أخبار عالميةعاجل

«البريكست» عنصر حاسم في تحديد مسار الانتخابات التشريعية المقبلة في بريطانيا

تسود أجواء من الترقب الساحة البريطانية مع بدء العد التنازلي للانتخابات التشريعية المبكرة ، والمقرر عقدها في 12 ديسمبر المقبل، والتي من المنتظر أن تمثل عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو “البريكست” عنصرا حاسما في تحديد مسارها.

وكان رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون قد حصل نهاية الشهر الماضي على موافقة مجلس العموم البريطاني بشأن إجراء انتخابات مبكرة بهدف الخروج من مأزق “بريكست”، وذلك قبل يومين فقط على حلول الموعد الثالث لمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي والذي كان مقررا في 31 من أكتوبر الماضي، غير أن الموعد الأخير قد تمّ تأجيله إلى 31 يناير المقبل بناءً على طلب من الحكومة البريطانية وافق عليه المجلس الأوروبي.

وتعد هذه الانتخابات هي الثالثة من نوعها خلال أربع سنوات، حيث نظّمّت بريطانيا انتخابات عامة مرتين خلال السنوات الأربع الماضية، في عامي 2015 و2017، وكان من المقرر عقد الانتخابات التالية في عام 2022، غير أن تعثر عملية “البريكست” وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دفع جونسون للمطالبة بعقد انتخابات مبكرة أملا في حصول حزبه المحافظين على أغلبية برلمانية تمكنه من إتمام صفقة الخروج.

وواجه اتفاق البريكست صعوبات كثيرة منذ سنوات، وكان السبب الرئيسي وراء استقالة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، غير أن جونسون تمكن في أكتوبر الماضي من التوصل إلى صيغة توافقية جديدة مع الاتحاد الأوروبي بعد حل مشكلة “شبكة الأمان” مع أيرلندا، والتي كانت تشكل أكبر عائقا أمام التوصل إلى اتفاق للخروج.

ولكن نظرا لوجود معارضة على الاتفاق من قبل بعض القيادات البريطانية، وعلى رأسهم زعيم المعارضة العمالية جيرمي كوربين، رفض مجلس العموم البريطاني اتفاق جونسون، تعديلا قدمه أحد النواب المحافظين السابقين يمنح البرلمان مزيدا من الوقت لدراسة الاتفاق دون المخاطرة بالخروج حسب المهلة المحددة في 31 أكتوبر.
من هنا تتضح الأهمية التي يمثلها ملف البريكست في الانتخابات البريطانية المقبلة؛ إذ يستحوذ على عقول واهتمامات الناخبين الذين يرونه أكبر التحديات التي تواجه بلادهم في المرحلة الراهنة.

في هذا السياق، توقعت استطلاعات الرأي زيادة معدلات إقبال الناخبين في الاقتراع القادم،؛ حيث كشف استطلاع لمؤسسة هانسارد البحثية أن عدد البريطانيين المؤيدين لإجراء الانتخابات هو أكثر من ضعف عدد المعارضين لها، وأن ما يزيد على مليون شخص قد سجلوا أسماءهم حديثًا للتصويت منذ الإعلان عن موعد عقد الانتخابات، بما في ذلك ما يقرب من 500 ألف شخص تقل أعمارهم عن 25 عامًا قد سجلوا خلال الشهر الجاري، وهو ما يعطي مؤشرا بارتفاع معدلات المشاركة السياسية هذه المرة.

وتمثل قضية “بريكست” القضية الأساسية التي تسلط الأحزاب البريطانية الضوء عليها في الحملات الانتخابية.
فمن ناحية، يأمل جونسون في استخدام هذه الورقة للفوز بالأغلبية البرلمانية لتنفيذ اتفاق “بريكست” الذي أبرمه مع الاتحاد الأوروبي. ويروج جونسون لفكرة أن هذا الاتفاق يسمح للبلاد باستعادة السيطرة على قوانينها وأموالها، كما أنه سيساعد في ضبط السياسات المتبعة حيال الهجرة، ويضع حدا لحرية تنقل الأشخاص من خلال تعزيز أنظمة المراقبة.

وقد شكَّلت مسألة الهجرة موضوعاً رئيسياً في استفتاء يونيو 2016، الذي اختار فيه 52% من الناخبين الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب الخشية من وصول أعداد كبيرة من المهاجرين، وهي مسألة صبّت في صالح المعسكر المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد.

في المقابل، أكد زعيم حزب العمال المعارض، جيريمي كوربن، أنه في حال وصوله إلى الحكم، فسيقوم بالتفاوض على اتفاق جديد للبريكست خلال الأشهر الثلاثة القادمة وتقديمه في استفتاء يمنح البريطانيين حرية الاختيار ما بين البقاء في الاتحاد الأوروبي أو بريكست باتفاق جديد.

وكشفت آخر استطلاعات الرأي تصدر حزب المحافظين المشهد الانتخابي بحصوله على 41% من الأصوات، بينما حل حزب العمال في المركز الثاني ليحصل على 29%، في الوقت الذي احتل فيه حزب الديموقراطيين الأحرار المركز الثالث بحصوله على 15%.

من ناحية أخرى، كشف استطلاع آخر للرأي تزايد إقبال الشباب على التصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، حيث أظهر الاستطلاع أن 73% من الأفراد من الفئة العمرية 18 إلى 24 عاماً سيصوتون لخيار البقاء في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بـ 62% ممّن تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 عاماً، و52% ممن تتراوح أعمارهم بين 35 و44 عاماً، وهو ما يعكس رفض فئة كبيرة من الشباب للبريكست وانعدام الرغبة في مغادرة الاتحاد الأوروبي.
وقال أحد الشباب المستطلعة آراؤهم “لم يكن ارتباطنا بأوروبا يوماً حادثاً أو خيانة، بل جزء لا يتجزّأ من قصة وطننا للمساهمة في مؤسسة تتخطى حدود التاريخ والقبليّة”

ومع الإقرار بوجود شريحة كبيرة من المواطنين الرافضة لعملية الانفصال والمؤيدة لخيار “استفتاء ثاني حول بريكست”، غير أن غالبية المراقبين يتوقعون فوز جونسون في السباق الانتخابي المقبل وتشكيله حكومة جديدة من المحافظين بالنظر إلى تزايد حالة الاستياء الشعبي من طول الفترة التي استغرقتها المفاوضات، ورغبتهم في إتمام عملية الخروج وتجنيب بلادهم مزيد من المعاناة والأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي قد تلحق بها في حالة استمرار الوضع الحالي.

وتبقى جميع السيناريوهات مفتوحة في بريطانيا خاصة فيما يتعلق بتشكيل حكومة محافظين تحظى بالأغلبية البرلمانية التي تمكنها من تمرير الاتفاق أو حكومة أقلية قد تفتح المجال لجولات جديدة من المفاوضات، وهو ما قد يزيد المشهد تعقيدا خاصة في ظل إعلان الجانب الأوروبي أن فترة التأجيل موعد الخروج إلى نهاية يناير القادم قد يكون الأخير، وهو ما يضع الجانب البريطاني أمام خيارات محدودة لإتمام عملية الخروج.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى