افتتاحية بروباجنداتحقيقات و تقاريرتقاريرعاجل

السعادة قرار ولو بـ ” كيس فيشار “

تقرير .. عادل محمد

 

 

“وباحب الناس الرايقة اللي بتضحك على طول .. أما العالم المتضايقة أنا لأ ماليش في دول” .. كانت هذه الطقطوقة الشعبية بصوت الفنان المخضرم احمد عدوية هي الأغنية التي اختارها أحد أصحاب المراكب النيلية لاجتذاب الزبائن من الحريصين على الاستمتاع برحلة قصيرة في أحضان النهر الخالد في الليلة التي ينتظرها المصريون بل والعالم من العام للعام .

 

المحروسة طعم تاني

ورغم أن هذه الاحتفالات عالمية ولا تقتصر على مصر وحدها إلا أنها وبشهادة الجميع لها طعم خاص في أرض حيث تعم مظاهر الكرنفالات الرسمية والشعبية متخذة من أشجار الكريسماس وتجسيد شخصية ” سانتا كلوز” أو بابا نويل كما نسميه نحن العرب .. في أجواء مبهجة تسر العيون وتشجع على التفاؤل بالمستقبل .

وعلى قدم وساق تجد الاستعدادات في مصر المحروسة للاحتفال بليلة رأس السنة التي يتشارك فيها جميع طبقات المجتمع : مسلمون ومسيحيون، رجال ونساء، شباب وعواجيز، فهنا الكل يفرح ويمرح، حتى أن السائحين العرب والأجانب يفدون إليها في هذه الأيام لقضاء ” الليلة الموعودة” في أحضان القاهرة الساحرة والتي تتسع لكل الأطياف .

وتتعدد مشاهد الاحتفال بهذه المناسبة، التي تتجدد معها الآمال والطموحات والأحلام، فيحرص المصريون على الخروج الجماعي سواء ما بين الأصدقاء أو الأقارب أو أفراد الأسرة الواحدة مرتدين الطراطير والطرابيش والأقنعة الطريفة متوجهين إلى عدة مقاصد شهيرة لعل أبرزها كورنيش النيل، في مواجهة ضارية وتحد صارخ لموجة الصقيع القارسة .

 

حزب أعداء الفرح

لكن وبكل أسف مع تقريب الصورة نجد البعض يرفض التفاعل بإيجابية مع هذه الأجواء ويترك نفسه نهباً للمشاعر السلبية التي تفسد أي شعور بالسعادة سواء باستدعاء ذكريات مؤلمة مروا بها خلال العام المنصرم أو تخوفاً وترقباً لما قد يحمله العام الجديد من صعوبات، وهؤلاء يعتبرهم الكثيرون من ضحايا الطاقة السلبية التي تحاول بعض الأبواق الإعلامية المغرضة أو الفضائيات المأجورة المشبوهة استخدامه كفزاعة لبث روح اليأس والإحباط في نفوس المستسلمين لشاشاتها .

والواقع أن هذه الشريحة أظلم ما تكون لنفسها، فلا هي تستمتع بوقتها الحاضر .. بل وتحرم نفسها ومن حولها من جمال الأمل في غد أفضل وهم في هذه الحالة يشبهون بعض العائلات التي تتفنن في إفساد لحظات البهجة والفرح والسعادة، تماماً كما تجد بعض العائلات التي تقضي العام كله في ادخار نفقات الذهاب إلى مصيف، أو حتى مشتى، ولا تنسى أن تحمل الكآبة واستدعاء المشاكل في حقائب الملابس .. فتحرم نفسها من لذة الوقت بل وتخسر فرصة سانحة لنسيان الهموم وشحن الطاقة لبداية جديدة .

وبكل أسف تتفنن ميليشيات مواقع التواصل الاجتماعي في تدشين صفحات تتعمد بث رسائل الخوف والترويع والقلق مما تحمله الأيام القادمة .. وذلك ليس بناء على أي معلومات سليمة أو حتى استدلالات منطقية وإنما اعتماداً على ترويج شائعات مغرضة وأخبار كاذبة وكأنهم اطلعوا على الغيب أو يضربون ” الودع ” .. وهذا ليس عبثاً أو اعتباطاً ولكنه من قبيل الحروب النفسية المنظمة التي تقف ورائها أجهزة استخباراتية خارجية تخطط لهزيمة المستسلمين لها نفسياً وهذا خطر كبير جداً يجب أن يلتفت له كل ذو عقل .

 

لب وسوداني و” يوستفندي “

وعلى العكس تماماً من شريحة “عشاق النكد” على أنفسهم ومن حولهم .. نجد ملايين المصريين ذوي الهمم المتشبثين بالحياة .. حلوها ومرها .. سهلها وصعبها، رافعين شعار : “حالفين يا دنيا لا عمرك ها تغلبينا ولا ها تطلعي عنينا .. عايشينك بالطول والعرض مش هاتجيبينا أبداً الأرض” .

ومنذ قديم الأزل والمصريون في مثل هذا اليوم 31 ديسمبر من كل عام بيسألوا بعضهم السؤال الآتي نصاً وبدون أي تحريف : ” ها تعمل إيه ليلة رأس السنة” .. وهذا سؤال مغلق بمعنى أنك لازم تعمل حاجة ليلة رأس السنة .. فمن منا لا يحتفل بليلة رأس السنة، طبعا الإجابة لا أحد، مع احتفاظ كل فرد بطريقته الخاصة في إحياء هذه الليلة الموعودة التي نودع فيها عاما بكل آلامه وجروحه ونستقبل عاما جديداً بكل ما فيه من آمال وطموحات، فالكل يراها مناسبة رائعة لتوديع عام مر بذكرياته السعيدة والبائسة، والتطلع لعام جديد يحدوه الأمل والتفاؤل في غد مشرق.

ويستمد هؤلاء البشر تلك الطاقة الإيجابية، التي ربما تفوق المحطات النووية، من أهم رافد وهو الإيمان بالله فتجد على وجوههم معنى الآية الكريمة ” وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ” ، فمسفرة اي مشرقة مضيئة ولك أن تتخيل تلك الصورة الرائعة التي ترسمها الآية الكريمة من الرضا والتفاؤل .. فتكسبهم هذه الحالة قدرة هائلة على التعايش وسط أقسى التحديات وبدلاً من الاستسلام فإنهم يبحثون عن حلول عبقرية للاستمتاع بكل دقيقة وتفصيلة في الحياة .

فتجد بعض الأسر تحتفل باستقبال العام الجديد بشراء اللب والسوداني واليوسفي ويتجمعون في غرفة واحدة، أو ربما تحت بطانية واحدة لمواجهة موجة البرد الشديدة، وتسابقون على الاحتفاظ بريموت التليفزيون للتنقل بين القنوات في اروع تجسيد لمبدأ ” اللمة الحلوة ما تتعوضش” .. عائلات أخرى تخرج إلى الشوارع المزدحمة لتفرح بمشاهدة الفرحة في عيون الآخرين .. ويكونوا سعداء الحظ إذا صادفوا بائع حمص الشام ” المشطشط” لتخزين طاقة حرارية مطلوبة في ليالي الشتاء الباردة .

 

المصري مالهوش كتالوج

وهنا تتجلى أروع مشاهد مصر بلد الأمن والأمان على أرض الواقع فرغم أنف الحاقدين وكيد الكائدين الذين يتآمرون لتشويه الوجه الجميل لأرض الكنانة ويحاولون تصويرها على أنها ” ارض الخوف” .. لكن وكما يقول أولاد البلد ” ده بعيد عن حلمة ودنهم” .. فصدق من قال ” المصريين مالهمش كتالوج” ففي عز أحزانهم تجدهم يضحكون .. وفي عز التهديدات بالتفجيرات تجدهم يملأون الشوارع يخرجون ألسنتهم للإرهاب الكافر الأعمى الذي لا يراعي حرمة دين أو حياة .

وتعجز كافة قنابل الشياطين عن تغيير طبيعة المصريين السمحة التي تعلو فوق أي إرهاب أو مؤامرة إحباط أو انهزام نفسي تحاول النيل من إرادتهم السحرية فمهما كانت التحديات لن تفارق البسمة والأمل وجوههم .. وهم في ذلك يطبقون مقولة “الابتسامة عنوان الشعور .. والشعور عنوان الإنسانية” .. ولو أن الشيطان ابتسم لما طرد من الجنة، التي أراد من خلالها الأديب الأيرلندي الكبير جورج برنارد شو تعويد البشر على السمو والارتقاء في مواجهة ظروف الحياة مهما كانت .

كما تستطيع مشاهدة مظاهر الالتحام الوطني وليس الوحدة الوطنية فقط .. فأنت لا يمكنك بأية حال أن تعرف من محمد ومن جرجس فالكل أبناء مصر ليس في رأس السنة وحدها بل في كل وقت وحين .. في الأحزان قبل الأفراح .. في المواقف الشداد قبل المواسم والأعياد .. ولم لا والمسلم ، قبل المسيحي ، يردد مقولة البابا شنودة : مصر وطن يعيش فينا وليس فقط نعيش فيه .

فهنا على أرض مصر : الكل لازم يفرح لأنه وبحق السعادة قرار .. مافيهاش هزار .. وكل عام ومصرنا الجميلة وشعبها الطيب المخلص في خير وأمان .. وتحيا مصر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى