استراتيجية واشنطن لمواجهة النفوذ الصيني بأفريقيا في إطار حرب سياسية واقتصادية
تأتي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمواجهة تزايد النفوذ الصيني في أفريقيا، في إطار الحروب السياسية والاقتصادية بينهما، وتجسد تكريس النزعة الأمريكية التوسعية المصلحية في القارة الأفريقية، ولمنع تمتع بكين من الحصول على الموارد الطبيعية من الدول الأفريقية الغنية.
وتجسد الاستراتيجية الجديدة حالة التوتر التي شهدها العلاقات الصينية- الأمريكية، رغم الهدنة التجارية المؤقتة التي توصل إليها الرئيسان دونالد ترامب وشي جين بينج على هامش قمة العشرين في بوينس آيرس مؤخراً.
تشابك تاريخي
الاهتمام الصيني بإفريقيا ليس وليد اللحظة بل تاريخي، ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تركز اهتمام بكين على بناء جسور التضامن العقائدي مع البلدان النامية الأخرى لتعزيز الشيوعية الصينية، وعلى صد توسع النفوذ الغربي.
وفي أعقاب الحرب الباردة، تطورت الاهتمامات الصينية إلى مساع ذات صيغة برجماتية كالتجارة، والاستثمار، والطاقة.. وفي السنوات الأخيرة، أخذت بكين تنظر إلى القارة الإفريقية باعتبارها منطقة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة، وبدأت أمريكا تجد مع حلفائها وأصدقائها أن رؤيتها لقارة إفريقية مزدهرة تحكمها ديمقراطيات تحترم حقوق الإنسان، وحكم القانون، وتؤمن بحرية السوق، تواجه تحدياً عبر النفوذ الصيني المتزايد في إفريقيا.
يرجع المحللون تزايد نشاط الصين لتوسعة نفوذها في القارة الإفريقية من أجل تأمين إمداداتها من الموارد الطبيعية، ومن أجل مواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي الغربي، وتوسعة نفوذها على الصعيد العالمي في الوقت نفسه.
إذ ترتكز الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمواجهة نفوذ بكين على تعزيز علاقات واشنطن مع الدول الأفريقية، وخاصة منها تلك التي تعتبرها واشنطن معرضة للاختراق من جانب الصين وروسيا، إضافة إلى التصدي لمحاولات كوريا الشمالية وإيران تعزيز نفوذهما في القارة السمراء من خلال الدفع باستثمارات ومشروعات اقتصادية ومبيعات للأسلحة.
ولا شك أن الاستراتيجية الأمريكية في إفريقيا هي استراتيجية تتحكم فيها المصالح بدرجة أولى، لهذا فهي تدرك أن السيطرة على إفريقيا يعني ضمان المستقبل لتحريك اقتصادها، لهذا فهي تخطط لبرامج طموحة تحقق لها المصالح في ظل منافسة قوية من بكين.
ويتوقع خبراء ومحللون اقتصاديون أن تسعى إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهي تخطط لمواجهة تزايد الفوذ الصيني في أفريقيا، إلى تعزيز العلاقات مع كينيا، الحليف القديم للولايات المتحدة، ومواصلة الشراكات مع الصومال ومالي، واستبعد المحللون أن تشتمل الاستراتيجية على مطالب للكونجرس الأمريكي لتخصيص أموال ومساعدات جديدة للدول الأفريقية، وإنما استخدام الموارد الحالية بشكل أكثر فاعلية.
كانت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي صدرت في مايو 2010، تعمل من أجل تعزيز قيم الشراكة مع أفريقيا، والتي ترتكز على المسؤولية المشتركة والاحترام المتبادل، وتدعو إلى شراكة مع الدول الافريقية لأن اقتصاداتها تنمو بسرعة ومؤسساتها الديمقراطية تتطور، وفى 14 يونيو من عام 2012، وافق الرئيس باراك أوباما على توجيه سياسة تحدد رؤيته فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وعليه إنبثقت إستراتيجية أمريكية جديدة تجاه القارة الأفريقية ترتكز على الآتى: حماية الأمن القومى الأمريكى عبر حماية المصالح الأمريكية في أفريقيا (النفط ومصادر الطاقة) والتقليل من خطر تهديد الأمن الأمريكى في الداخل والخارج (عمليات مكافحة ما يسمى بالإرهاب).
وترتكز على دعم أسبقيات الولايات المتحدة في أفريقيا (الحكم الرشيد، التقدم الإقتصادى، فض النزاعات، دعم وتقوية برامج الصحة العامة، دعم الشركاء الأفارقة لرفع مستوى قدراتهم لمواجهة التحديات الإنتقالية)، ومحاربة شبكة تنظيم القاعدة والجريمة العابرة للحدود وتجارة المخدرات، وتأمين الملاحة البحرية ومحاربة عمليات القرصنة، ومساعدة الأقطار الأفريقية والمنظمات الإقليمية الأفريقية في بناء مننظومة قارية لعمليات حفظ السلام والإستجابة للكوارث، وتشجيع القوات العسكرية الأفريقية للعمل تحت مظلة السلطة المدنية، واحترم القانون، والمساهمة في استقرار الدولة.