السياسة الخارجية لمصر خلال 2023.. 5 ملفات هامة أبرزها عدم التدخل في شئون الغير

ترتكز السياسة الخارجية المصرية على تنويع التحركات انطلاقا من مبادئ الاحترام المتبادل والندية ورفض التدخل فى الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها واستقلالها مع التشديد على تماسك المؤسسات الوطنية للدول للحيلولة دون تهاويها ونشر الفوضى بها لاسيما في المحيط الإقليمي.
وتتبنّى مصر استراتيجية خارجية ترتكز على الندية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من أجل تحقيق واستدامة المصالح المشتركة، والحفاظ على الدولة الوطنية واحترام سيادتها بوصفها حجر الأساس في بناء النظام الدولي، والشراكة والقرار الوطني المستقبل.
تحرص مصر على المشاركة في الجهود الدولية لإنهاء الأزمات، من خلال حضور الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التي تعقد من أجل تسوية هذه الأزمات، وتتخذ موقفاً رسمياً داعماً لجهود الأمم المتحدة المتعلقة بالمصالحة والحوار التسوية.
وتتبع مصر سياسة استراتيجية تقوم على مساعدة الدول العربية لتخطي أزماتها بما يحقق الأمن والاستقرار فى المنطقة وانعكاس ذلك على الأمن القومي المصري، مع التأكيد على مبدأ تسوية المنازعات بالطرق السلمية، وينطبق هذا المبدأ على قضايا رئيسية كالقضية الفلسطينية التي قامت الدبلوماسية المصرية فيها بجهد ناجح لوضع المصالحة الوطنية الفلسطينية موضع التطبيق.
وتلعب مصر دوراً فاعلاً في المساهمة في إنهاء الأزمات في المنطقة العربية وإعادة الاستقرار، بما لها من قوة ومكانة، وما يضيفه لها موقعها الجغرافي ودورها التاريخي.
تستند السياسة الخارجية المصرية تجاه الأزمات في المنطقة العربية إلى عدة مرتكزات، تتلخص فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى وما تمثله تلك الملفات من تهديد لأمن واستقرار مصر بالإضافة إلى الالتزام التاريخى لمصر تجاه الدول العربية.
وفيما يلى أبرز ٥ ملفات تبنتها الدبلوماسية المصرية سعيا منها للمساهمة فى حل الأزمات التى تشهدها المنطقة العربية والإقليمية:
ليبيا
حرصت مصر علي احتفاظ الدولة الليبية بكيانها الموحد كدولة وطنية، لذا عملت على إيجاد تسوية، منطلقها تمثيل كافة الليبيين في رسم مستقبلهم، وحرصت مصر على حماية ثروات ليبيا من الإهدار والتوظيف السلبي كوقود للصراع الدائر، حيث نجحت في التنسيق مع البعثة الأممية والمؤسسات الليبية في صياغة مسار تسوية اقتصادي، يرمي إلى إبعاد تفاعلات الصراع عن الاقتصاد الليبي، وإنهاء حالة الانقسام التي طرأت على مؤسساته المالية، والتوظيف السلبي كوقود للصراع الدائر، حيث نجحت في التنسيق مع البعثة الأممية والمؤسسات الليبية في صياغة مسار تسوية اقتصادي، يرمي إلى إبعاد تفاعلات الصراع عن الاقتصاد الليبي، وإنهاء حالة الانقسام التي طرأت على مؤسساته المالية، وهو ما تكلل بالنجاح مع إعلان توحيد أسعار صرف الدينار وتوحيد الموازنة للعام 2021 .
والتزمت مصر بتوجيه جهودها لدعم وإسناد المؤسسات الليبية الدستورية، من خلال دعم الدولة الوطنية الليبية، واستعادة سيادتها كاملة، وتوحيد المؤسسات الأمنية والاقتصادية والتنفيذية، وإنهاء سطوة التنظيمات العسكرية غير القانونية، وإبعاد المرتزقة وغيرهم، وإنهاء التواجد العسكرى غير الشرعى لأي طرف كان.
وخلال عام ٢٠٢٣، استضافت القاهرة في يناير 2023 اجتماعات مكثفة بشأن الأزمة الليبية، من بينها اجتماع ضم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة آنذاك خالد المشري، اللذين اتفقا على “وضع خارطة طريق لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام الانتخابات” الليبية.
كما التقى خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي ومحمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي وعقيلة صالح رئيس البرلمان أيضا في القاهرة، حيث تم الاتفاق على وقف التدخلات لتسوية الأزمة الليبية.
السودان
استضافت القاهرة في يوليو ٢٠٢٣ قمة دول جوار السودان، التي نجحت في توحيد مواقف دول الجوار تجاه أزمة السودان، حيث اتفق القادة المشاركون على تشكيل آلية على مستوى وزراء الخارجية لوضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال في السودان والتوصل إلى حل شامل للأزمة.
وخرجت القمة بعدد من التوصيات الهامة تمثلت في الآتي:
الإعراب عن القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمني والإنساني في السودان، ومناشدة الأطراف المتحاربة على وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار لإنهاء الحرب، وتجنب إزهاق أرواح المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب السوداني وإتلاف الممتلكات، والتأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأناً داخلياً، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة بما يعيق جهود احتوائها ويطيل من أمدها.
كما تضمن البيان الختامى للقمة التأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل، وأهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل يأخذ في الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار، الأمر الذي سيمثل ضغطاً إضافياً على مواردها يتجاوز قدرتها على الاستيعاب، وهو ما يقتضي ضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة لمسئوليتهما في تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان، والذي عقد يوم ١٩ يونيو ۲۰۲۳ بحضور دول الجوار، والإعراب عن القلق البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية، ومناشدة كافة أطراف المجتمع الدولي لبذل قصارى الجهد لتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة لمعالجة النقص الحاد في الأغذية والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية، بما يخفف من وطأة التداعيات الخطيرة للأزمة على المدنيين الأبرياء.
كما تم الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجاً داخل السودان، ودعوة مختلف الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفي الإغاثة الدولية، والتأكيد على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار، والاتفاق على تشكيل آليه وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد.
تركيا
حرص الجانبان المصرى والتركى على إعادة زخم العلاقات بين الدولتين بناء على تحديد مسار، عبر التواصل بين ممثلى الدولتين، وتحديد الأطر التى يتم العمل عليها، كما أن هذه الأطر تقوم على احترام وجهات النظر وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية، وفى هذا السياق جاءت زيارة سامح شكرى وزير الخارجية لتركيا فى فبراير ٢٠٢٣ عقب الزلزال المدمر الذى ضرب تركيا، لتكون وفقا للمسار المحدد والأطر التى سيتم العمل عليها، بالإضافة إلى جانب العلاقات الإنسانية ودور مصر بجانب الأشقاء فى ظل الموقف الراهن من زلزال المدمر.
وجاءت زيارة شكرى لإظهار التضامن وتقديم تعازيه بعد الزلازل في كهرمان مرعش. وتزامنت مع استقبال تركيا
سفينة مساعدات مصرية، وإعتبرت تركيا آنذاك أنَّ الصداقة بين الدول تظهر في الأيام الصعبة، وأنه تم فتح صفحات جديدة مع القاهرة، وظهر ذلك خلال الاتصال الثنائي بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والتركي أردوغان خلال الفترة الماضية.
سوريا
وخلال فبراير ٢٠٢٣، استطاعت الأزمة الإنسانية التى مرت بها سوريا جراء الزلزال فى المساعدة فى عودة العلاقات المصرية السورية مرة أخرى، حيث نقل وزير الخارجية سامح شكري، للرئيس السوري بشار الأسد، رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي أكد فيها تضامن مصر مع سوريا واستعدادها لمواصلة دعم السوريين بمواجهة آثار الزلزال، وأبلغ تحيات الرئيس السيسي واعتزازه بالعلاقات التاريخية بين مصر وسوريا وحرص القاهرة على تعزيز هذه العلاقات وتطوير التعاون المشترك بين البلدين.
واعتبر الوزير سامح شكري أنّ العلاقة المصرية- السورية هي ركن أساسي في حماية الدول العربية، مؤكدًا أن مصر ستكون دائمًا مع كلّ ما يمكن أن يساعد سوريا، وستسير قُدماً في كلّ ما من شأنه خدمة مصالح الشعب السوري، مشيرا إلى الروابط التي تجمع بين الشعبين المصري والسوري ولفت إلى أنّ السوريين المقيمين في مصر أظهروا قدرة كبيرة على التأقلم مع المجتمع المصري، وحققوا نجاحاً كبيراً في أعمالهم في مختلف المجالات.
وشكر الرئيس السوري بشار الأسد، مصر لما قدمته من مساعدات لدعم جهود الحكومة السورية في إغاثة المتضررين من الزلزال، مؤكدا أن دمشق حريصة على العلاقات التي تربطها مع القاهرة، جاء ذلك خلال استقباله وزير الخارجية سامح شكري.
وأكد الأسد إلى أنه يجب النظر دائماً إلى العلاقات السورية المصرية من منظور عام وفي إطار السياق الطبيعي والتاريخي لهذه العلاقات، معتبرا أن العمل لتحسين العلاقات بين الدول العربية بشكل ثنائي هو الأساس لتحسين الوضع العربي بشكل عام.
وأكد الرئيس السوري أن مصر لم تعامل السوريين الذين استقروا فيها خلال مرحلة الحرب على سوريا كلاجئين، بل احتضنهم الشعب المصري في جميع المناطق ما يؤكد على الروابط التي تجمع بين الشعبين، والأصالة التي يمتلكها الشعب المصري.
فلسطين
استضافت مصر في أكتوبر 2023 قمة القاهرة للسلام لبحث تطورات القضية الفلسطينية على خلفية الحرب في غزة، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وقادة وممثلي 34 دولة و3 منظمات دولية وإقليمية هي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
وناقشت القمة الجهود الدولية لوقف التصعيد وإطلاق النار من أجل بحث مستقبل القضية الفلسطينية، وفتح آفاق لتسوية الصراع على أساس حل الدولتين، وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بشكل يحقق طموح شعوب المنطقة، كما ستركز القمة على أهمية وقف العمليات العسكرية وتأمين النفاذ الإنساني وإتاحة الفرصة لاحتواء الموقف واستعادة التهدئة.
وفي نوفمبر ٢٠٢٣، نجحت مصر بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية في التوصل إلى هدنة مؤقتة دامت أسبوعا بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، جرى خلالها إطلاق سراح 240 فلسطينيا و81 إسرائيليا و22 من جنسيات أخرى كانوا محتجزين لدى الطرفين.
وتستمر مصر في الحرص على تدفق المساعدات الموجهة لقطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية المكدسة ليتم توزيعها بالقطاع، وأن يكون وصول المساعدات دائمًا ومتواصلًا ودون انقطاع، وساهمت مصر فى مشروع قرار عربي اسلامى تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بوقف فوري لأسباب إنسانية في غزة، مع تأييد 153 دولة مشروع القرار، وعارضته 10 دول، وامتنعت 23 دولة عن التصويت.