السؤال الصعب.. هل هناك أزمة بين الرئيس والأزهر
كلمات السيسي محددة وتعبر عن تقديره للمؤسسة العريقة .. وانتهازيون دخلوا على الخط لتصفية حساباتهم مع “الطيب”
تقرير ـ عادل محمد
أحيت مصر، والعالم الإسلامي، هذا الأسبوع الذكرى العطرة لمولد الهادي البشير محمد صلوات الله وتسليمه عليه وحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على حضور الاحتفال الرسمي الذي تم تنظيمه بمشاركة جميع مؤسسات الدولة الدينية الأزهر والأوقاف والافتاء ولفيف من علماء الدين الذين أعطوا نماذج غاية في الروعة لسيرة الرسول وتعاملاته مع من حوله ومنهاجه في التسامح وحسن الخلق .
ثم جاء الدور على كلمة الرئيس السيسي التي عبر من خلالها عن تقديره الكبير للدور العظيم الذي يضطلع به الأزهر الشريف كمنارة للعلم ومنبر للوسطية الدينية في العالم العربي والإسلامي ومن هذا المنطلق فإن على هذه المؤسسة العريقة دور أكبر في توصيل صحيح الدين ومحو كل ما يساء فهمه أو يتم تحريفه عن مواضعه .
وخلال كلمته أكد الرئيس على أن ديننا الحنيف علمنا بأنه لا إكراه في الدين في أروع ترسيخ لقيم التسامح وقبول الآخر، مضيقاً أنه من دواعي الأسف أن يكون من بيننا من لم يستوعب صحيح الدين وتعاليم نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فيخطئ الفهم ويسيء التفسير، ويهجر الوسطية والاعتدال، منحرفاً عن تعاليم الشريعة السمحة ليتبع آراء جامحة ورؤى متطرفة، متجاوزاً بذلك ما جاء في القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من حرمة النفس، وقدسية حمايتها وصونها من الأذى والاعتداء .
ثم ختم الرئيس كلماته بتذكير شيخ الأزهر د. احمد الطيب، كممثل للأزهر الشريف ، بأهمية التركيز في الفترة القريبة القادمة على تجديد الخطاب الديني لقطع الطريق على جميع المزايدين والمتاجرين وتنقيح الأحاديث المغلوطة التي بكل أسف يساء فهمها وتفسيرها ومن ثم يتم توظيفها لتشويه صورة صحيح الدين .. وهذا أمر معترف به من أئمة وأقطاب الدعوة الإسلامية السمحة فهناك أحاديث ضعيفة وغير مسندة بل وملفقة .
ولمواجهة تلك الظاهرة طالب الرئيس السيسي كل مسئول ورمز للدعوة الإسلامية والدين الحنيف أن يقف بكل صدق أمام مسئولياته، وتأتي في مقدمة تلك المسئوليات أمانة الكلمة، وواجب تصحيح المفاهيم الخاطئة، وبيان حقيقة ديننا السمح، وتفنيد مزاعم من يريدون استغلاله بالباطل، بالحجة والبرهان، وكأن الرئيس أراد أن يكتمل الدور التاريخي للأزهر الشريف في خدمة الإنسانية قاطبة .
إلى هذا الحد والأمور تبدو عادية تماماً، فمن منا يرفض قيام مؤسسة الأزهر الشريف بهذا الدور الإنساني .. إلى أن جاءت كلمة د. الطيب التي بدأها بطبيعة الحال بالتذكير بقيمة هذه المناسبة التي تمثل رحمة للإنسانية والتي لنا فيها أعظم العبر في قيم الإسلام السمحة، ثم جاءت نهاية الكلمة كالتالي :
وأختم كلمتي بالعودة إلى رحاب صاحب هذه الذكرى صلوات الله وسلامه عليه لأتساءل تساؤل تعجب ودهشة بالغة: من أنبأ هذا النبي الكريم بأن ناسا ممن ينتسبون إليه سيخرجون – بعد أكثر من ثلاثـة عشر قرنا من الزمان – ينادون باستبعاد سنته والاكتفاء عنها بالقرآن ليحذرنا من صنيعهم قبل أن يخلقوا بقرون عدة، وفي حديث صحيح. يقول فيه ﷺ: «يوشك رجل منكم متكئا على أريكته يحدث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله ﷺ مثل الذي حرم الله» أليس هذا دليلا من دلائل نبوته – ﷺ -ومعجزة من معجزاته !
ووجه الطيب كلمة الختام للرئيس السيسي قائلاً: ” أهنئ سيادتكم بالمولد النبوي الشريف وأسأل الله أن يوفقكم ويحقق على أيديكم آمال البلاد والعباد”.
وهنا جاء دور المتصيدين وهواة القفز على المواقف ليروجوا لمفاهيم ملتبسة ترى أن شيخ الأزهر يرد على كلام الرئيس السيسي فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني وتنقيته مما علق به، وعرفت بعض الأبواق الإعلامية طريقها لشن هجوم على شيخ الأزهر وتوجيه الاتهامات للمؤسسة التي يتولى أمانتها حتى وصل الأمر إلى ادعاء بعض الأقلام التي دأبت على التدليس بوجود أزمة أو خلاف بين الرئيس السيسي وشيخ الأزهر، في تزييف مقيت للحقائق وتحريف الكلام عن مواضعه .
والحقيقة أن كل هذه المزاعم والأباطيل ترتبط إلى حد كبير بحالة الفوضى الإعلامية واستغلال البعض للحرية على أسوأ ما يكون، فالرئيس فتح صدره وقال كل ما يريد قوله بمنتهى الشفافية والصراحة ونقل أجزاء من الصورة المغلوطة التي تقوم بعض الدوائر المشبوهة والمتربصة ببلادنا وديننا بالترويج لها، كما أن شيخ الأزهر عبر بنفس مقدار الصراحة والحرية عما يمثل قناعاته الدينية والشخصية وأوضح أموراً ربما كانت غائبة عن البعض لعل في مقدمتها أن هناك من يتخذ من مثل هذه الدعاوى مدخلاً لقلب الحقائق أو تغيير النصوص سواء بالحذف أو الإضافة أو حتى الرفض والتشكيك، وهنا يبدو منطقياً التأكيد على أن من يتصدى لأمور الدعوة الدينية يجب أن يكون مؤهلاً لذلك وهو أيضاً أمر مسلم به لا ينكره ذو عقل .
ومما يفضح جميع أكاذيب من أرادوا تصفية حساباتهم سواء مع مؤسسة الأزهر الشريف أو الشيخ احمد الطيب، فحين تحدث الرئيس عن ضرورة تجديد الخطاب الديني وترسيخ مبادئ الوسطية في الإسلام فإنه يرد الأمر إلى أهله، فلا الرئيس ولا الحكومة يملكان وصاية على الأزهر الشريف الذي يتمتع باستقلالية تامة وخير دليل على ذلك أنه يطالب علماء الأزهر بهذا، كما أن كلمات الرئيس الواضحة المحددة لا تحمل أي اتهام للأزهر أو للطيب .. فكل ما هنالك أن الرئيس ومن واقع مسئولياته واطلاعه على أمور قد لا يدركها غيره وجد أنه من الضروري إعادة التذكير بهذه الرسالة المتممة لدور الأزهر الشريف ليظل منبر الوسطية والاعتدال .
كما أن اللقاءات الدائمة بين السيسي والطيب إنما تدل على أن هناك حالة حوار دائم بين الرئيس والأزهر كأحد مؤسسات الدولة التي يدرك الرئيس جيداً مدى أهميتها ودورها في تشكيل الوعي والشخصية المصرية مما يقطع الطريق على أي مزايدة أو تحميل المواقف ما لا تحتمل .. وحفظ الله مصر من كيد الكائدين وأقوال المدعين .