تقاريرعاجل

«الاستعلامات» : زيارة الرئيس لروسيا تجسيد للتطور الإيجابي على مكانة مصر الدولية

 

 

ذكرت الهيئة العامة للاستعلامات أن حصاد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لروسيا يؤكد أن هذه الزيارة أطلقت مرحلة جديدة وفصلًا أكثر تطورًا بين مصر كدولة كبرى في منطقتها وأمتها وقارتها، وروسيا الدولة العظمى التى تتعاظم مكانتها ويتعزز دورها فى السياسة والاقتصاد العالميين.

وأشارت الهيئة إلى كلمة الرئيس السيسي فى المؤتمر الصحفى مع الرئيس الروسى فيلاديمير بوتين فى مدينة سوتشى الروسية، حيث لخص الرئيس عبدالفتاح السيسى جانبًا من نتائج زيارته التاريخية بالغة الأهمية إلى روسيا بالقول “إن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع روسيا ستكتب فصلًا جديدًا على درب التعاون بين البلدين وستفتح آفاقًا ممتدة، للارتقاء بمستوى علاقاتنا الثنائية، وشراكتنا الاستراتيجية”.

ويقول تحليل سياسى أعدته الهيئة العامة للاستعلامات عن حصاد زيارة الرئيس السيسى إلى روسيا والتى استمرت ثلاثة أيام من 15 – 17 أكتوبر الجارى، إن هذه الزيارة تختلف فى وقائعها ودلالاتها ونتائجها عن الزيارات السابقة للرئيس السيسى على مدى الأعوام الأربعة الماضية، لسبب جوهرى، وهو أنها كانت بمثابة حصاد لمجمل ما حققته هذه الزيارات، وتتويج لتطورات إيجابية هائلة وخطوات كبيرة تحققت فى مسيرة العلاقات المصرية الروسية منذ عام 2014، كما أنها تعبير عما طرأ من تطورات إيجابية ملموسة على مكانة مصر الإقليمية والدولية، ومدى الثقة فيها وفى دورها وأهميتها وقيادتها، نتيجة ما حققته من استقرار سياسى وأمنى، ومن تطور وإصلاح وانطلاق اقتصادى، ومن دور إيجابى يتعاظم تأثيره وتتأكد حكمته فى مختلف القضايا على المستويات الإقليمية والدولية.

لفتات روسية ودية

رصد تقرير هيئة الاستعلامات عددًا من البوادر الإيجابية الودية من الجانب الروسى التى عبرت عن مدى الترحيب والتقدير الذى تحمله روسيا لمصر ولزعيمها، بدأت هذه اللمحات قبل أسبوع من الزيارة عندما استبق الرئيس الروسي الزيارة بالحديث عن حرصه على إهداء الرئيس السيسي بعضًا مما يفخر به من انتاج روسيا الزراعي خاصة التفاح الروسي في مناسبة زيارة بوتين لاحد المشروعات المتطورة في هذا المجال.

ثم كانت الدعوة الروسية للرئيس السيسي لإلقاء كلمة أمام مجلس الفيدرالية الروسي وهو الغرفة الأعلى للبرلمان هناك، كأول رئيس لدولة أجنبية يمنح هذه الفرصة.

ثم تعددت أشكال الود والضيافة رفيعة المستوى من الرئيس بوتن للرئيس السيسى فى مدينة سوتشى سواء فى الجولة المشتركة فى طرقات وعلى كورنيش المدينة، أو فى حلبة سباق السيارات، أو اصطحاب الرئيس الروسى للرئيس السيسى فى سيارته التى قادها بنفسه وعبر عن سعادته بشرح مزاياها، كمنتج روسى، لضيفه الكبير، كما كان الاهتمام السياسى والاعلامى الروسى فى أعلى درجاته طوال أيام الزيارة.

فى المقابل أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسى عن سعادته البالغة بلقائه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين بمنتجع سوتشى، وقالت الصفحة الرسمية للرئيس عبر مواقع التواصل الاجتماعى “سعادتى بالغة بلقاء صديقى الزعيم الروسى فلاديمير بوتين بمنتجع سوتشى الرائع، وتناقشنا فى عدة موضوعات هامة وتبادلنا الرؤى حول أبرز الملفات الدولية والإقليمية”.

كما أعرب الرئيس السيسي، خلال القمة، عن شكره العميق للرئيس الروسى بوتين على حفاوة الاستقبال، مؤكدا أن المباحثات تعكس روح التعاون والتنسيق بين البلدين، والممتدة إلى نحو 75 عامًا.
نقلة استراتيجية فى العلاقات

الصعيد السياسى والاستراتيجي

يقول تقرير هيئة الاستعلامات إن الزيارة سجلت تطورًا هائلًا على الصعيد السياسى والاستراتيجي  تمثل فى خطوات عديدة فى مقدمتها التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين مصر وروسيا والتي ستنقل علاقات البلدين الثنائية نقلة كبيرة خلال الفترة المقبلة، وهو مستوى متميز من العلاقات بين الدول يعكس عمق التفاهم المشترك والرغبة المتبادلة فى تعزيز هذه العلاقات إلى آفاق بعيدة.

فى الوقت نفسه كانت الزيارة فرصة لعرض السياسات والمواقف المصرية سواء بشأن العلاقات الثنائية أو الملفات الإقليمية على نحو ماعبر عنه الرئيس السيسى فى كلمته أمام المجلس الفيدرالى الروسى وفى المؤتمر الصحفى مع الرئيس بوتين.

وقد عبر الرئيسان عن مدى التفاهم السياسى بين البلدين طوال الزيارة، فأكد الرئيس الروسى أن العلاقات المصرية – الروسية تتمتع بقوة كبيرة، وأن الدولة الروسية احتفلت في أغسطس الماضى بمرور 75 عاما على بدء العلاقات وأكد الرئيس بوتين على “المستوي المتميز للعلاقات الثنائية، وما شهدته من دفعة قوية خلال الفترة الماضية، وخاصة مباحثات وزيري خارجية ودفاع روسيا ومصر بصيغة “2+2”.

من جانبه أكد الرئيس السيسى على “قوة العلاقات التاريخية الوثيقة التى تربط بين مصر وروسيا، معربًا عن بالغ سعادته، بالزخم الكبير الذى اكتسبته العلاقات المصرية الروسية، على مدار الأعوام الأربعة الماضية، والإنجازات التى تحققت فى مختلف المجالات”.

وفى كلمته أمام المجلس الفيدرالى الروسى أكد الرئيس السيسى على أن “العلاقات الوطيدة بين مصر وروسيا، التى نحتفل هذا العام بمرور خمسة وسبعين عامًا على تأسيسها، دائمًا ما تميزت بالعمق والخصوصية، وهو ما تجلى فى وقت الأزمات والشدائد، فقد كانت روسيا دائمًا، شعبًا وحكومةً، أول من قدم يد العون لمصر لاستعادة الأرض المحتلة، كما أن مصر لن تنسى مساهمة روسيا فى معركتها للبناء والتعمير، حينما ساعدتها على بناء السد العالى، وغيره من المشروعات الكبرى، خلال حقبة هامة من تاريخها الحديث”، مؤكدًا أن” هذه المواقف التاريخية الداعمة، ستظل دائمًا عالقة فى أذهان المصريين، وأن هذا الإرث القيم من التعاون المشترك، سيظل محل تقدير بالغ من الشعب المصرى”.

وشدد الرئيس السيسي خلال الكلمة على “أن الزخم الذى تشهده مختلف مجالات التعاون بين مصر وروسيا، على مدار السنوات الخمس الأخيرة، لهو خير دليل، على ما تنطوى عليه علاقات مصر وروسيا من عمق ورسوخ، وهو الأمر الذى انعكس في مستوى التنسيق والتشاور المستمر، بين المسئولين في البلدين، وفي إطلاق الحوار الاستراتيجي بينهما”.

وفى الإطار السياسى أيضًا، وبالإضافة إلى مباحثات الرئيس السيسى مع الرئيس الروسى فقد أجرى مباحثات مهمة أيضًا مع ثلاث من أبرز القيادات الروسية، حيث عقد الرئيس السيسي جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف في موسكو لبحث مشاريع اقتصادية مشتركة كبرى بين البلدين كما بحثا الحالة الراهنة والآفاق المستقبلية للتعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي مع التركيز على تنفيذ مشاريع مشتركة كبرى في قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة وغيرها.

وقال رئيس الوزراء الروسى ديميترى ميدفيديف إن مصر هى الشريك الرئيسى لروسيا فى الشرق الأوسط، مؤكدًا على عمق العلاقات بين البلدين، مشيرًا إلى أن حجم التبادل التجارى بين البلدين زاد هذا العام بمقدار الثلث عن العام الماضى، مضيفًا أن البلدين يرتبطان بمشروعات كبيرة، معربًا عن أمله فى أن تؤدى زيارة الرئيس السيسي للمزيد من المشروعات والارتباط بين مصر وروسيا.

كما اجتمع الرئيس السيسى مع تيجران ساركسيان رئيس المفوضية الاقتصادية للاتحاد الأوراسي، الذي يضم في عضويته دول روسيا، وكازاخستان، وقرغيزستان، وأرمينيا، وبيلاروسيا، حيث بحث معه اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الأوراسى، وأشار الرئيس السيسي في بداية اللقاء إلى أهمية العلاقات التي تربط بين مصر ودول الاتحاد الأوراسي على المستوى السياسي والتاريخي والثقافي والاقتصادي، معربا عن تطلع مصر لتنمية وتطوير هذه العلاقات في مختلف المجالات، في ظل التوجه الاستراتيجي لدى مصر لتعزيز العلاقات مع دول الاتحاد الأوراسي بما يحقق المصلحة المشتركة للجانبين.

وأشاد الرئيس بمستوى التعاون بين مصر والاتحاد الأوراسي في ضوء قرب انعقاد الجولة الأولى للمفاوضات بين الجانبين للتوصل إلى اتفاق تجارة حرة، بما يُسهم في زيادة ومضاعفة معدلات التبادل التجاري وتنمية الاستثمارات المشتركة، وبما يحقق المصلحة المشتركة للجانبين، خاصة في ضوء تطوير البنية التحتية في مصر، لاسيما في مجالات الغاز والكهرباء والطاقة والموانئ وشبكة الطرق الحديثة، بالإضافة إلى ما توفره اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط بين مصر والدول العربية والإفريقية والأوروبية من أفضلية لنفاذ السلع المصدرة من مصر، الأمر الذي من شأنه توفير كافة سبل النجاح للاستثمارات الأجنبية.

من جانبه أعرب رئيس المفوضية الاقتصادية للاتحاد الأوراسي عن تقدير الاتحاد لمصر ولعلاقات التعاون البناء بين الجانبين، مشيرًا إلى حرص الاتحاد الأوراسي على تعزيز هذه العلاقات والانطلاق بها إلى آفاق أرحب، ومؤكدا الحرص على بدء المفاوضات مع مصر للتوصل لاتفاق تجارة حرة بين الجانبين، خاصة في ضوء ما يلمسونه من تقدم على صعيد نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، وكذلك ما تتمتع به مصر حاليًا من استقرار.

كما أوضح تيجران ساركسيان أن الاتحاد الأوراسي يهدف إلى تعزيز الروابط التجارية بين الدول الأعضاء به، وتعزيز حرية نقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأيدي العاملة، فضلًا عن تنسيق السياسات في مجالات التجارة والطاقة والصناعة والزراعة والنقل، وهو الأمر الذي ينعكس على القيمة المضافة للتعاون بين الاتحاد الأوراسي والدول الأخرى من خارجه.

وكان الرئيس السيسى قد اجتمع فى بداية الزيارة مع فالنتينا ماتفينكو رئيسة مجلس الفيدرالية الروسية وأكد أن السنوات الخمس الماضية شهدت تطورًا كبيرًا في مسيرة التعاون ودعم العلاقات في مختلف المجالات بين مصر وروسيا.

من جانبها أكدت رئيسة مجلس الفيدرالية الروسي، فى كلمتها أثناء تقديمها للرئيس السيسي قبيل إلقاء كلمته أمام المجلس، إن الرئيس السيسي شخصية سياسية مرموقة يتسم بالحكمة وبعد النظر، وأنه مخلص إخلاصًا كبيرًا لبلاده، مشيرة إلى أنه أمضى الجانب الأكبر من حياته العملية في القوات المسلحة.
الاقتصاد والطيران

الجانب الاقتصادى

يقول تقرير هيئة الاستعلامات إن الجانب الاقتصادى كان من بين أبرز جوانب زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لروسيا، حيث أكد البيان الرسمى أن مباحثات الرئيسين تناولت أهم ملفات العلاقات الثنائية ودفعها في إطار العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين مصر وروسيا، وتوسيع التعاون المشترك في مجالات الاقتصاد والتبادل التجاري والاستثمار والقطاع السياحي وتوطين الصناعة.

كما أشار الرئيس السيسى فى المؤتمر الصحفى إلى “مشروع التعاون الضخم بين البلدين، المتمثل فى اتفاقية إنشاء المحطة النووية فى الضبعة، وهو المشروع الذى يعد بدون شك، عنوانًا لنقلة نوعية فى مستوى التعاون بين البلدين، بالإضافة إلى مشروع المنطقة الصناعية الروسية فى شرق بورسعيد، الذى ينقل التعاون الاقتصادى بين البلدين، من مرحلة التبادل التجارى إلى مرحلة التعاون فى التصنيع، والذى أثق أنه سيفضى إلى طفرة حقيقية، فى حجم ونوعية الاستثمارات الروسية المباشرة فى مصر”.

من جانبه قال الرئيس بوتين إن الجانبين ناقشا بالتفصيل التعاون في مجال الطاقة، وخاصة مشروع بناء محطة الضبعة النووية بمصر، التي تبنيها شركة “روس آتوم” الروسية، وأشار الرئيس الروسي إلى أن اللقاء بحث فرص التعاون العسكري، وعن المنطقة الصناعية الروسية في منطقة قناة السويس، وقال إنه في إطار المشروع سيتم ضخ استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، وستؤمن المنطقة قرابة 35 ألف فرصة عمل جديدة.

وعلى صعيد التجارة بين البلدين، قال بوتين إن التبادل التجاري شهد زخما بين البلدين خلال الفترة الماضية، فقد رتفع خلال العام الماضي بأكثر من 60%، وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري بنسبة 28%.

وكان لقاء الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء الروسى ديمتري ميدفيديف قد تناول عددًا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما شهد تباحثًا حول عدد من ملفات التعاون الثنائي، خاصة في المجالات الثقافية والسياحية وتوطين الصناعات والتعاون في مجال السكك الحديدية والطاقة وزيادة التبادل التجاري، حيث أوضح الرئيس أن الاستثمارات والصناعات الروسية لديها فرصة كبيرة حاليًا للتواجد في السوق المصري للاستفادة من البنية التحتية الحديثة في مصر وللنفاذ منها إلى الأسواق الأفريقية.

كما تمت مناقشة مسألة استئناف رحلات الطيران بين البلدين، حيث أشار بوتين إلى قرب استئناف رحلات الطيران من روسيا إلى شرم الشيخ والغردقة، ما يعد مؤشرًا إيجابيًا لقطاع السياحة المصري.
عام ثقافى مصرى روسي

قال الرئيس السيسى فى المؤتمر الصحفى، “تجدر الإشارة إلى اتفاقي مع الرئيس بوتين على إعلان عام 2020 عاما ثقافيا بين مصر وروسيا حيث نأمل أن يشهد هذا العام العديد من المناسبات الاحتفالية التي تعكس تواصل الثقافي والحضاري والفني بين البلدين والشعبين الصديقين”.

تعاون فى مكافحة الإرهاب

يقول تقرير هيئة الاستعلامات، إن مصر لديها تجربة ناجحة فى مكافحة الإرهاب خاصة فى السنوات الأربع الاخيرة، لذلك كان هناك اهتمام بالتعاون المشرك فى هذا الشأن خلال زيارة الرئيس لروسيا.

وأكد الرئيس السيسي إنه اتفق مع الرئيس “بوتين” على أهمية تعزيز تبادل المعلومات بين الأجهزة المختصة، اتصالًا بجهود التصدى للإرهاب، خاصةً فيما يتعلق بانتقال الإرهابيين، من مناطق عدم الاستقرار إلى دول أخرى، وارتكابهم لأعمال إرهابية فى تلك الدول، وأكدا كذلك، ضرورة منع الدول لمرور هؤلاء الإرهابيين عبر أراضيها، وتبادل المعلومات بشأنهم مع كافة الدول الأخرى، والمنظمات الدولية المعنية،

وأوضح  الرئيس السيسي أن انفتاح مصر للتعاون المكثف مع روسيا فى هذا المجال، باعتبار البلدين شريكين تقليديين، تجمعهما رؤية واضحة ومشتركة، إزاء هذا التحدى الخطير على استقرار المنطقة، 

وقام الرئيس السيسي باستعراض نتائج العملية الشاملة سيناء 2018، والنجاحات الفائقة التى حققتها، فى إطار جهود مصر فى مكافحة الإرهاب.

القضايا الإقليمية

على الصعيد الإقليمى، قالت هيئة الاستعلامات في تقريرها عن زيارة الرئيس السيسى لروسيا، إن مكانة وتأثير ودور كل من مصر وروسيا فى القضايا الإقليمية كان دافعًا لمزيد من التقارب والتفاهم المشترك بشأن قضايا منطقة الشرق الاوسط خاصة فى سوريا وليبيا والقضية الفلسطينية.

فبشأن القضية السورية، اتفق الرئيسان على أهمية مواصلة التشاور والتنسيق بين مصر وروسيا، حول هذا الملف الحيوى، والعمل على تفادى المزيد من التصعيد الميدانى فى سوريا، بالتوازى مع بحث سبل دعم الحل السياسى، وذلك من خلال تشجيع المبعوث الأممي، على إطلاق عمل لجنة صياغة الدستور فى أقرب فرصة، كخطوة مهمة، لتهيئة الظروف المناسبة لاستئناف المفاوضات السياسية، وصولًا إلى حل سياسى شامل، يُحقق الطموحات المشروعة للشعب السورى الشقيق، ويحافظ على وحدة الدولة السورية.. وسلامتها الإقليمية.

وقال الرئيس بوتين، إن المهمة الأساسية في سوريا خلال هذه المرحلة تتمثل في تشكيل اللجنة الدستورية وإعادة البناء، وأضاف: أن موسكو والقاهرة اتفقتا على تعزيز التنسيق الثنائي بشأن تحقيق التسوية السياسية في سوريا، واستطرد “أبلغنا زملاءنا بالخطوات التي اتخذتها روسيا لتسوية الوضع في سوريا.. قارنا مواقفنا بشأن هذه القضية واتفقنا على العمل سويا”.. وذكر أنه تم الاتفاق على “ضرورة إيلاء اهتمام خاص بالوضع في محافظة إدلب، حيث تراكم عدد كبير من المقاتلين في منطقة خفض التصعيد، وهناك خطر من انتشارهم إلى الدول المجاورة.. أطلعنا أصدقاءنا المصريين على ما يتضمنه أساس الاتفاقيات مع تركيا لحل هذه المشكلة”.

وبخصوص الأوضاع فى ليبيا، تطرقت المباحثات بين الرئيسين السيسي وبوتين، إلى مستجدات الأزمة على الصعيدين السياسى والأمنى، وتبادلا التقييم حول جميع الاتصالات والتحركات، التى تقوم بها مختلف الأطراف الفاعلة فى ليبيا.. حيث حَرِص الرئيس السيسي فى هذا الإطار، على إحاطة الرئيس بوتين برؤية مصر، إزاء الحل السياسى فى ليبيا، والجهود المبذولة من القاهرة، على صعيد توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لتمكينها من القيام بمهامها بفاعلية.

كما ناقش الرئيسان تداعيات الاشتباكات الأخيرة، التى شهدتها مدينة طرابلس، وما أظهرته من خطورة الاعتماد على الميليشيات فى توفير الأمن، الذى يجب أن يكون مهمة حصرية، للقوات الأمنية النظامية والجيش الوطنى، وأكدا أهمية التزام المجتمع الدولى، بالتنفيذ الكامل، لمبادرة المبعوث الأممى “غسان سلامة” للحل فى ليبيا، بجميع عناصرها، وما يتطلبه ذلك من تجنب الدخول فى مسارات موازية للحل، لن تُفضى إلا إلي إطالة الأزمة، وتوسيع هوة الخلاف فى الرؤى بين الأطراف المعنية، كونها لا تحظى بالضرورة بتوافق ليبى أو دولي.

كما تطرقت مباحثات الرئيس السيسى مع الرئيس بوتين الى القضية الفلسطينية، ولمس التقارب الكبير فى مواقف مصر وروسيا إزاء عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، لاسيما تأكيد الثوابت، المتمثلة فى ضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين، ووفقًا لحدود عام 1967 ولأحكام القانون الدولي.. ومبادرة السلام العربية”.

 

علاقات صلبة بين مصر وروسيا منذ 75 عامًا

توجت الزيارة الرسمية للرئيس عبدالفتاح السيسي إلى روسيا 75 عامًا من العلاقات المصرية الروسية، حيث لم تقف تلك الزيارة -التي حملت في توقيتها ومضمونها دلالات خاصة- عند مناقشة مجالات التعاون الثنائي، بل إن التوقيت الذي جاءت فيه والاحتفاء الروسي الرسمي والإعلامي بالزيارة وتفاعلات مباحثاتها مع الأحداث الإقليمية في فلسطين وسوريا وليبيا تعد كلها مؤشرات على كونها زيارة تتصف بقدر كبير من الأهمية؛ لمساهمتها في رسم معالم شراكة كاملة بين القاهرة وموسكو.

والتوقيت جاء مواكبًا لليوبيل الماسي للعلاقات بين البلدين، والذي شهد زخمًا تاريخيًا للمواقف الروسية تجاه مصر والمواقف المصرية تجاه روسيا، وجسدت بقوة سبعة عقود ونصف من العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ إقامتها في عام 1943، عندما دشنت أول سفارة لمصر في موسكو، وسفارة للاتحاد السوفييتي في القاهرة وقنصلية عامة في الإسكندرية، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الدولتان شريكتين على الصعيدين الثنائي والدولي.
وشهدت العلاقات بين البلدين تغيرات جذرية، وتغيرت فيها أولوياتهما على الصعيدين الخارجي والداخلي، وتمت الخطوة الأولى للتعاون المصري الروسي في أغسطس عام 1948 حين وقعت البلدان أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي، وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952، وبلغت ذروتها في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وقتما كان الرئيس جمال عبدالناصر على سدة الحكم، حيث ساعد آلاف الخبراء السوفييت في إنشاء المؤسسات الإنتاجية في مصر، وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينيات بأسلحة سوفيتية.

وتعد نتائج الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس لروسيا على مدى الأيام الثلاث الماضية إضافة جديدة حققها التطور في العلاقات الذي تعاظم بعد ثورة 30 يونيو، ويعد انفتاحها واتسامها بالحيوية والفاعلية المميزة لها رسالة للعالم بقدرة مصر على التحرك الدولي والإقليمي في شتى الاتجاهات، فما قدمه الروس من دعم مالي خلال بناء السد العالي، ودعم عسكري في انتصارات أكتوبر عام 73، وتطور العلاقات عبر السنوات الأخيرة يعكس تأكيد الجانبين وقناعتهما بضرورة استثمار عمق العلاقات الثنائية وتجذرها في 75 عامًا ماضية.

وفي هذا الإطار شهدت العلاقات الدبلوماسية منذ إقامتها ديناميكية وحيوية بتبادل الزيارات واللقاءات بين المسئولين والخبراء المصريين والسوفيت، ولم تتوقف سوى لفترة وجيزة في السبعينيات لتعود من جديد في الثمانينات، وتكتسب قوة دفع قوية وجديدة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي حتى باتت أكثر تميزًا في ظل الظروف الدولية الراهنة التي تتسم بعدم الاستقرار، حيث أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين مصر والاتحاد السوفيتي في عام 1943، فيما تمت الخطوة الأولى للتعاون الاقتصادي المصري الروسي في عام 1948 حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية بين الجانبين.

تحالف صلب في مواجهة القوى الاستعمارية

وكانت مصر في طليعة الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ‏عام 1991، وتطورت العلاقات السياسية بين الدولتين على المستويين الحكومي والبرلماني، فمن بناء السد العالي وإقامة المراجل البخارية وتشييد أفران الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم وشركات الكيماويات إلى المساعدة في بناء محطة الضبعة النووية وإنشاء أول منطقة صناعية روسية بمحور قناة السويس، ووصول حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا خلال العام الحالي إلى 1ر3 مليار دولار، وجمعيها شواهد تاريخية تؤكد عمق ومتانة العلاقات بين البلدين.

لقد شكلت العلاقات بين القاهرة وموسكو في خمسينيات وستينيات القرن العشرين تحالفًا صلبًا في مواجهة القوى الاستعمارية، حيث قبلت موسكو توريد السلاح لمصر مقابل القطن في عام 1955، وتوجيه قيادة موسكو الأوامر لسفن القمح للتوجه إلى ميناء الإسكندرية لمواجهة منع القمح الأمريكي عن مصر في عام 1964، وكذلك ربطت القاهرة بموسكو علاقات عسكرية تاريخية منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فقد كان للاتحاد السوفييتي الدور في إعادة بناء وتسليح القوات المسلحة المصرية في أعقاب حرب 1967، وفي حرب أكتوبر 1973 كان السلاح الروسي علامة فارقة عبر دور وسائل الدفاع الجوي الروسي وخاصة صواريخ سام 6 وسام 7 في مواجهة طائرات الفانتوم الأمريكية.

وشكلت العلاقات التاريخية والمؤثرات الثقافية عاملًا مهمًا في توطيد العلاقات المصرية الروسية، فمنذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر شهدت مصر لأول مرة نزوح من أحد رواد الثقافة العربية والإسلامية إلى روسيا، هو الشيخ محمد عياد الطنطاوي الذي بهره الأدب والثقافة الروسية ليكمل حياته هناك، وفي عصر محمد علي في ثلاثينات القرن التاسع عشر عندما اختار أربعة شباب من النابغين ليرسلهم في بعثة إلى سيبيريا كي يدرسوا علم التعدين هناك، وحاليًا تلعب بعض المؤسسات دورًا هامًا في توثيق العلاقات الثقافية بين البلدين، ومن بين تلك الأنشطة إقامة تمثال برونزي للشيخ محمد عياد في سان بطرسبورج، وتمثال لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في روسيا، إلى جانب إقامة العديد من الفاعليات الفنية والموسيقية والمعارض الفنية.

وهناك تعاون كبير بين وزارة الأوقاف المصرية وعدد من المؤسسات الدينية الهامة في روسيا، على رأسها مجلس شورى المفتين بروسيا الاتحادية ومقره موسكو والإدارة المركزية لمسلمي روسيا ومقرها مدينة “كازان” عاصمة إقليم “تتارستان”، ويقوم عدد من موفدي الوزارة بالتدريس بالمعاهد الدينية بروسيا، كما توفد الوزارة مبعوثًا أو أكثر إلى روسيا لإحياء شعائر شهر رمضان المعظم، ويحرص الجانبان المصري والروسي على المشاركة بالتبادل في مسابقات القرآن الكريم التي تنظم لدى كلا الطرفين.

وقام قداسة البابا تواضروس الثاني بإتمام زيارة إلى روسيا خلال عام 2014 لزيارة الكنيسة الروسية حظت بنجاح كبير في ضوء دورها لتعزيز العلاقات بين الكنيستين القبطية والأرثوذكسية الشرقية، كما حظت بترحيب كبير على المستويين الرسمي والشعبي الروسي.

وقد التقى قداسة البابا خلال الزيارة بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي أكد على العلاقات التاريخية بين الكنيستين، معربا عن تقديره لدور قداسة البابا والكنيسة في مصر والشرق الأوسط.

وفي مجال العلاقات الإعلامية فقد أعلنت الحكومة الروسية في عام 2015 عن افتتاح مكتب جديد لوكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء في القاهرة، وجاء ذلك تزامنًا مع الزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مصر 9 فبراير 2015.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى