الشخصية المصرية والحياة المعيشية والكورونا| بقلم أ. د. مصطفى ابراهيم عوض

اتفق الكثيرون من العلماء عند تشريحهم للشخصية المصرية بأنها شخصية تمتلك قدرة التكيف مع الظروف، وكما يقول العلماء أن هذه القدرة اكتسبوها من تاريخهم الطويل في التعامل مع ألوان ونماذج متباينة من الحكام مهما تغيرت الظروف والأحوال المعيشية المحيطة بهم، فهم يمتلكون من المرونة ما يمكنهم من التعامل مع تلك الظروف، كذلك قدرتهم في التكيف مع تلك الظروف وما يساعدهم علي ذلك، ما حباهم به النيل من طول صبر مكنهم من المقاومة الصامتة لذا يقولون في امثالهم ( اصبر علي جارك السوء يا يرحل يا تجيله مصيبة تأخده ) فهو يأمل أن يرحل عدوه ومن يظلمه بأسلوب قدري لا دخل لهم فيه.
ويشير البعض أن هذه الصفة صفة مرموقة وعيبا في نفس الوقت فالمصري يقبل الأمر الواقع مع إجرائه تغييرا في شخصيته ليتكيف مع تلك الظروف، فهو إذن يفكر في آليات التسليم بالأمر الواقع أكثر من البحث والتفكير في المواجهه والعمل علي الأستقرار أكثر من ميله نحو التغير بسبب الخوف من الجديد وعدم استعدادهم أو المخاطرة والرضا بالمكتوب ( اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش) ساعدهم علي ذلك قدرتهم الفائقة في الصبر مهما كانت قسوة تلك الظروف، وإذا حاول البعض الوقوف ضد هذه الأحوال القاسية فكثيرا ما تواجههم ظروف صعبة من أغلبية تكيفت مع الأمر الواقع مثال ظاهرة الرشوة المنتشرة بشكل وبائي في المجتمع المصري خاصة في القطاع الحكومي وهو ما يطلق عليه البقشيش أو الدخان ( كما يقولون) ومع تسليمنا بانتشار الرشوة فاننا لا نستطيع ان ننكر وجود نماذج نظيفة في كل مكان ومجال ترفض هذا الأسلوب في التعامل وتقاومه.
هذا بالإضافة إلى إنتشار ظاهرة الأستيلاء علي الأراضي بكافة أنواعها، كما تعد النكتة والقفشة والسخرية وسيلة لمواجهة تلك الظروف القاسية فمن خلال النكتة يتمكن من تفريغ ما بداخله من مشاكل وتعقيدات حياتية يفرج بها عن غضبه احيانا وهكذا يستمر الوضع كما هو رغم قسوته.
ويتفق حامد عمار مع وجهة نظر المستشرق الفرنسي (جاك باركن) الذي يري أن الفهلوة تعد حاليا من أهم صفات السلوك المصري التي مكنتة من الوجود وعدم الضياع مع تقليل حجم أي خسارة يواجهها عبر العصور المختلفة ( حمادة حسن : روز اليوسف :3798 , 30/3/2001 ).
فالفهلوة إذن أصبحت الوسيلة الوحيدة التي تمكنه من قبول أقل القليل وأيضا الامتثال والطاعة للسلطة اين كانت رغم ما بداخله من أحساس ببرودة وغربة نحو تلك السلطة التي يطيعها رغم خوفه منها فيتجه نحو مخادعتها وهو في نفس الوقت ينتقدها في نكته نقدا يصل أحيانا الي حد السخرية والتجريح، مستعينا في ذلك بما يملكه من خفة ظل وحداقة وشطارة وقدرة علي المراوغة ليتمكن من مواجهة السنوات الصعبة والقاسية، هذا ما ذكره العلماء بالنسبة للوجه الايجابي للفهلوه أما الوجه السلبي فيشيرون أن المصري البسيط نادر المشاركة بايجابية في تنمية مجتمعه تاركا تلك المهمه للفئات الأعلي مستوي التي فرضت عمرانها والحضارة التي تراها مناسبة لها وأيضا فرضت أعرافها وقيمها في المقابل أضطر المصري البسيط للاستسلام والطاعة التي يغلفها بقدرا من التملق واستخدام أسلوب المخادعة ليحافظ علي بقائة، أضف الي ذلك كما يشير العلماء إلي حبه الشديد للكلام (عمال علي بطال ) ولقد انعكس ذلك علي عدم رغبته في العمل المبدع لذلك انتشرت عبارة (بيع الهواء في زجاجة _ لف الفيل في منديل ) فهو إذن يحبط نفسه بوسائل جذب الانتباه من خلال هذا التشويش والتضخيم للذات ليتمكن من وجهة نظرة في مواجهة الظروف والمشاكل التي يجب عليه مواجهتها.
إن مصر يحكمها حاليا دستور وينظم عملها قانون وهناك ظروف عالمية وإقليمية ومحلية صعبة تواجهها وللاسف مازالت الشخصية الفهلوية منتشرة في كل مكان فماذا نفعل إذن لعبور القرن العشرين وبسرعة لنلحق بالقرن الواحد والغشرين تلك هي المشكلة ؟.
إن الشخصية المصرية أخذت من نهر النيل الكثير من المقومات الاساسية للشخصية العظيمة كالصبر وتحمل الازمات والكوارث والتعاون والتكافل أثناء الازمات كما تأثرت كثيرا بالمراحل السياسية المختلفة التي عاصرتها من المماليك والعثمانيين والانجليز والفرنسيين ومن كل مرحلة مرت عليها بعد ثورة 23 يوليو 1952.
ولا نستطيع أن ننكر أن الفترة الحالية شهدت وتشهد مشروعات وأنشطة اقتصادية ستعكس بلا شك أثارها الطيبة علي الشعب المصري في القريب العاجل ولكن في نفس الوقت نري ممارسات شعبية لا تتفق مع ما نعلمه عن الشخصية المصرية، فمثلا في حرب 1973 وايضا عندما تولت مصر إحتضان الدورة الافريقية في أرضها شهدت موقفا شعبيا أخلاقيا اكثر من رائع تجلي في عدم وجود أي خروج عن القانون اثناء حرب 1973.
وفي وجود تساند وتعاون من كافة ابناء الشعب اثناء الدورة الافريقية.. أين حاليا هذه الروح العظيمة فأثناء (ازمة الكورونا) تطالعنا الصحف يوميا عن التجار الجشعين من جهه والاستهتار وعدم احترام القانون من بعض ابناء هذا الشعب المصري الاصيل وسرقة الأراضي وانتشار العنف.
لانستطيع أن ننكر أن هناك ما يطلق عليه (الانفلات الأخلاقي ) الذي عقب أحداث يناير 2011، وبدأ هذا الانفلات ينتشر في كافة الطبقات وفي نفس الوقت من الظلم أن ننكر ما يبذل من جهد ونشاط اقتصادي يشمل كافة المجالات والقطاعات الاقتصادية، وما تبذله الدولة حالياً من جهد لمقاومة هذا الوباء.
واسمحو لي أن استعير جملة من كلام السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال عرضه لبعض الانشطة أن الله يكلل أعمالنا بالنجاح لأننا مع بعضنا البعض.
والمطلوب أن تستثمر فترة هذا الوباء في تغيير الكثير من الصفات السلبية التي تؤثر حاليا في الشخصية المصرية لابد من إعادة صياغة تلك الشخصية وتعميق الجوانب الإيجابية، في الشخصية المصرية ونحارب بكل قوة تلك الصفات السلبية كالفهلوه واستغلال الظروف لمكسب وثراء لايرضاه خالق هذا الكون وينبذه، واستهتار وتبجيح في المواقف المختلفة دون النظر في العواقب.
إذا اردنا أن نعالج هذه السلبيات فعلينا حاكماً ومحكوماً أن نسير جميعاً في إتجاه واحد يجمعه الحب والاحترام والتقدير.
مطلوب من الشعب أن يعيد ثقته في المسئولين مهما كانت مواقفهم ويبذل جهده في أداء عمله مهما تواضع، مطلوب أن نحترم بعضنا بعضا، مطلوب أن نتكاتف جميعاً يحركنا إيمان كامل بالله وثقه كامله في قدراتنا و إمكانياتنا.
إن مهمة رعاية هذا الشعب مسئولية تبدأ من رئيس الجمهورية حتي المسئول عن أي عمل، هذا الفريق لابد أن يعمل بأسلوب يتسم بالشفافية والصراحة ليتمكن من كسب ثقة هذا الشعب ويتمكن من مقاومة الشك وعدم الثقة وهما من موروثاته الثقافية التي اكتسبها عبر تاريخه الطويل كما أشرنا سابقا.
فلنستثمر هذه الفرصة في عودة الأسرة لسابق عهدها من حب واستقرار وأمان، مطلوب من أغنياء الأمة أن يبذلوا جهدهم مع إخوتهم المحتاجين، مطلوب أن نحترم بعضنا بعض، مطلوب أن نضع مقولة الرئيس موضع التنفيذ أن (نكن مع بعضنا يد واحدة وقلب واحد )
مطلوب الكثير جدا يا ابن النيل يا صاحب التاريخ العظيم .. إذن كيف نبدأ ؟.
على متخذ القرار أن يطلق صافرة بداية المباراة و علينا أن نؤمن ونقتنع أن المطلوب حاليا (إعادة صياغة للشخصية المصرية) فعلي متخذ القرار أن يضع هذه المقولة موضع التنفيذ من خلال مشروع قومي للمجتمع المصري بأسره شعبا وحكومة ومؤسسات حكومية وأهليه وليكن هذا الوباء هو أول الطريق نحو غد أفضل بإذن الله.