الجزائريون يحتفلون بعيد الاستقلال بالتزامن مع دفن رفاة شهداء المقاومة
يحتفل الجزائريون اليوم الأحد، بالذكرى الثامنة والخمسين لبلادهم عن الاحتلال الفرنسي الذي دام 132 عاما، وهو الاستقلال الذي دفعت الجزائر أكثر من مليون ونصف مليون شهيد من أبنائها ثمنا له.
وجاء عيد الاستقلال هذا العام مختلفا بسبب تزامنه مع احتفال الجزائر باسترجاع ودفن رفاة 24 من شهداء المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي بعد احتجازهم لأكثر من 170 عاما في باريس.
كما أثر الظرف الصحي الذي يعيشه العالم نتيجة أزمة انتشار فيروس كورونا، على العديد من الفعاليات التي كانت تقام في مختلف الولايات الجزائرية بهذه المناسبة.
ومن المقرر أن تشهد كافة الولايات الجزائرية الـ48 دقيقة صمت عند الساعة 11 ظهرا وإطلاق صفارات الإنذار تزامنا مع دفن رفاة الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة، في مراسم جنائزية مهيبة يتقدمها الرئيس عبد المجيد تبون وكبار مسؤولي الدولة.
وتحتفل الجزائر اليوم بأول عيد استقلال لها بعد انتخاب الرئيس تبون في ديسمبر الماضي، كنتيجة مباشرة للحراك الشعبي الذي انطلق في فبراير 2019 وأجبر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة بعد 20 عاما قضاها في الحكم.
كما يتزامن الاحتفال مع إعداد مسودة لدستور جديد يخضع حاليا للنقاش المجتمعي العام، قبل إقراره في البرلمان بغرفتيه (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني) تهيدا لعرضه في استفتاء شعبي عام، قد يجرى في سبتمبر أو أكتوبر المقبلين، حسبما أعلن الرئيس تبون أمس.
وينظر الجزائريون ليوم الخامس من يوليو 1965 باعتباره رمزا لكل معاني الصمود والكفاح، فيوم الاستقلال جاء بعد ثورة انطلقت في نوفمبر 1954حين قامت مجموعات صغيرة من الثوار المزودين بأسلحة قديمة وبنادق صيد وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد وفي وقت واحد.
ومع انطلاق الرصاصة الأولى للثورة تمّ توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع “الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني” وجاء فيه “أن الهدف من الثورة هو تحقيق الاستقلال الوطني في إطار الشمال الأفريقي وإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية”.
ودعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية إلى الانضمام إلى الكفاح التحريري ودون أدنى اعتبار آخر، كما تم تشكيل الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني من 9 أعضاء.
وجاء بدء انسحاب قوات الاحتلال الفرنسية في 5 يوليو 1962 متزامنا مع ذكرى دخولها الجزائر في 5 يوليو 1830، كما انسحبت من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر وهو ميناء “سيدي فرج” القريبة من الجزائر العاصمة، ليعين أحمد بن بيلا كأول رئيس لجمهورية الجزائر المستقلة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد من قادة الثورة وكوادرها.
ويرجع الفضل في انتصار الثورة الجزائرية إلى وضوح أهداف القائمين بها والتضحيات الشعبية الهائلة التي قدمها الشعب الجزائري الذي عبأ كل طاقاته لتحقيق الانتصار، بالإضافة إلى ذلك الأساليب المبتكرة التي لجأ إليها المجاهدون لتوجيه الضربات الأليمة لجيش دولة كبرى متفوق في العدد والعدة.
كما مثل الدعم العربي للثورة الجزائرية عنصرا مهما في انتصارها، وعلى رأسها مصر التي دفعت ثمن دعمها لتحرير الجزائر، عندما اشتركت فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
ويمكن تقسيم الثورة الجزائرية وصولا إلى الاستقلال إلى 4 مراحل، الأولى من 1954 – 1956، وتميزت بتثبيت الوضع العسكري وتقويته ومد الثورة بالمتطوعين والسلاح والعمل على توسيع إطار الثورة لتشمل كافة أنحاء البلاد، والثانية من 1956 – 1958 والتي شهدت ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل القضاء عليها، إلا أن الثورة ازدادت بسبب تجاوب الشعب معها وأقام جيش التحرير مراكز جديدة ونشطت حركة الفدائيين في المدن.
كما تمكن جيش التحرير من إقامة بعض السلطات المدنية في بعض مناطق الجنوب الجزائري وأخذت تمارس صلاحياتها على جميع الأصعدة.
أما المرحلة الثالثة من 1958 – 1960 فكانت من أصعب المراحل التي مرّت بها الثورة الجزائرية إذ قام المستعمر الفرنسي بعمليات عسكرية ضخمة ضد جيش التحرير الوطني وبلغ القمع حده الأقصى ورد جيش التحرير بخوض معارك عنيفة ضد الجيش الفرنسي، كما شهدت تلك الفترة إعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة فرحات عباس في 19 سبتمبر عام 1958، كما طرحت قضية الجزائر في الأمم المتحدة وفي مؤتمر الشعوب الأفريقية بـ”أكرا” .
وفي 16 سبتمبر 1959 أعلن الجنرال ديجول اعتراف فرنسا بحق الجزائر في تقرير مصيرها وكان جواب الحكومة الجزائرية المؤقتة قبولها لمبدأ تقرير المصير واستعدادها للتفاوض المباشر في الشروط السياسية والعسكرية لوقف القتال وتوفير الضمانات الضرورية لممارسة تقرير المصير.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة من 1960- 1962 فكانت هي الحاسمة عندما حاول الفرنسيون الإجهاز على الثورة بالقوة العسكرية لكنهم فشلوا رغم الحملات العسكرية التي شنوها.
وانتصرت في النهاية جبهة التحرير الوطني وأُجبرت فرنسا على التفاوض بعد أن تأكدت فرنسا نفسها أن الوسائل العسكرية لن تخمد الثورة، وتحدد يوم الأول من يوليو لإجراء استفتاء شعبي فصوت الجزائريون جماعيا لصالح الاستقلال وبذلك تحقق الهدف السياسي والأساسي الأول لحرب التحرير.