اتفاق سلام تاريخي بين الولايات المتحدة وطالبان ينهى أطول حرب في تاريخ أمريكا
أخيرا وبعد جولات عديدة من المفاوضات الشاقة والصعبة ،التي استمرت على مدى عام ونصف العام بين الجانبين ، وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية اتفاق سلام ، ينهى أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة والتي امتدت لنحو عقدين من الزمان، وذلك منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2002، والذي أعقب هجمات الحادي من سبتمبر عام 2001.
ويمهد هذا الاتفاق الذي وقعه الجانبان في العاصمة القطرية الدوحة أمس /السبت/، لانسحاب تدريجي لجميع القوات الأمريكية والأجنبية من أفغانستان ،حيث ينص على الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) من أفغانستان، خلال 14 شهرًا.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي رحب بالاتفاق واعتبره أحد الإنجازات السياسية المهمة لإدارته الحالية، أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان سيبدأ «فورًا». كما يفتح هذا الاتفاق الطريق أمام مفاوضات بين الفرقاء الأفغان بهدف التوصل لتسوية سياسية تعيد الأمن والاستقرار إلى هذا البلد الذي دمرته حرب أهلية طاحنة.
ويتكون الاتفاق من ثلاثة أجزاء ، الأول يتحدث عن التزام الولايات المتحدة بسحب جميع قواتها وقوات حلفائها، بما في ذلك جميع الموظفين المدنيين غير الدبلوماسيين ومتعاقدي الأمن الخاص والمدربين والمستشارين وموظفي خدمات الدعم في غضون 14 شهرا من توقيع الاتفاق .
وحسب الاتفاق ستقوم الولايات المتحدة والتحالف الدولي في الأيام الـ135 الأولى من توقيع الاتفاق ،بخفض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 8600، وستكمل الولايات المتحدة وحلفاؤها والتحالف انسحاب جميع القوات الأجنبية المتبقية من أفغانستان خلال الأشهر التسعة والنصف المتبقية، وستسحب الولايات المتحدة وحلفاؤها والتحالف جميع قواتهم من القواعد المتبقية.
وبمقتضى الاتفاق تلتزم الولايات المتحدة ،بالبدء فورا في العمل مع جميع الأطراف ذات الصلة على خطة للإفراج بسرعة عن المقاتلين والسجناء السياسيين كأحد إجراءات بناء الثقة بين هذه الأطراف .
وفي هذا الإطار سيتم إطلاق سراح قرابة خمسة آلاف سجين من طالبان ونحو ألف سجين من جانب القوات الأمنية الحكومية الأفغانية بحلول 10 مارس الجاري ، وهو اليوم الأول من بدء المفاوضات الأفغانية، على أن يتم اطلاق سراح جميع السجناء الباقين على مدار الأشهر الثلاثة التالية.
وفي المقابل فإن الجزء الثاني من الاتفاق يتضمن التزامات حركة طالبان ، حيث ينص على أن الحركة ستتخذ الخطوات اللازمة لمنع أي جماعة أو فرد، بما في ذلك تنظيم القاعدة، من استخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها.وتتعهد طالبان بأن سجناءها ( الذين سيتم الافراج عنهم وفق الاتفاق ) سيلتزمون بالمسؤوليات المذكورة في هذا الاتفاق حتى لا يشكلوا تهديدا لأمن الولايات المتحدة وحلفائها ، وأن ترسل طالبان رسالة واضحة مفادها بأن أولئك الذين يشكلون تهديدا لأمن الولايات المتحدة وحلفائها ليس لهم مكان في أفغانستان.
كما يقضى الاتفاق بأن تمنع طالبان أي جماعات أو أفراد في أفغانستان من تهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، وستمنعهم من التجنيد والتدريب وجمع الأموال ولن تستضيفهم وفقا للالتزامات الواردة في هذه الاتفاقية.
أما الجزء الثالث من الاتفاق فينص على أن الولايات المتحدة ستطلب من مجلس الأمن الدولي الموافقة على الاتفاق وإقراره، وستسعى واشنطن وطالبان لإقامة علاقات إيجابية مع بعضهما ،ويتوقعان أن تكون العلاقات بين الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية الإسلامية الجديدة التي سيحددها الحوار الأفغاني والمفاوضات إيجابية ، كما ستسعى الولايات المتحدة إلى التعاون الاقتصادي لإعادة الإعمار مع الحكومة الأفغانية الجديدة التي سيحددها الحوار والمفاوضات بين الأفغان، ولن تتدخل في شؤونها الداخلية.
ويرى مراقبون ومحللون سياسيون أن توقيع الاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة ،وإن كان خطوة مهمة للغاية على طريق إحلال السلام والأمن في أفغانستان التي دمرتها حرب أهلية طاحنة، فإن المرحلة التي ستعقب الاتفاق تبدو هي الأصعب والأكثر تعقيدا ، إذ يتعين أن ينخرط الفرقاء الأفغان في حوار وطني – ينتظر أن يكون صعبا، بحثا عن قواسم مشتركة تفضي إلى مصالحة وطنية بهدف تشكيل حكومة وطنية جديدة تنهي الحرب الأهلية وتعيد الأمن والاستقرار إلى البلاد.
وحسب الاتفاق بين واشنطن وطالبان ، من المفترض أن تبدأ مفاوضات سلام مباشرة غير مسبوقة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية ،في 10 مارس ، وحسب مسوؤلين أمريكيين ،فإن أحد التحديات الرئيسية أمام مفاوضات السلام الأفغانية المنتظرة ، يتمثل في صعوبة تشكيل وفد موحد يجمع الحكومة الأفغانية والمعارضة والمجتمع المدني، في ظل الخلافات القائمة حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وفيما بدا محاولة من جانب واشنطن لتشجيع طالبان على الدخول فى مفاوضات مع الحكومة الأفغانية الحالية ، تضمن الاتفاق الموقع بين الجانبين حزمة من المحفزات والاجراءات التي من شأنها تعزيز أجواء الثقة قبل بدء المفاوضات بين الأطراف الأفغانية، حيث تتعهد الولايات المتحدة – حسب الاتفاق- ببدء مراجعة قائمة العقوبات الحالية التي تستهدف قادة «طالبان» وأعضاء الحركة، بهدف رفع هذه الإجراءات بحلول 27 أغسطس 2020، وأعلنت واشنطن أنها ستبدأ كذلك بالتواصل دبلوماسيًا مع أعضاء مجلس الأمن الدولي وحكومة كابول لشطب طالبان من قوائم العقوبات.
كما تتعهد واشنطن بالتعاون اقتصاديًا مع الحكومة الجديدة التي ستفرزها المحادثات بين الأطراف الأفغانية، لإعادة إعمار أفغانستان ، كما ستعمل واشنطن على خطة مع كل الأطراف المعنية في النزاع الأفغاني، للإفراج عن السجناء السياسيين والمقاتلين، والتوصل إلى هدنة دائمة.
ويشكل التقدم في المفاوضات المرتقبة بين حكومة كابل وحركة طالبان نحو التوصل لحل سياسي في أفغانستان، أحد الشروط التي تضمنها الاتفاق للانسحاب الأمريكي من البلاد .وقد سعت واشنطن من خلال ذلك لطمأنة الحكومة الأفغانية فيما يخص التزام أمريكا تجاه الوضع في أفغانستان.
وفي هذا الإطار، وبالتزامن مع توقيع اتفاق السلام مع طالبان ، قام وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر بزيارة لافتة إلى كابل حيث التقى مع الرئيس الأفغاني أشرف غني،ووصف الاتفاق مع طالبان بأنه مجرد بداية وأن الطريق لن يكون سهلًا.
وأكد أسبر أن تحقيق السلام الدائم في أفغانستان يتطلب الصبر والتنازل من جميع الأطراف، وقال : “إذا التزمت طالبان بالاتفاق،فإن الولايات المتحدة ستبدأ تقليصًا مشروطًا للقوات”، مؤكدا أنه إذا لم تف الحركة بالتزاماتها، فإن واشنطن لن تترد في إلغاء الاتفاق ، كما أن الولايات المتحدة والشركاء الدوليين سيواصلون تزويد قوات الأمن الأفغانية بالدعم اللازم.
وتعيش أفغانستان منذ الغزو الأمريكي لها عام 2001، حربا دامية بين مقاتلي طالبان من ناحية ، والقوات الحكومية الأفغانية وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من ناحية أخرى والتى خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى من العسكريين والمدنيين الأفغان والأمريكيين.