تبدأ ليلة النصف من شعبان لعام 1444 هجريًا من مغرب اليوم الإثنين، وتنتهي فجر غدًا الثلاثاء.. وشهر شعبان هو شهر الحبيب المصطفى رسول الله، محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يختصه عن بقية الشهور بكثرة الصيام لما فيه من نفحات وبركات، وفي هذا الشهر تُغفر ذنوب العباد، فلا يفوتك أن تغتنم هذه الأيام في زيادة رصيدك من الطاعات والأعمال الصالحة حتى تُقبِل على شهر رمضان الكريم بقلبٍ سليم.
فضل ليلة النصف من شعبان
وليلة النصف من شعبان مناسبة لها قدرها وجلالها، حيث خصها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالعبادة، مع خصوصية شهر شعبان، حيث سأل الصحابي الجليل أسامة بن زيد (رضي الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “قلتُ يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ، قال: “ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ”.
إحياء ليلة النصف من شعبان
وورد في السنة النبوية عن فضل ليلة النصف من شعبان، حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “فَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟» فقُلْتُ: وَمَا بِي ذَلِكَ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْزِلُ ليلة النصف من شعبان إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعرِ غَنَمِ كَلْبٍ» رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَطَّلِعُ الله إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَة النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رواه الطبراني.
وإحياء ليلة النصف من شعبان، من السُّنة النبوية المطهرة، فعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا يَوْمَهَا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلا كَذَا أَلا كَذَا؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ”.
وعلى هذا تواردت أقوال علماء الأمة؛ فقد ذكر شيخ الإسلام تقي الدين السبكي في “تفسيره”: (أن إحياء ليلة النصف من شعبان يكفر ذنوب السنة، وليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع، وليلة القدر تكفر ذنوب العمر كله) اهـ. نقله عنه الزبيدي في “إتحاف السادة المتقين” (3/ 427، ط. الميمنية).
وقال العلامة ابن نجيم الحنفي في “البحر الرائق” (2/ 56-57، ط. دار الكتاب الإسلامي): (ومن المندوبات: إحياء ليالي العشر من رمضان، وليلتي العيدين، وليالي عشر ذي الحجة، وليلة النصف من شعبان، كما وردت به الأحاديث، وذكرها في “الترغيب والترهيب” مفصلة. والمراد بإحياء الليل: قيامه. وظاهره الاستيعاب، ويجوز أن يراد غالبه) اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في “لطائف المعارف” (ص: 137-138، ط. دار ابن حزم): [وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام؛ كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، وغيرهم، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها.
ثم قال: واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين؛ أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد؛ كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون، ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة: (ليس ببدعة)، نقله عنه حرب الكرماني في “مسائله”.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى] اهـ.
وإذا كانت لهذه الأيام تلك الخصوصية في رفع الأعمال، فإن مناسبة أخرى حدثت في شهر شعبان لها أهميتها وهي تحويل القبلة، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه، فلما قدم المدينة وُجِه إلى بيت المقدس، وقد كان يقلب وجهه في السماء راجيا من الله سبحانه أن يصرف وجهه في الصلاة إلى بيت أبي الأنبياء إبراهيم (عليه السلام)، فأنزل الله تعالى: “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ”، وقوله تعالى: “فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا” يبين مدى حرص رب العزة على رضى حبيبه (صلى الله عليه وسلم) ، فمنحه الله (عز وجل) وحقق له ذلك، وكان في توجيهه (صلى الله عليه وسلم) إلى بيت المقدس، لفت انتباه إلى أهمية هذا المسجد، القبلة الأولى ومسرى الرسول (صلى الله عليه وسلم).
والحاصل من كلام العلماء أن هذه الليلة وإن كان يُندب إحياؤها إلا أنه لا توجد صفة محددة لإحيائها؛ لأن النصوص الخاصة بإحيائها قد جاءت مطلقة غير مقيدة بدعاء دون دعاء، ولا بحال دون حال، ولا بوقت دون وقت.
ولا يجوز تقييدها وقصرها على بعض الأدعية دون بعض، أو بعض الأحوال دون بعض، أو بعض الأوقات دون بعض، إلا بدليل خاص، ولكن يتم إحياؤها بأنواع العبادات التي يجد فيها الإنسان راحته القلبية وطمأنينته النفسية.
الدعاء المستحب في ليلة النصف من شعبان
ويستحب أن يدعي المسلم في ليلة النصف من شعبان ويقول :”اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَهْرَ اللَّاجِئينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأَمَانَ الْخَائِفِينَ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا أَوْ مَحْرُومًا أَوْ مَطْرُودًا أَوْ مُقَتَّرًا عَلَيَّ فِي الرِّزْقِ، فَامْحُ اللَّهُمَّ بِفَضْلِكَ شَقَاوَتِي وَحِرْمَانِي وَطَرْدِي وَإِقْتَارَ رِزْقِي، وَأَثْبِتْنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ سَعِيدًا مَرْزُوقًا مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ فِي كِتَابِكَ الْمُنَزَّلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، إِلَهِي بِالتَّجَلِّي الْأَعْظَمِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ الْمُكَرَّمِ، الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُبْرَمُ، أَنْ تَكْشِفَ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا نَعْلَمُ وَمَا لَا نَعْلَمُ وَمَا أَنْتَ بِهِ أَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ”.