آراءشويّة دردشة

السفينة.. الضارة النافعة| بقلم عميد د. عمرو ناصف

مَنَ الله سبحانه وتعالى على مصر يوم الثلاثاء الماضى بحادث جنوح السفينة البنمية ( جرين جيڤين ) والمملوكة لشركة ( إيڤرجريين ) والتى جنحت بعرض قناة السويس وتم تعويمها اليوم بفضل الله تعالى ثم مجهودات أبناء مصر والعاملين بالقناة وحدهم دون أدنى معاونة غير مصرية، ونحن كمصريين إذ نهتم بالحدث ونتائجه نذكر بعضنا بعضاً – بخبراتنا المتواضعة فى ذلك الشأن – بفضل تلك الضارة النافعة التى منانا الله تعالى بها، ودون الخوض فى الأسباب – لأن ذلك شأن التحقيقات القضائية – ولكن شأننا نحن هو أن ندرك بكل ثقة أن الله عز وحل قد أراد بمصر وأبنائها وقناتها كل الخير بهذة الحادثة، وجعل المنحة منه عز وجل بين طيات المحنة لسابق علمه جل وعلا ببياض سريرة المصريين وكرامة أرضهم وشرف جوارهم.

تلك هى أول حادثة مشابهة تحدث فى مجرى مائي ملاحى حول العالم، فجنوح سفينة بعرض القناة طولها يتخطى الأربعمائة متر وعرضها يقارب الستين متراً هو جنوح إستثنائي لحادث إستثنائي غريب، تعود مسئوليته الكاملة وبشكل فنى لربان السفينة وطاقمها، بعد أن أدت الهيئة مسئوليتها فى أعمال الإرشاد على خير وجه، وحين ندرك أن الأحوال الجوية لم تكن بالسوء الذى يدفع الأمور لكل هذا الصخب، وطبقا للحسابات الفنية لأطقم الإنقاذ لهيئة قناة السويس المصرية فقد كان ضرورياً الإنتظار حتى أعلى مد فى مياة القناة للمعاونة فى التعويم بعد أن شحط ( إنغرس ) مقدم السفينة فى رمال صخرية وبعمق يتراوح بين ( ٢٧ – ٤٠ متر ) كما تأخذ هذة الحسابات الفنية فى الحسبان حجم الأضرار التى أصابت بدن المركب، وحسابات الميل للحيلولة دون غرقها بتلك الحمولة التى تعادل حوالى ( ١٨ ألف ) حاوية بإجمالي وزن حوالى ( ٢٣٠ الف طن ) مما قد يحيل الأمر لكارثة فعلية تنقل الأحداث لمنحى آخر لا نرجوه وقد لا تحمد عقباه.

وبعد كل الحسابات الفنية المنطقية بات ضرورياً إنتقال الكراكات لتكريك الأرض ( إزاحة الرمال وتكسير الصخور ) تحت بدن السفينة فى الجزء الشاحط .. ونظراً لضيق المسافة الفاصلة بين بدن السفينة وشاطئ القناة أصبح لزاماً إستخدام الكراكات صغيرة الحجم لعدم قدرة الكراكات الكبيرة على الدخول، حتى أن الكراكة الهولندية التى إستعانت بها الشركة صاحبة السفينة لم تستطع الدخول، وبالإمكانيات المصرية المادية والفنية و بأكبر مجهود بشرى عضلى عقلي لأبناء المحروسة تم تكريك أكثر من ٢٥ ألف متر مكعب من الرمال وتكسير الصخور تحت مقدم السفينة ومن ثم زحزحتها المتر تلو الآخر.

وقد تبلورت الخبرات الفنية والحرفية التقنية وقدرة المصريين وكفاءتهم العملية سواءً فى إدارة شئون القناة نفسها أو إدراة الأزمات ككل فى قيام هيئة قناة السويس وعلى مدار الأيام بمتابعة جميع السفن المنتظرة فى البحرين الأحمر والمتوسط للوقوف على إحتياجات أى منها لأى معاونة من أى نوع فترة الإنتظار، وبالفعل تدخلت وزارة الزراعة المصرية لتقديم الرعاية البيطرية والتغذية الحيوانية للسفن حاملة رؤوس الماشية فضلاً عن إعطاءها أولوية المرور حين يبدأ العبور مراعاةً لحمولة الحيوانات الحية وبما لايخالف نظم وقوانين البحار.

على أنه بعد تحرير السفينة سيتم سحبها إلى منطقة البحيرات المرة لإتمام عملية الإصلاح، ومن ثم يتم إستخراج شهادة جودة وضمان يعقبها قيام السفينة بمناورة داخل البحيرات للتأكد من سلامه الدفة والرفاصات والبدن وقدرة السفينة على مواصلة الإبحار و السير عبر القناة مرة أخرى وفى المياة المفتوحة.

من هنا .. و بعد فضل الله ونعمته .. نجد أن الحادثة وما إنطوت عليه من قدرات المصريين فى تعويم السفينة قد ساهمت فى رفع درجات الأمان لكل موانئ العالم حين أوصلت إليهم جميعاً وعلى الهواء مباشرةً رسائل الأمان للإبحار فى قناة السويس – مصر .. مؤكدين على صدارة قوات مصر البحرية – عسكرية ومدنية – للشرق الأوسط أجمع، وأكد الحادث على عدم قدرة العالم عن الإستغناء عن قناة السويس لأن خلال هذة الستة أيام لم تسجل سفينة واحدة الخروج إلى طريق رأس الرجاء الصالح رغم ضبابية المشهد وجهالة عامل الزمن وقامت جميع السفن ( حوالى ٣٥٠ سفينة ) بتسجيل الإنتظار فى البحرين الأحمر والمتوسط جنوباً وشمالاً وبات العالم أجمع يتحدث عن حسن الإدارة لمصر ولهيئة قناة السويس ورجالها ، وتجلت عبر وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العربية والعالمية ثقة العالم أجمع فى هيئة قناة السويس ومهندسيها وعمالها على وجه الخصوص ومصر ورجالها أجمع على وجه العموم، ليتضح لنا ومن قلب الكارثة أن الله عز وجل قد أجزل عطاءه لنا حين جنحت السفينة فى برنا، وأراد بنا خيراً حين نقلت كل كاميرات العالم ذلك الجهد لحظة بلحظة حتى التعويم الكامل، فحق علينا قوله تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم ) وبدا جلياً للمصريين وللعالم أجمع أن قناة السويس وما يحدها من رمال سيناء كانت وستظل دوماً على موعد مع الرقم ( الستة ) فبعد أن خرجت كل التقارير الدولية تشير الى أن التعويم سيستغرق عدة أسابيع، كما قد تحتاج لتخفيف الحمولة مما يزيد تلك الأسابيع لشهور، نجحت سواعد وعقول الرجال فى ستة أيام فقط فى حرب تحرير السفينة عام ٢٠٢١ .. تماما كما نجحت سواعدهم وقلوبهم فى ستة ساعات فقط وعلى نفس الضفاف فى حرب تحرير الأرض عام ٧٣.

تحيا مصر .. تحيا مصر .. تحيا مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى