الشرور الثلاثة وراء تغيير العملة | بقلم هاني ابو الفتوح
حذرنا الله تعإلى في القرأن الكريم من شرور بارزة وخفية يستعاذ منها، وبالمثل تحذرنا الدول التي غيرت شكل عملتها المحلية من الشرور الثلاثة الرئيسية التي دفعتها إلى اتخاذ هذا القرار على الرغم من تبعاته والتكاليف التي تكبدتها، مثلث الشر أضلاعه الأموال غير المشروعة والفساد والارهاب.
تناولت وسائل الاعلام مؤخراً أنباء عن صدور قرارات بتغيير شكل العملة المحلية المصرية من أجل تضييق الخناق على الاقتصاد السري ومكافحة الفساد وحصر السيولة الموجودة خارج الجهاز المصرفي، وهذه الأسباب تكاد أن تتطابق مع الشرور الثلاثة السابق الاشارة اليها، غير أن بعد مرور عدة أيام من احتدام الجدل، نفى البنك المركزي صحة تلك الأنباء جملة وتفصيلاً مؤكداً أنه ليس هناك أي نية على الإطلاق لتغيير شكل العملة.
لعله يكون من المفيد عرض تجربة الهند في تغيير عملتها المحلية، أصيبت الهند بأسرها بإعصار مالي في 8 نوفمبر 2016 عندما أعلن رئيس الوزراء عن سحب تداول العملة فئة 500 روبية و 1000 روبية واستبدالها بشكل جديد للعملة من فئة 500 روبية واصدار فئة جديدة 2000 روبية، كانت الأسباب الرئيسية التي صرح بها بنك الهند المركزي هي مكافحة الشرور الثلاثة الرئيسية التي تلحق بالمجتمع وهي الأموال غير المشروعة والفساد والإرهاب، وقد لاقت تلك القرارات اهتمام وترحاب واسع للتحرك الجريء للحكومة الهندية، غير أن كثيرون آخرون انتقدوها واصفين إياها بأنها قرارات غير منطقية ذات دوافع سياسية وتفتقر إلى التخطيط والتوجيه السليم.
بالعودة إلى الشرور الثلاثة، تمثل الأموال ” غير القانونية ” المتداولة في الهند نحو 86 في المائة من مجموع الأموال المتداولة، أي نحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، لذلك كان من المتوقع اتخاذ اجراءات لمكافحة الأموال غير المشروعة بسحب فئات العملة من التداول واصدار الفئة الجديدة، ولكي نضع الأمور في نصابها، دعونا نلقي نظرة على تاثير هذا القرار في المدى القصير والمتوسط والطويل.
على المدى القصير، فإن هذه الخطوة يمكن أن تؤثر سلباً في المعاملات التي تتم معظمها باستخدام النقد، فالهند ومصر ودول أخرى كثيرة من فئة الدول النامية التي لديها موروثات اجتماعية وثقافية تفضل بالدرجة الأولى التعامل بالنقد بدلاً من استخدام وسائط الدفع الأخرى ومنها الدفع الالكتروني، بالتالي هناك العديد من الأنشطة الرسمية وأنشطة الظل سوف تتأثر لأنها تعتمد بشكل أساسي على التعاملات النقدية، في حين أن هذه الخطوة المفاجئة لدفع الاقتصاد النقدي إلى الاقتصاد غير النقدي هي بالتأكيد سوف تكون مؤلمة لهذه القطاعات، ونتيجة سحب العملات من التداول من المتوقع أن يسود التباطؤ في عدد من القطاعات لمدة قد تتجاوز ثلاثة أشهر، ليس هذا فحسب، هناك عائق أخر مرتبط بعمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي، وتبديل العملات من البنوك، وينبغي الاشارة إلى أن أجهزة الصراف الآلي لابد من أن يتم معايرتها بمواصفات العملة الجديدة، كما أن نقل كميات كبيرة من فئات العملة المسحوبة من التداول في كل فرع من فروع جميع البنوك سوف يستغرق وقتا طويلا مما قد يؤدي إلى انخفاض كمية العملة المتداولة في السوق، وربما يشهد الإنفاق العام للدولة انخفاضاً حاداً خلال الفترة التي ستعقب تغيير العملة، وبالتالي سيؤدي إلى التأثير السلبي على الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وسيكون التأثير الأكبر في القطاعات التي تعتمد بشكل رئيسي على الأموال السائلة.
على المدى المتوسط، ومع التخلص من فائض المعروض النقدي في السوق، من المتوقع أن يحدث تأثير إيجابي على التضخم، ويبدأ الاقتصاد في نهاية المطاف في الانتعاش ويزيد حجم المعاملات مع مرور الوقت، وستودع الأموال المشروعة في البنوك، وستؤدي الزيادة الكبيرة في الودائع لدى البنوك إلى خفض سعر الفائدة، أما بالنسبة لأولئك الذين يحتفظون بأموال نقدية غير معلومة المصدر، أغلب الظن أن نسبة تصل إلى 50٪ من هذه الأموال، إما أن يقوم حائزيها بضخها في حساباتهم المصرفية، ومن ثم سيكونون مضطرين للكشف عنها في الاقرارات الضريبية عن الدخل، أو ستجد طريقها إلى أساليب غسل الأموال.
أما في المدى الطويل سيكون لهذه الخطوة أثر إيجابي على الاقتصاد، وسيستفيد القطاع المصرفي كثيراً من ضخ المزيد من الأموال في النظام المصرفي، كما سينخفض التضخم مع انخفاض تداول الأموال في السوق، بالاضافة إلى ذلك ستستقر على المدى الطويل القطاعات التي كانت تعتمد في تعاملاتها على النقد مثل العقارات والسيارات وتجارة الذهب والمجوهرات، مع قدر معين من تصحيح الأسعار.
ليس بالضرورة أن تتطابق نتائج التجربة الهندية في تغيير عملتها على بلدان أخرى حتى وإن تشابهت ظروفها الاقتصادية والاجتماعية، فلكل اقتصاد خصوصياته المميزة ومع ذلك، أرى أن النتائج في التجربة الهندية تستحق الدراسة من قبل الجهات المعنية مع الأخذ بعين الاعتبارالجوانب القانونية والتنظيمية وتكاليف طباعة الفئات النقدية الجديدة والتكاليف الاخرى المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بسحب فئات العملة من التداول.