إيران أمام اختبار صعب في مواجهة العقوبات الأمريكية الأشد صرامة في التاريخ
دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من اليوم الاثنين الحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران ، والتي توصف بأنها الأشد صرامة في تاريخ الولايات المتحدة ضد طهران ، وتستهدف العقوبات هذه المرة قطاع النفط والطاقة الإيراني بشكل خاص بصورة قد تشكل ضربة موجعة للقطاع الذي يشكل مصدر الدخل الرئيسي لإيران.
ووفقا لهذه العقوبات سيتم وضع أسماء أكثر من 700 فرد وكيان وسفن وطائرات على قائمة العقوبات، بما في ذلك البنوك الكبرى ومصدري النفط الإيراني والشركات الشحن العاملة في هذا القطاع .
وتطرح هذه العقوبات تساؤلات حول انعكاساتها المحتملة على الاقتصاد الإيراني ، وتضع هذه العقوبات الاقتصاد الإيراني، الذي يعاني أصلا من أزمات البطالة وارتفاع معدلات التضخم وتدني سعر العملة الوطنية ، أمام اختبار مؤلم لمدى قدرته على الصمود في وجهها .
ويتوقع ألا يقتصر تأثير هذه العقوبات على إيران وحدها بل سيشمل دولا أخرى، حيث أعلنت واشنطن أنها ستفرض عقوبات على الدول، التي لا تلتزم بقرارها وتواصل تبادل التجارة مع إيران.
وتشمل الحزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية شركات تشغيل الموانئ الإيرانية، وقطاعات الشحن وبناء السفن، بما في ذلك خطوط الشحن الإيرانية ، كما تشمل المعاملات المتعلقة بالبترول مع شركات النفط الإيرانية الوطنية وشركة نفط إيران للتبادل التجاري، وشركة الناقلات الإيرانية الوطنية، بما في ذلك شراء النفط والمنتجات النفطية أوالمنتجات البتروكيماوية من إيران.
وتتضمن هذه الحزمة فرض عقوبات ضد الشركات، التي تدير الموانئ الإيرانية، إلى جانب الشركات العاملة في الشحن البحري وصناعة السفن، وفرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني وتعاملاته المالية، وسحب التفويض الممنوح للكيانات الأجنبية المملوكة أو التي تسيطر عليها للولايات المتحدة، من أجل إنهاء بعض الأنشطة مع الحكومة الإيرانية أو الأشخاص الخاضعين لولاية الحكومة الإيرانية.
وتشمل العقوبات الجديدة معاقبة الدول الأخرى التي تستورد النفط الإيراني ، لكن واشنطن استثنت من ذلك ثماني دول من حلفاء الولايات المتحدة ، بالاستمرار في استيراد النفط الإيراني، وتضم هذه الدول ، حسبما ذكرت تقارير صحفية، إيطاليا، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتركيا، والصين.
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الدول الثماني حققت بالفعل “انخفاضا كبيرا في وارداتها من النفط الخام” الإيراني، لكنها بحاجة إلى “المزيد من التخفيض للوصول إلى الصفر”.
ومن المنتظر أن تطال تأثيرات العقوبات الأمريكية شركات النفط الأوروبية على وجه الخصوص التي عادت بقوة إلى إيران عقب توقيع الاتفاق النووي ، فقد وقعت شركة “توتال” الفرنسية عقدا بقيمة خمسة مليارات دولار مع إيران بعد الاتفاق النووي، كما أن لدى شركة “بريتش بتروليم” شراكة مع الشركة الحكومية الإيرانية للتنقيب في حقل روم الإيراني للغاز.
وبينما تتهم طهران الولايات المتحدة بالسعي لإسقاط النظام في إيران من خلال هذه العقوبات ، تقول واشنطن إنها تستهدف تغيير سلوك النظام الإيراني ، ووقف ما تصفها بـ” الأنشطة الشريرة” لإيران، مثل الهجمات الإلكترونية، واختبارات الصواريخ النووية، ودعم الجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة في الشرق الأوسط.
وعشية تطبيق العقوبات قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو إن طهران أنفقت مليارات الدولارات لدعم الإرهاب في المنطقة، مضيفا ” نعمل بجد من أجل ضمان أننا ندعم الشعب الإيراني، ونوجه أنشطتنا تجاه ضمان تغيير السلوك الشرير للجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
وحدد بومبيو 12 طلبا على إيران الاستجابة لها من أجل رفع العقوبات،على رأسها إنهاء دعم “الإرهاب ” ووقف التدخل العسكري في سوريا، فضلا عن وقف تطوير الصواريخ النووية والبالستية بشكل كامل.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في شهر مايو الماضي انسحاب واشنطن المنفرد من الاتفاق النووي الذي وقعته الولايات المتحدة والدول الكبرى مع إيران،وقرر إعادة فرض العقوبات على طهران ،وفقا لهذا الاتفاق وافقت إيران على تقليص نشاطاتها النووية مقابل تخفيف العقوبات الدولية عنها ،لكن ترامب قال “إن الاتفاق فشل وقف كل نشاطات إيران النووية ولم يعرقل برنامجها للصواريخ البالستية أو نشاطاتها الإرهابية”.
وفي السادس من شهر أغسطس الماضي أعلنت واشنطن بدء تطبيق الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية ضد إيران والتي قطاع السيارات الإيراني والقطاع المصرفي، بما في ذلك التعامل مع الريال الإيراني والسندات الإيرانية ،وشملت العقوبات أيضا بيع وشراء الحديد والصلب والألمونيوم، وسحب تراخيص صفقات الطائرات التجارية، وكذلك معاقبة القطاع الصناعي الإيراني عموما، بما في ذلك قطاع السجاد الإيراني.
وشملت المرحلة الأولى حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، إضافة لحظر التعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة، ولاسيما الذهب، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات، التي تتعامل بالريال الإيراني أو سندات حكومية إيرانية، فضلا عن حظر توريد أو شراء قائمة من المعادن الإيرانية أبرزها الألومنيوم والحديد والصلب، والسجاد.
وعشية تطبيق الحزمة الجديدة من العقوبات شهدت العديد من المدن الإيرانية مسيرات ومظاهرات حاشدة للتنديد بهذه العقوبات ، ووفقا لوسائل الإعلام الإيرانية فإن مئات الآلاف من الإيرانيين خرجوا للمشاركة في مسيرات رددوا خلالها الهتافات المعادية للولايات المتحدة وأحرقوا الأعلام الأمريكية وصورا للرئيس الأمريكي.
وكان لافتا تزامن بدء تطبيق العقوبات الأمريكية الجديدة ضد إيران مع الذكرى 39 لاستيلاء إيرانيين على مقر السفارة الأمريكية في طهران أثناء الثورة الإسلامية، حيث اقتحم طلاب من التيار المحافظ السفارة في الرابع من نوفمبر 1979، عقب سقوط نظام الشاه الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة، واحتجزوا 52 أمريكيا كرهائن لمدة 444 يوما.
وقد اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني الولايات المتحدة بأنها تسعى لتغيير نظام الحكم في بلاده باستخدام الحرب النفسية والاقتصادية ، وبينما قال قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري إن إيران ستقاوم العقوبات الاقتصادية الأمريكية على قطاعها النفطي وستتغلب عليها، استبعد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “بهرام قاسمي” أن تحقق أمريكا أهدافها من خلال هذه العقوبات .
وتراهن طهران إيران التي شهت تغييرا لوزراء المجموعة الاقتصادية بالحكومة الإيرانية قبل أيام من سريان العقوبات الأمريكية ، على الموقف الأوروبي والصيني، للتغلب على هذه العقوبات، إذ اعتبر الرئيس الإيراني أن واشنطن تبدو معزولة في قرارها المنفرد بفرض عقوبات على بلاده، حيث لم يحظ هذا القرار بتأييد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا .
وكانت كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين ، وجميعها لا تزال متمسكة بالاتفاق النووي مع إيران ، قد انتقدت الانسحاب الأمريكي المنفرد من الاتفاق ، كما اعترضت على العقوبات الأمريكية .
وعلى صعيد الموقف الأوروبي تعهدت بريطانيا وألمانيا وفرنسا بدعم الشركات الأوربية، التي تقوم بأعمال أو أنشطة تجارية شرعية مع إيران، وأسست الدول الثلاث آلية بديلة لدفع الأموال، ستساعد تلك الشركات على التجارة، دون مواجهة العقوبات الأمريكية، لكن وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، حذر من أن واشنطن ستستهدف “بقوة” أي شركة أو منظمة “تتحايل على عقوباتنا”، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول قدرة دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على مواصلة علاقاتها التجارية مع إيران.
وبعيدا عن الرهان على موقف هذه الدول ،لا يبدو أمام إيران خيارات كثيرة في مواجهة العقوبات الأمريكية القاسية ، فيما يتساءل مراقبون عما إذا كانت طهران التي صمدت لعقود طويلة أمام العقوبات الدولية في الماضي ، تستطيع الصمود هذه المرة أيضا ، أم أن الأوضاع قد تغيرت ؟