الانسان مسيَر ام مخيَر | بقلم د. آيات الحداد
نعيش طيلة حياتنا نتساءل: الإنسان مسيَر أم مخيًر؟! ويموت البعض منّا دون أن يعرف الإجابة ! والإنسان يسأل نفسه هذا السؤال ليُريح نفسه من عناء التفكير ويجد سبب لما يحدث له او باللغة العامية ليُعلق فشله على شماعة الظروف، فحينما يضيق الحال بالإنسان يبدأ بسؤال نفسه الإنسان مُسيَر ام مُخيَر؟! حتى يَشعُر بأن لا دخل لإرادته فيما يحدث وسوف يحدث!
ولكن عندما تم توجيه هذا السؤال لي وسؤال آخر شبيه لهذا السؤال، وهو ما يحدث لي قدر أم نصيب؟! والبعض يقول ايضًا الزواج نصيب والطلاق قرار، اللقاء نصيب والفراق قرار، وهكذا كانت إجابتي التي أحببت أن أنقلها للجميع لعلها تريح البعض ممن يسأل نفسه هذا السؤال.
كل شيء يحدث في هذه الحياة لسبب ما، قد نجهله في الوقت ذاته ولكن حتمًا سيعلمه البعض ولو بعد حين، وقال الله تعالى في سورة الكهف ” وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا”، إجابة هاذين السؤالين في القرآن الكريم ولكن البعض يجهل ذلك، فإجابة السؤال الأول الإنسان مسيًر ام مخيَر ؟ الإنسان مُسيّر ومُخيّر ايضًا بأسباب، بمعنى ان حتى الأمور التي الإنسان مُخيّر فيها جعل الله لها سببَا فمثلًا يوم ميلادك ومجيئك الى الدنيا، فالطفل لا حول ولا قوة له إلا بالله، جاء الى الدنيا مُسيّر ولكن في حقيقة الأمر جاء بسبب، الموت ايضًا مكتوب ولا دخل لإرادة الإنسان فيه والله سبحانه وتعالى قال: ” إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ”، ” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ “، فحينما يأتي الموت ينتهي الأختيار.
كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد:” مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ “، فهذه الأية كفيلة بأن يعيش الانسان في راحة تامة، راحة تجعله يعلم بأن كل شيء مكتوب ومقدر بقدر، فلا شيء في هذه الحياة يحدث عبثًا، فالكون كله في توازن وإن لم يحدث ذلك لحدث خلل وانهار الكون، فكل شيء مُقدر بقدر، ” قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا “، فمن يتمعن تلك الآية يعلم أن كلمة قدر هنا ليس القدر في الكم بل في الكيف، فكلمة قدر نتداولها بصفة مستمرة ولكن لا نعي معناها بحق، أستطيع أن ألخص معنى قدر في آية: ” ويدبر الأمر “، اما عن حيرة الجميع وتحميل نفسه فوق طاقتها عن ما اذا كان الزواج نصيب والطلاق قرار، واللقاء نصيب والفراق قرار، ففي حقيقة الأمر، كل شيء نصيب وقرار في نفس ذات الوقت، فحتى اللقاءات التي تحدث بالحياة ليست عبثية بل لسبب، فكل شخص دخل حياتك وخرج منها لسبب وليس صدفة اي ليس عبثًا بل بقدر، أستطيع أن أنهي مقالي بجملة واحدة تكفي لفهم ما أريد قوله بأن كل شيء في هذه الحياة يحدث لسبب وكما قال الله سبحانه وتعالى: ” أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا”، فلا أمر يحدث بهذه الحياة عبث بل لسبب وبقدر، وقوله تعالى: ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ “، ” وخلق كل شيء فقدره تقديراً”، صدق الله العظيم.
فنحن في الحقيقة مخيرون فيما نعلم مسيّرون فيما لا نعلم، فقضية الايمان في ذاتها أن الانسان في هذا الوجود بين أمرين: بين أسباب لابد أن يأخذ بها، وبين مسبب يجب أن لا ييأس منه أبدًا، فالجوارح تعمل ولكن القلوب تتوكل، الإنسان مُخير في حدود ما كُلف به ومُسير فيما عدا ذلك، فالله سبحانه وتعالى آياته كلها تُخير الانسان، فقال تعالى : ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى، من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها، إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كافورًا”.
فخيارنا مع الإيمان خيار وقت وليس خيار قبول أو رفض، فالإنسان مخير، وخياره في ملايين الموضوعات خيار قبول أو رفض، تعرض عليك تجارة فترفضها، أرباحها قليلة، ومتاعبها كثيرة، تعرض عليك فتاة لا ترضى أخلاقها، فترفض الزواج منها، تعرض عليك سفرة ترى المشقة عالية، والدخل قليل، فأنت مخير خيار قبول أو رفض، إلا أنه إذا عرض عليك الإيمان فأنت مخير خيار وقت، إما أن تؤمن الآن فتنتفع من إيمانك، أو أنك سوف تؤمن لكن لا تنتفع من إيمانك.