تحقيقات و تقاريرتقاريرعاجل

استمرار مسلسل المعارك الثقافية ضد ترامب عقب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس

 

ما إن انتهت معركة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي اكتسبت أهمية استثنائية حتى بدأت حلقة جديدة في “مسلسل المعارك الثقافية الأمريكية التي تستهدف الرئيس دونالد ترامب” .

و”حالة العداء” التي تعبر عنها مواقف وتصريحات الكثير من الأدباء والفنانين الأمريكيين حيال إدارة الرئيس دونالد ترامب منذ نحو عامين مازالت مستمرة بل وتتصاعد وسط أجواء من التشاؤم حتى بعد إعلان نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

رواية جديدة للكاتب دون ديليلو تتحدث عن شخصية الرئيس ترامب

وها هو الكاتب الروائي والمسرحي الأمريكي دون ديليلو والذي يوصف بأنه “قضى نصف قرن من الزمان في تشريح أحلام أمريكا وكوابيسها” يبدي شعورا واضحا بالتشاؤم حيال المشهد الأمريكي الراهن فيما يعكف على رواية جديدة تدور حول شخصية الرئيس دونالد ترامب .

ودون ديليلو صاحب المعمار الروائي الخلاب والذي يتفق نقاد الأدب في الغرب على انه احد افضل من استشرفوا المستقبل الأمريكي في أعمال إبداعية يقول انه “ليس على ثقة ابدا بأن أمريكا قد استعادت عافيتها”.

وفي مقابلة صحفية نادرة مؤخرا مع جريدة الجارديان البريطانية يضيف ديليلو صاحب روايات “نقطة النهاية” و”ضجة بيضاء” و”ليبرا” و”العالم السفلي” ومسرحيات مثل “فالباريسو” ونزيف أكاذيب الحب” التي تعرض حاليا في لندن أن الوقائع والحقائق على أرض الواقع باتت بالفعل اغرب من الخيال وكلها مثيرة للقلق.

وحالة التشاؤم الظاهرة في نبرة دون ديليلو امتدت لتشمل الناخبين الذين يمنحون أصواتهم لترامب فهذا الكاتب الأمريكي الكبير يتهم مواطنيه “بضعف الذاكرة حتى انهم ينسون بسرعة مذهلة الأخطاء الكبيرة والخطايا لادارة ترامب” على حد وصفه فيما قد تكون نتائج انتخابات التجديد النصفي الأخير للكونجرس قد حملت نوعا من الرد على هذه الاتهامات المغرقة في التشاؤم.

وإذا كان دون ديليلو الذي يقترب من عامه الـ 82 احد كبار المثقفين الأمريكيين المهمومين برصد التغيرات الثقافية فإن هناك حالة من الاتفاق العام في الصحافة الثقافية الغربية على انتخابات التجديد النصفي الأخيرة للكونجرس تكشف عن تغيرات ثقافية في المجتمع الأمريكي وفلسفته “الذرائعية البرجماتية” او “فلسفة النفع”.

محللين : ازمة في القدرة على التجدد داخل الحزب الجمهوري والديمقراطي

أشار بعض المحللين “لحالة انكشاف للحزبين الجمهوري والديمقراطي معا وازمة في القدرة على التجدد وإفراز قيادات جديدة وشابة بمقدورها ان تصل بثقة الناخبين الى موقع الرئاسة في البيت الأبيض” فيما رأى مبدع ومثقف امريكي كبير مثل دون ديليلو ان “الأمر قد يكون بحاجة لتحول هائل بما يتطلبه ذلك من جهد عظيم حتى تستعيد أمريكا توازنها ووعيها”.

وإن بدت نتائج انتخابات التجديد النصفي الأخيرة للكونجرس بسيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب مقابل استحواذ الجمهوريين على أغلبية في مجلس الشيوخ وأقرب لصيغة “لاغالب ولامغلوب” فان كل طرف يسعى للظهور كمنتصر.

وواقع الحال ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف نتائج هذه الانتخابات “بالنجاح الباهر” كان قد اعتبر انتخابات التجديد النصفي للكونجرس بمثابة استفتاء على شخصه وسياساته وقاد بنفسه حملات انتخابية لمرشحين للحزب الجمهوري مقابل حالة احتشاد مضاد من جانب المناوئين لشخصه وسياساته وفي مقدمتهم الرئيس السابق باراك أوباما الذي نشط في دعم الحملات الانتخابية لمرشحي الحزب الديمقراطي.

سخرية من تغريدات وخطابات دونالد ترامب

تغريدات دونالد ترامب على موقع التدوينات القصيرة تويتر” فضلا عن خطاباته أثناء الحملات الانتخابية للتجديد النصفي للكونجرس ألهمت الشاعر الأمريكي روب سيرز قصيدة جديدة من النوع الساخر بعنوان :”الديمقراطيون الراديكاليون” وتعتمد كلها على مفردات ومصطلحات استخدمها الرئيس الأمريكي في هذه التغريدات والخطابات التي يرى هذا الشاعر أنها تعمق من حدة الانقسامات في مجتمع يعاني بما يكفي من الانقسامات.

وعلى منوال السخرية أيضا من مفردات دونالد ترامب وخطاباته في الحملات الانتخابية الأخيرة لمرشحي الحزب الجمهوري كتب كريستوفر بينفي وهو أستاذ جامعي في اللغة الإنجليزية بكلية “ماونت هوليوك” طرحا في دورية “نيويورك ريفيو” ذات المضمون الثقافي الرفيع المستوى يحمل تنويعات ساخرة تدور حول “اسم ترامب ومشتقات الترامبية”.

كما نشرت هذه الدورية الثقافية الأمريكية رسالة مفتوحة تندد بإقامة معسكرات لأطفال مفصولين عن عائلاتهم من المهاجرين للولايات المتحدة فيما وصفت “بمعسكرات اعتقال” ووقع على هذه الرسالة مثقفون من مشاهير الكتاب والأدباء على مستوى العالم ومن بينهم الكندية مارجريت اتوود والايرلندي كولم تويبين والبريطاني الجنسية والهندي الأصل سلمان رشدي والبرتو مانجويل الأرجنتيني الأصل والكندي الجنسية البرتو مانجويل .
ولا ريب أن المواقف الترامبية المتشددة حيال المهاجرين وأغلبهم من العالم الثالث قد حولت هذه القضية لمسألة انتخابية أمريكية ذات أولوية واضحة وتثير انقسامات بين الأمريكيين بقدر ماهي مسألة تهم العالم الثالث بشدة وتتصل في مشاهدها البائسة بهموم متعددة لقطاعات واسعة من سكان الكوكب الأرضي وبالتالي فهي موضع اهتمام الكثير من المثقفين والأدباء والمفكرين حول العالم كما تبدى في الرسالة التي نشرتها دورية نيويورك ريفيو.

 

خصومه واضحة بين ترامب و عناصر الجماعة الثقافية

رغم حالة التشاؤم الظاهرة في توجهات مثقفين أمريكيين مثل دون ديليلو فإن سيطرة الحزب الديمقراطي بأغلبية مريحة على مجلس النواب-خلافا لما كان يتمناه ترامب وعمل على احباطه-تعني تغييرا في المشهد السياسي الأمريكي وتحديات “تضع قيودا قاسية على حركة الرئيس دونالد ترامب واجندته وسياساته” وبالقدر ذاته فانها يمكن ان “تعزز آليات الرقابة والتوازن في النظام السياسي الأمريكي شريطة عدم الانزلاق لمستنقع المكايدات التي بمكن ان تصيب البلاد بالشلل”.

ولعل السؤال الكبير الذي أفرزه معترك التجديد النصفي الأخير للكونجرس يتعلق بمدى تمتع الرئيس دونالد ترامب بفرص حقيقية للفوز مجددا في انتخابات الرئاسة المقبلة بعد عامين “حال استمرار الخصومة الواضحة بين ترامب والكثير من عناصر الجماعة الثقافية والصحفية والإعلامية في بلاده وهي عناصر لايمكن الاستهانة بقدراتها في التأثير على الرأي العام ومزاجه الانتخابي”.

ومع ان الرئيس دونالد ترامب حقق في العامين الأخيرين نتائج إيجابية على الصعيد الاقتصادي لا يمكن لأي منصف ان يتجاهلها فانه لايمكن أيضا لأي محلل حصيف ان يتجاهل نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي تظهر أيضا ان الناخب الأمريكي لم ينطلق في التصويت من الاعتبارات الاقتصادية وحدها وإلا لما حصل مرشحو الحزب الديمقراطي على أصوات تزيد بأكثر من تسعة ملايين صوت عما حصل عليه مرشحو الحزب الجمهوري.

ورغم ظواهر ايجابية أفرزتها انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وهي جديرة بقراءة معمقة مثل فوز مرشحتين للحزب الديمقراطي من أصول عربية ومسلمة وهما رشيدة طليب الفلسطينية الأصل والهان عمر الصومالية الأصل ضمن عدد قياسي للنساء في الكونجرس الجديد فان “التساؤلات القلقة حول مستقبل الديمقراطية” مازالت تتردد في كثير من المنابر الثقافية الأمريكية.

البعد الثقافي يتجلى بوضوح في قلب المعركة الانتخابية

واقع الحال ان مستقبل الديمقراطية بات يشكل عنوانا رئيسا لاهتمامات مثقفين بارزين حول العالم ككل فيما يرى البعض ان الديمقراطية الغربية التي تنحصر في المجال السياسي لاتمثل “النموذج الأمثل للديمقراطية”.
كما ان النظرة المعمقة للمشهد الأمريكي بعد انتخابات التجديد النصفي الأخيرة للكونجرس لا يمكن أن تتناسى مشاعر الصدمة والمرارة بين الكثير من المثقفين الأمريكيين حيال نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ نحو عامين.

وكان البعد الثقافي قد تجلى بوضوح في قلب المعركة الانتخابية حينئذ بين مرشح الحزب الجمهوري الملياردير اليميني دونالد ترامب الذي بات رئيسا منتخبا ومرشحة الحزب الديمقراطي الخاسرة هيلاري كلينتون التي حظيت بدعم ومؤازرة غالبية المنابر والدوائر الثقافية في الولايات المتحدة.

وبعد انقشاع دخان تلك المعركة الانتخابية عبر مثقف امريكي كبير هو بول كروجمان الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008 عن مشاعر العديد من المثقفين في بلاده ووصف فوز ترامب “بالصدمة المروعة”!.

الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة تشكل احراجًا للمثقفين

لا ريب أن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة منذ نحو عامين شكلت احراجا كبيرا لهؤلاء القائمين على استطلاعات الرأي العام فضلا عن الكثير من وسائل الإعلام والمنابر الثقافية التي بدت كلها منحازة إلى حد كبير لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.

ومع ذلك فإن البروفيسور بول كروجمان المنتمي لليسار الثقافي بالمعنى الليبرالي الأمريكي سعى “بتنظير ثقافي” للتخفيف من حدة الشعور بالحرج والمرارة حيال نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليقول:”علينا ان نتذكر ان الانتخابات تقرر من يستحوذ على السلطة وليس من يقدم الحقيقة” ، فيما وصف الحملة الانتخابية لترامب بأنها “كانت غير مسبوقة” من حيث عدم الأمانة والمخاتلة والكذب.

وبدا النوبلي الأمريكي كروجمان “ممرورا بشدة” حيال فوز ترامب الممثل لليمين المتشدد في الانتخابات الرئاسية لحد تحذيره من “غواية الاستسلام لوهم ان اليمين المتشدد يمكن ان يمتلك رؤية للعالم تنطوي على شييء من الحقيقة او بعض الصدق”.

ورأى كروجمان ان ادارة ترامب ستلحق اضرارا فادحة بالقوة الناعمة للثقافة الأمريكية وستكون بعيدة عن الاستقامة الثقافية سواء في الداخل او على مستوى العالم فيما ابدى شكوكا حيال “كفاءة قنوات الخطاب الثقافي التي من المفترض انها تغير العقول ومن ثم تغير من يصل للسلطة” وهي القنوات التي يصفها “بالقنوات التاريخية للاصلاح والخطاب والكتابة”.

مؤيدي ترامب : أعداء الرئيس الأمريكي يمارسون الكراهية ويبثون البغضاء

في المقابل فان جلين بيك المنظر او “العراب” البارز للخطاب اليميني الشعبوي الأمريكي الذي يبدو الرئيس المنتخب دونالد ترامب متأثرا به بدا للمفارقة أكثر اعتدالا بعد إعلان نتائج الانتخابات وإن قال بلهجة لا تخلو من شيء من التهكم للمعارضين للترامبية والذين يقولون إن طريقة حياتنا الآن في خطر :”لاتهاجروا إلى كندا”!
وفيما ذهب إلى انه لايتفق تماما مع مواقف دونالد ترامب بل ويعارض بعض توجهاته سلم جلين بيك بأن أمريكا تواجه متاعب والانقسامات تدب بسرعة والتصدعات تمضي بقوة في أوصال الأمة الأمريكية .

وأضاف الداعية الشعبوي جلين بيك ان مايعرف “بحزب الشاي” الذي يقع في اقصى اليمين ويعبر عن أفكاره الشعبوية “ولد من رحم الإحباط والبطالة والإقصاء” واشتد عوده في ظل استمرار تلك الأجواء المثيرة لإحباط قطاعات واسعة من الأمريكيين.

وفي عبارات دالة على مدى “الاختلاف الثقافي حول التعريفات للمصطلحات والمفاهيم مثل مفهوم الكراهية وامكانية توظيفها حسب التوجهات المختلفة” ، يقول جلين بيك ان من يتهمون دونالد ترامب بأنه “متطرف أو هؤلاء الجهابذة الذين سخروا منه في وسائل الاعلام اثناء الحملات الانتخابية واتهموه بالعنصرية والتحامل على النساء” هم الذين يمارسون الكراهية ويبثون البغضاء.

وكان الكاتب اليكس شيفارد قد اعتبر في طرح بمجلة “نيو ريببليك” الأمريكية أن هناك علاقة وثيقة أقرب للتحالف بين مؤسسة التراث “هيرتيج” البحثية والرئيس الأمريكي فيما بات عدد كبير من الباحثين بمؤسسة التراث بمثابة فريق متنقل كالظل وراء ترامب.

ومؤسسة التراث تأسست عام 1973 كبيت للتفكير واكتسبت نفوذا كبيرا منذ وصول رونالد ريجان للبيت الأبيض في مطلع ثمانينيات القرن الماضي حيث عمل بكثير من افكارها وتوصياتها في مجالات متعددة بدءا من السياسات الضريبية وحتى السياسات الدفاعية.

ومن أهم الكتاب المعبرين عن افكار ادارة الرئيس دونالد ترامب الكاتب والاعلامي الأمريكي مايكل سافاج وهو صاحب كتاب :”حرب ترامب: معركته من اجل امريكا” الذي حظى باقبال كبير من القراء حتى احتل مكانته المتقدمة في قوائم اعلى مبيعات الكتب.

ونهض سافاج بدور كبير في حشد التأييد الشعبي لدونالد ترامب ابان معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة منذ نحو عامين في مواجهة آلة اعلامية معادية شملت شبكات تلفزيونية كبرى وصحفا شهيرة مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست.

ولم يتردد في كتابه في اتهام قوى هائلة وتكتلات عملاقة في الداخل الأمريكي بأنها تسعى حثيثا وبطرق شتى لإحباط مشروع ترامب الذي حظى بتأييد رجل الشارع في الانتخابات الرئاسية فيما استخدم تعبيرا طريفا ودالا في وصف بعض هذه القوى عندما نعتها “بالقوى الباطنية” داعيا لأن يكون صوت المواطن الأمريكي هو الصوت المسموع في الكونجرس .

واللافت-كما لاحظ بحق-بعض المعلقين على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس-انه بينما يتجه الحزب الديمقراطي لنزعة يسارية تبدو غريبة على الثقافة السياسية الأمريكية بل ووصف بعض مرشحي هذا الحزب في الانتخابات الأخيرة أنفسهم بأنهم “اشتراكيون” وهي كلمة كانت ممجوجة في السياقات الثقافية التاريخية الأمريكية ، فان الحزب الجمهوري يتجه في المقابل نحو أقصى اليمين ملامسا اتجاهات متطرفة في العداء السافر للمهاجرين وتعبر بجلاء عما يعرف “بالإسلاموفوبيا” أو الإرهاب من المسلمين.

واعتبر البعض ممن يقفون في مواقع اقرب لليسار ان انتخابات الثلاثاء الماضي للكونجرس كانت في سياق صراع أوسع واعمق “بين اليمين الشعبوي والقوى التقدمية” فيما رحب هذا الفريق بسيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب الأمريكي بأغلبية مريحة كدلالة من منظورهم على ان “القوى التقدمية ليست ولن تكون عرضة لهزيمة تاريخية نهائية أمام سطوة اليمين الشعبوي”.

وفيما تتواصل المعارك الثقافية الأمريكية ، تعكف مراكز البحوث والعقول حول العالم في دراسات حول انعكاسات نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس على القضايا المهمة عالميا وإقليميا في لحظات كونية قلقة بحق وعالم يبحث عن الشراع وسط الأمواج العميقة وعواصف المتغيرات العاتية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى