الحوار المرتقب بين طوكيو وسول بجنيف وآفاق تسوية الحرب التجارية ومردوداتها
تُعقد فى وقت لاحق اليوم (الثلاثاء )بمدينة جنيف السويسرية ، الجولة الثانية من الحوار المرتقب بين اليابان وكوريا الجنوبية، حيث من المنتظر أن يعقد ممثلو الدولتين مباحثات هي جزء من عملية تسوية النزاعات التجارية بين البلدين بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية.
وفي الثالث والعشرين من نوفمبر الجاري، من المنتظر أن يتم تجديد اتفاق تقاسم المعلومات العسكرية في إطار التعاون الأمني بين كوريا الجنوبية واليابان، بعد انسحاب سيول منه، الأمر الذي يعكس حالة القلق الأمريكي وحث كوريا الجنوبية على تجديد الاتفاق مع اليابان، لأن واشنطن ترى أن توتر العلاقات بين طوكيو وسيول يصب في مصلحة الصين وكوريا الشمالية وروسيا.
كانت الجولة الأولى من الحوار بين رئيس وزراء اليابان شينزو آبي والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي وفي أول محادثات رسمية فردية أجرياها منذ أكثر من عام، قد عُقدت في تايلاند قبيل انطلاق أعمال قمة الآسيان زائد ثلاثة واستغرق اللقاء عشر دقائق ولكنهما أكدا أملهما في أن تتم تسوية القضايا المعلقة من خلال الحوار.
وخلال أكتوبر الماضي فشل الطرفان في الوصول إلى اتفاق خلال محادثاتهما في جنيف للنظر في الشكوى المقدمة من سيول لهيئة التجارة العالمية بشأن قيود التصدير التي فرضتها طوكيو عليها.
ووفقًا للقواعد والأعراف الدولية، تعتبر المشاورات الثنائية هي الخطوة الأولى لتسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية وفي حالة فشل الجانبين في حل الخلاف بينهما خلال مدة 60 يومًا تقوم هيئة تسوية المنازعات بتشكيل لجنة للبت في القضية، لذلك فالأمل معقود على الوصول إلى حل للخلاف هذه المرة.
تصعيد على أكثر من مستوى
بدأت اليابان مرحلة التصعيد التجاري بتقييد صادراتها لكوريا الجنوبية في الأول من يوليو 2019 بفرض عدة قيود على الصادرات اليابانية التي تستخدمها شركات تصنيع الشرائح الإلكترونية والهواتف الجوالة في كوريا الجنوبية، وتشمل هذه القيود: الحد من تصدير ثلاث مواد كيميائية تدخل في صناعة أشباه الموصلات، ومنع نقل تكنولوجيا التصنيع الخاصة بالمنتجات عالية التكنولوجيا، وهو الأمر الذي يفرض على المصدرين اليابانيين الخضوع لإجراءات طويلة ومعقدة لتصدير منتجاتهم لكوريا الجنوبية منها تقديم طلب إذن لكل دفعة على حدة ينوون تصديرها إلى كوريا الجنوبية في عملية تستغرق نحو 90 يومًا في كل مرة.
أدى تشديد القيود على الصادرات من المواد عالية التقنية المستخدمة في أشباه الموصلات والهواتف الذكية، إلى إبطاء عملية التصدير الخاصة بالشركات اليابانية لأشهر عدة ، كما كانت له آثار سلبية على إنتاج وأرباح شركات تكنولوجيا كورية جنوبية عملاقة مثل شركة سامسونج إلكترونيكس وشركة إس كيه هاينيكس وشركة إل جي إلكترونيكس.
وزادت حالة التصعيد فى بداية أغسطس 2019، إذ قامت الحكومة اليابانية أيضا بحذف كوريا الجنوبية من القائمة البيضاء الخاصة بالشركاء التجاريين الموثوق بهم، واستندت اليابان في قرارها إلى أن هذه الخطوة ضرورية لمنع انتقال المواد الحساسة المستخدمة في التكنولوجيا اليابانية الفائقة والمصدرة لكوريا الجنوبية إلى كوريا الشمالية بصورة غير شرعية، بهدف استخدامها في الصناعات العسكرية على النحو الذي يضر بالأمن القومي الياباني.
وقد وصفت كوريا هذه الإجراءات بأنها غير منصفة وتشكل انتهاكًا للقوانين الدولية، وفرضتها اليابان كوسيلة “للانتقام الاقتصادي” من كوريا التي أعلنت التزامها بتطبيق حكم المحكمة العليا في كوريا الجنوبية بشأن التعويض عن العمل القسري في زمن الحرب، كما قررت الحكومة الكورية التقدم بشكوى ضد الإجراءات اليابانية لدى منظمة التجارة العالمية والتي تتعارض مع مبادئ التجارة العالمية الخاصة بحصول كافة الدول على الامتيازات التي تقدمها بعض الدول لدول أخرى فى إطار التجارة الثنائية بينهما.
وقبل نهاية أغسطس الماضي ، قامت الحكومة الكورية الجنوبية بوقف العمل باتفاقية مشاركة المعلومات الاستخباراتية والأمنية مع اليابان، وأكد المسؤولون الكوريون أن هذا القرار يجيء ردا على قرار اليابان تخفيض مستوى وضع كوريا في العلاقات التجارية، ما أدى إلى تغيير جذري في مستوى التعاون الأمني بين البلدين، بينما اعتبر تارو كونو وزير الخارجية الياباني الخطة بأنها “تقييم خاطئ للظروف الأمنية الإقليمية الراهنة”، وقال إن بلاده سوف تحتج بشدة لدى الحكومة الكورية بسبب قرارها، وهو ما تم بالفعل حيث استدعت الخارجية اليابانية في نهاية أغسطس سفير كوريا الجنوبية لدى اليابان والتعبير له عن احتجاجها ورفضها لهذه الواقعة التي تجيء في خضم تزايد التهديدات الأمنية التي تمثلها كوريا الشمالية لليابان.
مردودات سلبية على اقتصاد الدولتين
أدت القرارات الاقتصادية اليابانية والكورية المتبادلة إلى حدوث عدة تداعيات وآثار سلبية على النشاط الاقتصادي في كل منهما شملت تراجع النمو الاقتصادي وانخفاض قيمة الصادرات الخارجية وانخفاض معدلات التشغيل والتوظيف وتراجع مبيعات السلع عالية التكنولوجيا وزيادة معدلات التعثر المالي للشركات في سداد القروض والمديونيات الخاصة بها.
وتشير التقارير الاقتصادية إلى أن الحرب التجارية بين طوكيو وسول ، انعكست على الاقتصاد الياباني والذي يمر حاليًا بمفترق طرق، فقد بلغ النمو السنوي نسبة 0.2% في الناتج المحلي الإجمالي لليابان خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر الماضي، ويتوقع التقرير أن يشهد الربع الرابع من أكتوبر إلى ديسمبر انخفاضًا في الناتج المحلي الإجمالي بسبب تأثير زيادة ضريبة الاستهلاك، كما تم تخفيض الانفاق الحكومي، وأن الحكومة ستقوم بزيادة معدل ضريبة المبيعات من 8% إلى 10% كجزء من الجهود اليابانية المبذولة للحد من تضخم الدين العام.
كما تراجع أداء الشركات اليابانية بسبب تباطؤ الصادرات الناتج عن تباطؤ النمو العالمي الناجم عن النزاع التجاري المرير الذي طال أمده بين الولايات المتحدة والصين، وانخفضت الصادرات بنسبة 0.7% خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وساهم الانخفاض في إنفاق السياح الوافدين، بمن فيهم السائحون من كوريا الجنوبية، الذين انخفضت أعدادهم وسط التوتر الشديد في العلاقات بين طوكيو وسول، في انخفاض أرقام الصادرات.
كان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قد أصدر تعليمات إلى الإدارات الحكومية بتجميع حزمة تحفيز تصل قيمتها إلى تريليونات من الين، وذلك جزئيًا لتمويل إعادة الإعمار في المناطق التي دمرتها سلسلة الأعاصير الأخيرة وتعزيز البنية التحتية للوقاية من الكوارث وجزئيًا لدعم الاقتصاد في نظرا لتزايد مخاطر الجانب السلبي.
كما تدخلت الحكومة الكورية لحماية اقتصادها من التأثيرات السلبية للحرب التجارية مع اليابان بوضع وتنفيذ خطط وبرامج إنقاذ شملت: إقرار وتخصيص – بعد موافقة الجمعية الوطنية لكوريا الجنوبية – ميزانية تكميلية بقيمة 2‚237 مليار وون “حوالي مائة مليون دولار” فيما يعد إعانة حكومية للشركات المتضررة من الإجراءات اليابانية تساعدها في حشد وتهيئة المواد وأدوات الإنتاج المحلي لأجزاء ومواد أشباه الموصلات وذلك لحين استئناف الشركات الكورية الجنوبية استيراد هذه الأجزاء والمواد المطلوبة من اليابان مرة أخرى.
ويتوقع خبراء الاقتصاد في الدولتين تراجع التجارة الخارجية بشقيها الصادرات والواردات خلال العام 2019 بمعدل يتراوح بين 20 و25% عما كانت معدلات هذه التجارة في عامي 2017 و2018، والتي يسهم فيها إلى جانب الحرب المتصاعدة بينهما وقوف الولايات المتحدة على الحياد بين الدولتين الحليفتين لها في منطقة شرق وشمال شرق آسيا، وفي أحيان كثيرة قامت بممارسة الضغوط عليهما فى مجالي: خفض التعريفات والرسوم الجمركية المفروضة على السلع الأمريكية وفي مقدمتها صناعة السيارات والمنتجات الزراعية ومنتجات اللحوم الأمريكية وزيادة مساهمة اليابان وكوريا في تكاليف نفقة قوات الحماية الأمريكية الموجودة على أراضي الدولتين وتخفيض الأعباء المالية الدفاعية على الموازنة الأمريكية.
يبقى القول أن المشهد الراهن للعلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، يُحتم على الطرفين اغتنام فرص اللقاء والحوار المباشر بينهما في التوصل إلى اتفاق تجاري عادل بين الجانبين وتجديد العمل بالاتفاق الأمني، تحاشيًا للمردودات السلبية على كافة المستويات الناتجة عن التصعيد التجاري بينهما.