الأتراك يحتفلون بذكرى الإنقلاب العسكري الفاشل
كان ذلك ذات مساء في صيف معتدل، ومع اقتراب عطلة نهاية الاسبوع، عندما بدأت طائرات عسكرية تقصف أهدافا في أنقرة وتوغلت دبابات عبر شوارع اسطنبول، فيما أطلقت القوات النار على مدنيين.
فقد شنت عناصر من الجيش التركي انقلابا ضد الرئيس رجب طيب أردوغان. كان ذلك قبل عام وتحديدا في 15 يوليو .2016
ومنذ ذلك الحين، شهدت تركيا تغييرات كبرى . فقد أصبح أردوغان أكثر قوة عن أي وقت مضى ويستخدم هو وحزبه “العدالة والتنمية” تلك الذكرى كاظهار لتلك السلطة.
وبدءا من أمس الأول الثلاثاء، تتواصل الاحتفالات بالذكرى السنوية في مختلف أنحاء البلاد ولمدة ستة أيام مقبلة.
هذه الاحتفالات ستبلغ أوجها بخطاب يلقيه أردوغان أمام البرلمان في أنقرة في وقت مبكر من صباح الاحد المقبل، بدءا على وجه التحديد من الساعة الثانية و32 دقيقة صباحا (2332 بتوقيت جرينتش السبت) وهي اللحظة التي قصف فيها مدبرو الانقلاب المبنى.
وستنطلق دعوة خاصة للصلاة من مآذن 90 ألف مسجد، مثلما حدث خلال ليلة محاولة الانقلاب، عندما كان المؤذنون يعلنون عن معارضتهم للمتآمرين.
وينظم حزب العدالة والتنمية ما يعرف بـ”حراس الديمقراطية” كما فعل قبل عام، عندما احتل هؤلاء المعارضون للانقلاب الميادين العامة، حتى لا يتركونها للانقلابيين .
ويعتقد أردوغان أنه يعرف تحديدا من كان وراء محاولة الانقلاب: وهو الداعية المسلم، فتح الله جولن، الذي كان من الحلفاء المقربين له حتى حدث انشقاق علني بينهما في 2013 .ويعيش جولن في المنفى بالولايات المتحدة.
وينفي جولن أي علاقة له بمحاولة الاطاحة برفيقه السابق. كما ثارت شكوك في الغرب حول مدى صدق هذه الرواية . فقد أثار رئيس جهاز المخابرات الالمانية، برونو كال غضبا في أنقرة، عندما صرح لمجلة “ديل شبيجل” أوائل هذا العام بأن مسؤولين أتراكا حاولوا إقناع ضباطه بتورط جولن، “لكنهم لم ينجحوا”.
ومازالت الكثير من التساؤلات تثار بشأن الاحداث التي وقعت العام الماضي. على سبيل المثال، لم يتضح الكثير منها بشأن موعد علم السلطات التركية بخطط تنظيم انقلاب.
وتصفه المعارضة بـ”انقلاب مسيطر عليه” زاعمة أن الحكومة سمحت للاستمرار فيه حتى النهاية، حتى يمكنها الاستفادة من الوضع.
وفي صباح اليوم التالي، وصف اردوغان الانقلاب الفاشل بأنه “هبة من الله”. وسرعان ما أعلن حالة الطوارئ، مما سمح له بالحكم بمراسيم قوانين.
ولا تزال عمليات التطهير التي أعقبت ذلك مستمرة دون هوادة ، مستهدفة ليس فقط هؤلاء الذين تورطوا بشكل مباشر وهؤلاء الذين لديهم صلة بجولن، لكن أيضا شملت معارضين آخرين للحكومة.ووجهت اتهامات بالتورط في الارهاب، غالبا تحت ظروف مشكوك فيها.
وتم وقف أكثر من مئة ألف موظف حكومي عن العمل، وحبس أكثر من 50 ألف شخص.
ويصف كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، اردوغان بأنه “ديكتاتور”، متهما إياه بسوء استغلال حالة الطوارئ لتنفيذ “انقلاب ثان، انقلاب مدني”.
وكتب كمال كليتشدار في صحيفة (جارديان) البريطانية “أصبح الظلم والتعسف والتمييز من الملامح المميزة لنظام حزب العدالة والتنمية”.
ومن بين هؤلاء المعتقلين أيضا صلاح الدين ديميرتاش، زعيم حزب “الشعوب الديمقراطي” الموالي للاكراد، إلى جانب العديد من الممثلين البرلمانيين.
وتضرر أيضا حزب “الشعب الجمهوري”، حيث حكم بالسجن مؤخرا على أحد ممثليه البرلمانيين وهو أنيس بربير أوغلو، 25 عاما بسبب إفشاء أسرار الدولة.
ودفع ذلك الحكم كليتشدار أوغلو لتنظيم ما تسمى بـ”مسيرة من أجل العدالة” من أنقرة إلى اسطنبول.
وانضم عشرات الالاف إلى المسيرة، على الرغم من ذلك أشارت الحكومة إلى أن الارهاب لا يزال يلقي بظلاله.
وفي ختام المسيرة ، يوم الاحد الماضي، حضر مئات الالاف الوقفة الاحتجاجية الحاشدة الأخيرة في اسطنبول لسماع مطالب كليتشدار لانهاء حالة الطوارئ وإطلاق سراح الممثلين البرلمانيين والصحفيين.
يذكر أن تركيا اعتقلت أكثر من 150 صحفيا، وهو ما يفوق عدد الصحفيين المعتقلين في أي دولة أخرى. ويتهم البعض بمحاولة اسقاط الدولة، ويواجه آخرون اتهامات بالارهاب.
ومنذ محاولة الانقلاب، حول استفتاء نظام الحكم في البلاد من نظام برلماني إلى رئاسي والذي ينظر إليه خصوم اردوغان بأنه خطوة أخرى نحو حكم الرجل الواحد.
ويبدو أن الرئيس محصن بشكل آمن أكثر من أي وقت مضى.
لكن تركيا باتت منقسمة بشكل نادر الحدوث من قبل .
وتدهورت العلاقات مع الاتحاد الاوروبي، ولاسيما ألمانيا، التي تضم أقلية تركية كبيرة.
فقد عرقلت الحكومة الالمانية محاولة اردوغان لتنظيم اجتماع حاشد، أثناء حضور قمة مجموعة العشرين في هامبورج الاسبوع الماضي، وهي خطوة غير مسبوقة بين الحليفين الرسميين داخل حلف شمال الاطلسي (ناتو).
كما اتخذت هولندا والنمسا خطوات مماثلة، حيث عرقلتا مؤتمرات جماهيرية بمناسبة الذكرى السنوية لمحاولة الانقلاب.
ودعا البرلمان الاوروبي الاسبوع الماضي إلى وقف مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي – المتعثرة بأي حال من الاحوال- بشكل رسمي.
وليس لدى أردوغان أي نية للسماح بذلك بأن يفسد جو الاحتفال ، حيث وجه دعوات للصحافة الاجنبية داعيا إياها بالمشاركة في “أحداث الذكرى السنوية” التي تمثل أهمية عظيمة للديمقراطية”.