آراءشويّة دردشة

إلا مصر .. يا إبنتي العزيزة| بقلم د. منال متولي

إتصلت بي إبنتي الحبيبة و الموجودة حاليا بمنحة دراسية بإحدي الدول الأوروبية، المنكوبة بمرض الساعة و المٌسمي بـ الكورونا ( Covid–19 )، إتصلت و هي مذعورة و قلقة بتلك الإجراءات الصارمة و الغير مسبوقة التي تتخذها تلك الدولة الأوروبية كمثيلاتها من كافة الدول المنكوبة في العالم لمجابهة الأثار السلبية و المدمرة المتوقعة لذلك الفيروس اللعين من حصاد للأرواح و تدمير لإقتصاديات تلك الدول، قائلة لي إنني أشعر كغيري ممن يعيشون هنا و كأنها نهاية للعالم.

ثم إستطردت الحديث مستفسرة عن حقيقة ما يقٌال في وسائل التواصل الإجتماعي من مصادر مشبوهة و مموهة من دول معروفة بعينها عن تعرض مصرنا الحبيبة لأزمتين عاصفتين قد تودي بها إلي موارد المهالك و تقضي علي الأخضر و اليابس أولي تلك الأزمتين هي أرتفاع غير مسبوق لمعدلات الإصابة بتلك الفيروس اللعين و ثانيهما عن مصير نهر النيل جراء تعنت أشقائنا في دولة أثيوبيا ( ومآ ورائها ) في التوقيع علي المعاهدات الدولية التي أتفقت عليها الثلاث دول المعنية بها، الأمر الذي قد يهدد أساسا وجود دولتنا العزيزة بإنقضاء مقومات الحياه الشاملة علي أرضها و التي أساسها نهر النيل.

فما كان مني إلا أن أطمأنتها قائلة لها: إطمئني يا إبنتي العزيزة فإن الله لا يتخلي عن تلك الأرض الطاهرة التي شَرٌفَ ثراها بتجليه جل وعلا عليه، وآوت بين ربوعها جٌل خيرة صحابتة أفضل الخلق محمد صلي الله عليه و سلم و عترة آل بيته الكرام، و إن ما تتعرض له مصرنا لن يكون أكثر مما حدث للعالم وقت طوفان نبيه الكريم نوح عليه السلام، حيث كلما طاف نوح هو وكل من معه بالسفينة علي بلد من البلدان تخرج إليه الملائكة الذين يتولون حراستها لتسلم عليه إلا مصر فلم يخرج إليه أحد، فتعجب نوح من ذلك !!!

فأوحي إليه ربه: أن لا تعجب يا نوح، فإنني من أتولي حراستها بنفسي، وهي كنانتي في الأرض، و بها خزائني، ومن أرادها بسوء قسمت ظهره، فما كان من نوح إلا أن دعا الله لحفيده مصراييم قائلا:

” اللهم إنه قد آمن بي دون والده، فأسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد و غوث العباد و الذي يعد نهرها أفضل أنهار الدنيا “.

نعم قلتها لإبنتي و كلي ثقة في ما أقول … و لما لا … فمصرنا الحبيبة قد منحها الله هي و بلده الحرام مكة و جنة الميعاد صفات لم يعطها لغيرهم ألا وهي الأمن و الأمان و السلام … و لقد وهبها الله ذلك النيل الذي جري بأمر منه جل وعلا من أعالي الحبشة ليشق بأمواجه العاتية جغرافية الأرض ووديانها قاصداُ بغيته التي أرادها الله له بمكان يتوسط قاراته الثلاث في العالم القديم ( إفريقيا / أسيا / أوروبا ) فإذا هي مصرنا المحروسة، و ما كان من النيل إلا أن بسط أذرعه السبعة ( آنذاك ) ليحتضن تلك الأرض المباركة و يهبها هدية الرحمن ألا وهي أعظم حضارة عرفتها البشرية جمعاء، تلك الحضارة التي تمتد جذورها إلا ما قبل التاريخ … نعم و بإستقرار النيل بمصرنا الحبيبة إلتقت الحضارة مع الحغرافيا مكونان حضارة مذهلة جاءت ثم جاء التاريخ من بعدها، تلك الحضارة التي مازالت و ستظل آثارها باقية علي ربوعها شاهدة علي شموخها و أصالتها .

ثم جاءت و تتابعت علي أرضها تترا الحضارات المتتابعة فكانت مصر مهداً للحضارة الفرعونية وحاضنة للحضارة الإغريقية و الرومانية، ومنارة للحضارة القبطية، وحامية للحضارة الإسلامية .

و لن تستطيع أي قوة في العالم مهما خططت و دبرت أن توقف جريان نهر النيل بمصرنا، لأن الذي شق و أتي به من منابعه في جبال الحبشة هو الله ولن يضيعه منا أو أن يجرأ أحداً أن يحرمنا أياه، حيث تلك هي سنة الله في الكون بأنه لا يغير ما خلق لعباده، و هذا الفاروق عمر إبان الفتح الإسلامي لمصر يجد المصريين من عشقهم لنهر النيل و تقديسهم له كانوا يقدمون له بوصفه منبعاً لحياتهم عروساً من بناتهم ليلقونها فيه كل عام، فأرسل رسالة علي يد فاتح مصر ” عمرو بن العاص ” ليلقيها في النيل بدلاً من تلك العروس و كتب فيها :
” إن كنت تجري أيها النيل بأمرك فلا حاجة لنا بك، و إن كنت تجري بأمر الله فلن يضن الله علي تلك البلاد المحروسة “، و صدق مٌحَدِث هذه الأمة ” الفاروق عمر ” و الذي سٌمِي بالمٌلهَم فيما وصف به تلك البلاد بأنها محروسة.

و حقا ما جسده عالم المصريات الأثري جيمس بريستيد قائلا قولته الشهيرة عن مصرنا: ” إن بزوغ فجر الضمير كان بحق من تلك البلاد ”

لقد جاءت مصر قبل الأديان و سيظل شعبها بأمر من الله إلي آخر الزمان، لا تعصف به أي أمراض فتاكة لتقضي عليه، أو مؤامرات خبيثة تخطط لها قوي الشر والظلام لحرمان شعبها من أي هبات منحها الله إياها قبل فجر التاريخ، مصر التي عَرًفت العالم مبادئ الكتابة، و سُجلت حضارتها علي جدران معابدها و أهراماتها، مبتدعة الحروف و العلامات الهيروغليفية كأول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب و نظم ثابتة فأصبحت بحق أم الدنيا و الحضارات جمعاء … و لما لا يخص الله مصرنا الحبيبة بتلكم المكانة أليست هي التي أحتضنت الأنبياء، وشرٌف ثراها بخطي أفضل الرسل و الأنبياء، فكانت واحة الأمن و السلام و ملتقي الأديان السماوية، فجاءها إبراهيم ليتزوج منها أم العرب هاجر، و بيع علي أرضها نبي الله يوسف ليصبح وزيرا لها و يتبعه أبويه و إخوته، و هي التي تجلي عليها الله مناجيا كلِمه موسي، و كانت ملاذا إلتجأت إليه المٌطهرة العذراء البتول مريم ولدها عيسي عليه السلام، ثم أفاض الله عليها بتشريف أرضها بأطهر قدم عرفتها البشرية لأفضل الرسل ( محمد صلي الله عليه و سلم ) بجوار جبل الطور في معجزة الإسراء و المعراج.

و لا خوف علي بلد شَرٌفت بذكر إسمها في كتب الله السماوية، و خصها في قراءنه الكريم تلك المعجزة الخالدة أكثر من ثلاثين مرة تلميحاً و تصريحا.

فلا تخافي يا إبنتي العزيزة أنتي وبني وطني علي مصرنا الحبيبة و شعبها من أي عارض من عوراض الدنيا أو مما يكيدونه لها أعداءها في كافة مناحي الحياه التي تكفل الله بها لعباده …………… .
و قديما ً قال هيرودوت بأن مصر” هبة النيل ” إلا إنني أقول و أصحح تلك المقولة بأن مصر هي هبة الله و في أمنه و عنايته و لن تكون يوماً عرضةُ للهلاك من أي مرض أو الضياع نتيجة ما يعتقده أعداءها بأنهم قادرون علي مقدرات و مقومات حياتها، و كما وهب الله مصر من النعم و المنح، فقد قيض لها قيادات و رجال علي مر العصور و الدهور ليحافظوا عليها، وقال في حقهم من لاينطق عن الهوي أنهم خير أجناد الأرض و أوصي صحابته بأن يتخذوا منهم جنداً كثيفاً لإنهم في رباط إلي يوم القيامة، وليس أدل علي ذلك من منحه جل وعلا لمصرنا في الآونة الأخيرة رجالاً و قيادات من تلكم الثلة المختارة من أخيار الأرض ليتولوا زمام و أمور البلاد في مرحلة من أدق و أحرج اللحظات في تاريخها المعاصر، تلك القيادات التي أعادت لمصر مكانتها في الخارج و الداخل و أستطاعت في فترة وجيزة ( 6 سنوات ) أن تضع مصرنا في مكانها الطبيعي بين الأمم، بل و تتولي نيابة عن العالم محاربة الإرهاب الأسود، و أصبح لمصر درع و سيف يتحسب له و منه القاصي و الداني.

ولما عَلِمَ الله صِدق نوايا تلك القيادات و شعب مصر العزيز أفاض عليها بموفور الثروات الطبيعية ( غاز – بترول – … ) لتساهم في النهوض بمقومات التنمية الشاملة لتصبح مصرنا بإذن الله كإحدي القوي التي يخشاها كل من تسول له نفسه العبث بمقدراتها فإسلمي يا مصرنا الحبيبة من كيد أعداءك، و أقولها لهم و بملئ فمي و من أعماق قلبي ” إلا مصرنا العزيزة أيها المُغيبون ” و أذكركم بني وطني بما جاء في محكم التنزيل: ” إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فسينفقونها، ثم تكون عليهم حسرة، ثم يغلبون ” الأنفال “36”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى