرجال يميلون فعلا نحو تعدد العلاقات بحجج وذرائع تبدو فى الظاهر مقنعة غير ان سبر أغوارها يظهر فى المقابل وجود ثغرات فى هذا المنطق الساعى لتبرير تعدد العلاقات النسائية.
وإذا كانت العلاقة العابرة تختلف فى نظر الزوجة على اى حال عن العلاقة الراسخة للزوج مع امرأة أخرى فان هذا الكتاب يؤكد ان اغلب الرجال فى الغرب يصابون بالملل والضجر من الزوجات بعد نحو عامين فحسب من بدء الحياة الزوجية لتبدأ المغامرات الرامية لكسر شىء اسمه الملل فيما يستنكر العديد منهم اقدام الزوجة على التعامل بالمثل.
حسب دراسة إحصائية أجراها المؤلف فان أربعة أخماس عينة المبحوثين فى كتابه ارتكبوا إثم الخيانة الزوجية التى توسع اريك اندرسون فى تعريفها لتشمل حتى مكنون المشاعر وما يخفيه الفؤاد بل انه اعتبر خيانة المشاعر أكثر إيلاما من خيانة الجسد.
ولاريك اندرسون دراسات متعمقة فى سياق ما يعرف بعلم اجتماع الرياضة وله كتب عن مشاهير وابطال الألعاب الرياضية فى الولايات المتحدة الأمريكية ولم يبتعد فى كتابه هذا عن الرياضيين الذين شكلوا عماد عينة البحث الأمر الذى دفع ببعض المعلقين للتساؤل عن مدى تعبير هذه العينة البحثية التى تعد متحيزة بالمعنى البحثى لفئة الرياضيين عن كل الرجال.
وهذا النوع من الإشكاليات في الحياة الزوجية يؤثر سلبا على نجوم الرياضة مثلما يوضح كتاب أثار اهتمام عشاق اللعبة الجميلة والأكثر شعبية في العالم أي كرة القدم وهو كتاب “الخالد” الذي صدر بالانجليزية للمؤلف دونكان هاميلتون ويتناول حياة اجورج بست كأسطورة من أساطير الكرة الإنجليزية.
وفي هذا الكتاب يتردد السؤال المثير للأسى:”كيف لأسطورة كروية ان تخرج منكسة الرأس من الملاعب وتهيم على وجهها في براري الأيام” ؟!.. وجورج بست الذي ولد عام 1946 وقضى في عام 2005 كان من اللاعبين الملهمين حتى للاعب مثل مارادونا ومن أصحاب الكاريزما والمهارات الرفيعة المستوى الذين تحيط بهم هالة أسطورية حتى تحول لرمز من الرموز الكروية في كل مكان كما يوضح كتاب “الخالد” بقلم دونكان هاميلتون.
لكن هذا اللاعب الكبير عرف الطلاق مرتين ومع انه حصل عام 1968 على لقب أفضل لاعب في انجلترا وأوروبا فقد دار الزمان دورته فاذا به يدخل السجن في عام 2004 مدانا بحكم قضائي بعد أن ضبطته الشرطة يقود سيارته وهو ثمل وفي العام ذاته وقع الطلاق مع زوجته الثانية اليكس بيرسي والتي كان قد تزوجها عام 1995.
والإشكالية ذاتها حاضرة على نحو ما بالنسبة لمشاهير في عالم الأدب والفكر بالغرب وهاهي جوين كونجر الزوجة الثانية لأحد أشهر أدباء القرن العشرين وهو الأمريكي جون شتاينبيك صاحب “شتاء الأحزان” و”مراعي الفردوس” و”المهر الأحمر” و”شرق عدن” تتحدث بمرارة عن حياتها الزوجية معه حتى الانفصال والطلاق.
وجوين كونجر التي قضت في عام 1975 فيما صدرت مذكراتها التي بقيت طويلا طي الكتمان في كتاب بعنوان:”حياتي مع جون شتاينبيك” تكيل اتهامات خطيرة لهذا الكاتب الكبير وتقول انه قلما كان يلتفت لها او لابنيهما وفي حالة تعرضها هي او ابنيهما لأي متاعب تستدعي تدخله.مضيفة أن تصرفاته أفضت “في لحظة من اللحظات لموت الحب ومن ثم كان قرارها بالانفصال والطلاق”.
وفي كتاب “الحب ورأس المال” لمارى جابرييل اتهامات للفيلسوف والمفكر الشهير كارل ماركس حيث يتطرق لنزوات تصل لحد الخيانة الزوجية مع ضيق ذات اليد فى منفاه بلندن ودراما المواجهة بين العقل الجبار والواقع الأليم لهذا المفكر الذي لم يخف رغبته في تغيير العالم حتى قضى عام 1883.
وسواء في الغرب أو الشرق تحقق القصص الصحفية المتعلقة بقضايا الطلاق خاصة للمشاهير نسب عالية للغاية ولا تتردد جريدة مثل نيويورك تايمز حتى في نشر رسائل القراء حول هذا النوع من القضايا.. بلد كأمريكا التي تقود العالم في مسارات ما بعد الحداثة !!.
مفتي الجمهورية : الشرع الشريف حرص على أن تبنى الحياة الزوجية
في مصر والعالم العربي ككل وسواء في الصحف أو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تتعدد الأسئلة التي يطلب أصحابها آراء فقهية بشأن قضايا الطلاق حيث يرد على هذه الأسئلة خبراء ومختصون في الفتوى فيما يؤكد فضيلة مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام على ان “الإسلام أولى امر الأسرة بالعناية والرعاية” كما قدم “سمات طريقة بناء الأسرة المثالية”.
وشدد الدكتور شوقي علام على أن “آية خلق الزواج-وهو أساس تكوين الأسرة-عقيدة راسخة لدى المسلم باعتبارها سنة من سنن الله الكونية والضرورية لانبثاق الحياة على وجه الأرض”. مضيفا في طرح أمس “الجمعة” بجريدة الأهرام أن الشرع الشريف حرص على أن تبنى الحياة الزوجية “على المعاشرة بالمعروف والمعاملة بالفضل قولا وفعلا وخلقا” كما نبه “لمواطن المشكلات المهددة لاستمرارها واستقرارها”.
وفي أواخر شهر أكتوبر الماضي، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي عن الاتجاه لإطلاق مبادرة بعنوان “مودة” كمشروع قومي لحماية الأسرة والحد من معدلات الطلاق المرتفعة في المجتمع.
وأوضحت الدكتورة غادة والي في تصريحات منشورة ان هذه المبادرة تستهدف الفئة العمرية من “18 الى 35 عاما” والأزواج طالبي خدمات الدعم والمشورة الأسرية “بعد ان وصلت نسب الطلاق في السنوات الثلاث الأولى من عمر الزواج الى 40 في المائة من إجمالي حالات الزواج”.
حالات الطلاق في عام 2017 شهدت زيادة 3،2
أوضح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن حالات الطلاق في عام 2017 شهدت زيادة نسبتها 3،2 في المائة بالمقارنة مع عام 2016 فيما لفت المتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد الى ان الفئة العمرية مابين “25-35 عاما” تشهد المعدل الأعلى لحالات الطلاق.
وفي طرح في جريدة الشرق الأوسط التي تصدر بالعربية من لندن رأت المدير العامة للشؤون الثقافية والاجتماعية والأسرة بمنظمة التعاون الإسلامي مهلة احمد طالبنا انه “بات من المؤكد ان تمكين المرأة أصبح ضرورة ملحة وشرطا جوهريا لترسيخ الإنصاف والعدالة الاجتماعية وتحقيق الأمن والاستقرار في دول العالم”.
وأضافت في هذا الطرح الذي جاء بعنوان “مسار تمكين المرأة في العالم الإسلامي..الى اين؟” اعتبرت مهلة احمد طالبنا ان العالم الإسلامي ” يواجه ظروفا استثنائية أكثر تعقيدا من ذي قبل تتمثل في اخلالات الأنظمة التربوية والأنسجة الاجتماعية”.
وإذ تؤكد تقارير تحمل أراء ونصائح لخبراء التنمية البشرية والرعاية الأسرية أن “العنف وسوء المعاملة مع الافتقار للتواصل الإنساني بين الأزواج من أهم أسباب الطلاق”، لفتت مهلة طالبنا إلى انه “يتعين على المرأة والرجل ان يدركا معا حق الإدراك ضرورة تغيير ما بأنفسهما سبيلا الى مصالحة الإنسان مع ذاته والوعي بضرورة إصلاح مكامن الاختلال في النظم الاجتماعية بغرض تطوير الحياة في كل تجلياتها…حياة لا مجال فيها للإساءة ولا للإهانة لفظا او معاملة”.
نعم فثقافتنا تؤكد أن “النساء شقائق الرجال”..ونعم لحياة زوجية تجسد المودة والرحمة وقادرة على تبديد كل الظلمات..نعم لبيوت يسكنها الحب والأمل وكلمات وأفعال من ضياء القلوب العامرة بالمودة.