آراءشويّة دردشةعاجل

الدعم السريع.. فصل جديد فى كتاب الإنقلاب| بقلم عميد د. عمرو ناصف

لا جديد يقال عن السودان، فهى ذات البلد الأكثر إنقلابات عسكرية فى القارة منذ أن نالت إستقلالها من المحتل الإنجليزى فى ( عام ١٩٥٦م ) وحتى اليوم، فكل من تولى زمام أمور تلك البلاد الخيّرة النضرة المتعددة الإثنيات العرقية والقبلية قد وصل إلى كرسى ذلك الزمام عبر إنقلاب عسكرى سواء على رئيس عارضه الرأى والفكر بالأمس بدءاً من ( إنقلاب الفريق إبراهيم عبود على عبدالفتاح المغربى رئيس مجلس السيادة ١٩٥٨م ) أو على صديق الأمس الذى أعانه على ذات الإنقلاب ليصبح عدو اليوم ( إنقلاب حميدتى على البرهان إبريل ٢٠٢٣م )، وكثير بينهما من إنقلابات ناهيك عما فشل منها بين التاريخين، وما منهم يتربع على عرش إنقلابه ذاك إلا ويبدأ فى إستخلاف عشيرته وقبيلته وأهله فى حكومته الجديدة وحقائبها الوزارية، تاركين السودان تطحنه الكثير من الرحوات القبلية والإثنية التى تحمل السلاح فى كل حدب سودانى وصوب يتابعهم عن كثب تيار الإخوان المسلمين السياسي من آكلات جيف كل الدول العربية ينتظر جثوم السودان ليعلو على جثته كما علا عليها من قبل فى الحكومات المتعاقبة بدءاً من أربعينيات القرن الماضي، مروراً بعائلة ( المهدى ) منذ ( عام ١٩٥٨م ) ووزارة ( الصادق المهدي ) عام ( ١٩٦٦ – ١٩٦٧ حتى ١٩٨٦ – ١٩٨٨م ) وصولاً إلى ( المؤتمر الوطني ) اليوم.

ثم مايلبث أولئك الرؤساء عبر السنين أن يفتعلوا أقاصيص يستميلون بها شعوبهم البسيطة الأحلام ويستقطبون بها بوصلة العالم المحيط لإضفاء قليلاً من الشرعية الزائفة على رحلة وصولهم للحكم ويثَبّتوا أوتادهم الواهية فى أرض السودان الجريح، فنجد حكام الإنقلاب يرفعون نحيبهم شرقاً وغرباً حول قضية ( حلايب ) المصرية قلباً وقالباً بالأوراق والخرائط والبراهين والتى تبلغ مساحتها ( ٢١ ألف كم تقريباً ) يعيش أهلها فى كنف مصر فى عيش رغيد وتنمية دائمة بينما يهملون الصراعات المحتدمة غرباً فى( دارفور ) وجنوباً فى إقليم ( چوبا ) الذى تبلغ مساحته حوالى ( ٦٤٠ الف كم تقريباً ) أى ما يعادل ( ٣٠ مرة ) مساحة مدينة ( حلايب المصرية ) حتى يضحى الجنوب صريع الحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية ويصبح إنفصاله عن السودان أمراً واقعاً نهائياً فى ( عام ٢٠١١م ) فى إستفتاء شعبى رسمى لايدرى العالم الواعى كله كيف رضيت به القيادة السياسية فى السودان بالأساس، ليصبح الجنوب دولة ( مسيحية ) منفصلة قائمة بذاتها، آخذة ً معها أخصب الأراضى السودانية فى الجنوب وكثير من مناجم الذهب وموارد التعدين، وحدوداً جنوبية مع الجارة الإثيوبية التى لم تتمن فى تاريخها أفضل من تلك الجيرة ذات نفس الدين واللغة وتعتبر إمتداداً ضمنياً لأراضيها وعوناً مستقبلياً لأطماعها فى السودان الشمالي وأراضيه ومياهه ومن وراءه مصر.

فقد إختار أهل دولة جنوب السودان – طواعيةً – اللغة الإنجليزية لغة رسمية لهم رغم عروبتهم الأزلية، ولكنها تلك تبعات الإهمال والازدراء والترك، الذى ينذر بلحاق ( إقليم دارفور ) الغربى بهم عن قريب، لتقوم تلك السياسات الموروثة المستمرة بتمهيد طريق جديد لإنقلاب آخر من أولئك المنبوذبن المهمشين الذين لا ينتمون إلي أى نوع من المشاركة السياسية والمجتمعية، لتبدأ قصة إنقلاب جديدة على ( سلة الغذاء العالمى ).

السودان، تلك السلة التى تمتلك ملايين الأفدنة الأكثر خصوبة بالعالم ويعانى أهلها الجوع والعوز، تلك التى تمتلك أحد أكبر أنهار العالم بروافده التى تغطى مساحاتها الشاسعة من أراضيها ولازال أهلها يعانون من العطش و أراضيها من التصحر والقفر، تلك السودان التى تستطيع أن تطعم أكثر من ٨٠٠ مليون شخص حول العالم من اللحوم والألبان لمدة عام كامل تموت رؤوس ماشيتها على جانبى الطريق من الجوع والعطش.

طوبى لأرض تمتلك كل مقومات العيش الرغد، وطوبى لشعب طيب وطنى صبور حمول لا يمتلك من يديرون شئونه عقولاً يصنعون بها أدنى درجات التنمية على مر عشرات السنوات ولا قلباً يرأف بحال أهلها فصارت السودان هدفاً ومطمعاً لكل غازٍ ومستعمر شأن كثير من دولنا العربية، ومن ثم قاعدة إنطلاق لقطار إستعمار دول الجوار، ليس بالضرورة أن يكون إستعماراً أجنبياً أو حتى خارجياً، فمعظم الدود يأتى من الداخل.

السحر الأسود الذى إنقلب على الساحر:

كانت قوات ( الدعم السريع ) تسمى قديما بقوات ( الجنجويد ) نسبة إلى قبائل ( جنجويد ) الموجودة بالسودان وإفريقيا منذ عشرات السنوات، وهى قبائل تعمل فى الرعى ومنهم من حمل السلاح بإحترافية تامة للدفاع عن شئون القبيلة وأحياناً كثيرة لإدارة عمليات صراع أو نهب لقبائل أخرى مجاورة، وإستخدمت حكومات السودان المتعاقبة تلك القوات لدحر وقتال الإنفصاليين والمتمردين فى جنوب السودان وغربه، لما يميزها عن القوات المسلحة النظامية من شراسة قتالية وخبرات قتالية فى الغابات والجبال وقتال المدن.

ومع تواتر الحكومات وتعدد الإمتيازات التى منحتها إياها الحكومة تلو الأخرى أصبحت تلك القوات أكثر تنظيماً ووصل تعداد مقاتليها الآن نحو ( ١٠٠ الف مقاتل ) وحوالى ( ١٠ آلاف عربة دفع رباعى ) حصلت عليها من بعض دول الجزيرة العربية والخليج ممن تربطهم بها علاقات قبلية عربية قديمة الأزل مما يفسر تعاون أو بالأحرى مساندة بعض تلك الدول لتلك القوات وإعطاءها شرعية سياسية لها ولقائدها ( حميدتى ) الذى تنحدر أصوله من قبائل ( الرزيقات ) الموجودة أيضاً فى بعض مواضع الجزيرة العربية والشام، وباتت تلك القوات ترتدى الزى عسكرى، ولديهم الكثير من المال والعتاد والأسلحة الصغيرة والمدفعية الخفيفة المتطورة، مما مكنهم فى منتصف التسعينات – بقيادة الشاب ( حميدتى ) تاجر الإبل الذى لم يحصل على الشهادة الإبتدائية – من الإستيلاء على أول كشف لمنجم ذهب ( جبل عامر ) بالسودان دون أى منازعة أو مقاومة من مؤسسات الدولة.

وحين إعتلى ( عمر البشير ) حكم البلاد منحهم شرعية أكبر بأن قلدهم رتباً عسكرية حيث أعطى لقائدهم ( محمد حميد دقلو ) والملقب بـ ( حميدتى ) رتبة ( الفريق أول ) وجعل منهم الحرس الخاص له ولبعض وزراءه، وقوات حماية للمقرات الرئاسية وزادهم تجهيزاً وسلاحاً وإستمر فى إستخدامهم لدحر معارضيه فى معاقل الإنفصاليين والمتمردين فى دارفور وحماية وتأمين بعض الأهداف الحيوية فى شتى أنحاء البلاد، وفى العام ( ٢٠١٣ م ) أصدر ( البشير ) قراره بأن تعمل هذة القوات تحت مظلة وإمرة أجهزة المخابرات والأمن الوطني للسودان تحت مسمى جديد ( قوات الدعم السريع ) وكان هذا القرار إيذاناً ببدء منحى جديد وخطير فى سير العمليات الإنقلابية فى السودان ظهر جلياً عندما قام الجنرال ( عبدالفتاح البرهان ) بعزل الرئيس ( عمر البشير ) فى ( أبريل عام ٢٠١٩ ) بعد إحتجاجات شعبية كبيرة ، وأصبح من حينها رئيساً للمجلس السيادى العسكرى الحاكم متخذاً من ( الجنرال حميدتى ) نائباً له ليأمن جانبه وجانب قواته من ناحية ومن ناحية أخرى لينفذ خطته فى دمج ( قوات الدعم السريع ) مع القوات المسلحة السودانية فى خطة إذابة مدتها سنتين طبقاً لإتفاق ( ورشة الإصلاح الأمنى والعسكرى ) المنعقدة آخر جلساتها بين الطرفين فى ( مارس ٢٠٢٣م ).

ولكن الأيام أثبتت لـ ( حميدتى ) وتبعاً لوحهة نظره ومن حوله عدم براءة ذمة ( البرهان ) نحوه ونحو قواته وعكس ماينتويه لهم، مرة حين أمر بحل حكومة رئيس الوزراء ( حمدوك ) فى ( عام ٢٠٢١م ) وأصدر قراراً بتحديد إقامته جبرياً ولم يناقش تلك الخطوة مع نائبه ( حميدتى ) مما ألقى الخوف فى نفسه وأعتبره ( حميدتى ) تهديداً لمنصبة ووجوده و خيانة وعرقلة للإنتقال المدنى للسلطة المتفق عليه بينهما فى ( ورشة الإصلاح )، ومرة أخرى حينما خرج ( البرهان ) من السودان إلى إنجلترا لحضور مراسم تشييع جثمان الملكة اليزابيث الثانية فى ( سبتمبر ٢٠٢٢م ) دون أن يعهد لـ ( حميدتى ) بإدارة شئون البلاد كنائباً شرعياً له، ومسنداً تلك المهمة إلى ( شمس الدين الكباشى ) أحد قادة المجلس السيادى الحاكم، مما أثار حفيظة ( حميدتى ) وجعله منذ ذلك الحين يبدأ فى ترتيب أموره وأمور قواته على طريق الإنقلاب السودانى المعهود فى البلاد، آخذاً فى توزيع قواته فى العاصمة الخرطوم وبعض المدن والولايات الحيوية بدافع تأمين بعض الأهداف الحيوية هناك.

مشيرة الأحداث والتطورات وحجم الثقة والقوة التى يمارس بها أعماله العسكرية على الأرض، وبعض لقاءاته وإتصالاته مع بعض الدول – القريبة والبعيدة – والتى تسمى نفسها ( الراغبة فى إنهاء الصراع) إلى كونه مدعوم وموجه من بعض القوى الخارجية التى لاتريد إستقراراً للمنطقة بوجه عام ولا للسودان على وجه الخصوص ولا لمصر بالتبعية، متمثلة بالطبع فى الشيطان الأعظم على ظهر الكوكب، وإبنها المدلدل فى الشرق الأوسط ( كيان الإحتلال ) وأذرعها فى منابع النيل وبعض دول أوروبا التى إنزلقت أقدامها فى حرب أوكرانيا بالوكالة عن ذلك الشيطان.

آملة تلك القوى الخارجية أن تدور رحى الصراع بين ( البرهان ) و ( حميدتى ) مع الأيام راجين أن تسحب تلك الرحى البساط من تحت أقدام مصر وتزج بها فى صراع لا ناقة لها فيه ولاجمل إما بدعوى مساندة الشرعية لحكم ( البرهان ) أو قتال التمرد والإنقلاب متمثلاً فى ( حميدتى ) وقواته، ونواياهم السوداء تلك عاونتهم فيها ظروف تواجد بعض عناصر القوات المسلحة المصرية فى قاعدة ( مروى ) العسكرية لأغراض تدريب مشترك متفق عليه مسبقاً بين الجيشين السودانى والمصرى، ولكن حكمة الدولة المصرية وفطنة مسئوليها ورشادة مؤسسة الرئاسة بجيشها وشعبها كانت أعلم بكيفية إدارة مثل هذة الأمور، ورغم محاولة ( قوات الدعم السريع ) إستفزاز الدولة والقوات المسلحة المصرية بمناوشات مختلفة مع جنودنا فى قاعدة ( مروى ) أو من خلال لجانها الإليكترونية عبر مواقع التواصل بكثير من مقالات وفيديوهات الإساءة البذيئة تارة للدولة المصرية وتارة لجيشها وشعبها، إلا أن دولتنا العريقة الأمجاد، القديمة التاريخ، تلتى حكمت أفريقيا كلها وبلاد الحبشة حتى منابع النيل تستحضر دوماً كلمات رئيسها الشجاع الوطنى الكبير حين يقول:

( نحن دولة ذات جيش رشيد، نعرف كيف نحمى أنفسنا وبلادنا جيداً، لا نتدخل فى شئون أى بلد آخر، وندير العملية السياسية بمنتهى الشرف، فى زمن عز فيه الشرف ).

.. حمى الله مصر وشعبها وجيشها وكل الأمة العربية والإسلامية ..

تحيا مصر ،، تحيا مصر ،، تحيا مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى