عاجلمواطن مصري

إذا سألوك عن انهيار الاقتصاد.. فحدثهم عن غياب الأخلاق وانعدام الضمير| بقلم جورج عياد

لا يستطيع كائن من كان انكار وجود ظروف اقتصادية ضاغطة مقرونة بارتفاع جنوني في الأسعار ونقص في الأموال والسلع.. حتى أن هذه الحالة أصبحت “حديث الصباح والمساء”، فتكاد لا تخلو جلسة على مقهى أو في ميكروباص، أو حتى في مكاتب الموظفين من الكلام عن الأحوال المعيشية، ولا يخلو الأمر من مصدري الطاقة السلبية والمأجورين لتسخين المشاعر وبث روح اليأس والكراهية.

وإزاء هذه “المعضلة”.. فإننا إذا سألنا أي من خبراء الاقتصاد، فسوف يجهد عقله ويكلف نفسه ليعدد لنا أبعاد وأسباب الركود او النمو الاقتصادي كما قرأه ودرسه في أمهات الكتب و الذي تسير به أغلب بلاد العالم من حيث العوامل المؤثرة ايجابا و سلبا على الأوضاع الاقتصادية، وبكل تأكيد فإننا لا بد أن نحترم هذه الآراء ونثق في وجاهتها.

لكننا سنترك في السطور الآتية أحاديث “الشوكة والسكينة” عن الأزمة الاقتصادية، فما سوف نطرحه لتوصيف ما آلت إليه الحالة ليس له علاقة بالدراسات العلمية ولا مناهج البحث من قريب أو بعيد، ولكنه انعكاس صادم لسببين أساسيين للواقع شديد الألم، وسنعبر عنه بلغة بسيطة تعبر عن رجل الشارع البسيط:

أولاً .. الانهيار الأخلاقي:

سوف تسألون ما دخل الأخلاق في الاقتصاد ( آيه اللي جاب القلعة جنب البحر ).. سارد قائلا ان في مصر المحروسة الكثير و الكثير: الراجل اللي قاعد ( علي القهوة و عاملي سياسي و رياضي و قاضي ) و سايب أمه او مراته تشتغل و تجيب له السجاير و”المم”.

الراجل اللي عمال يخلف علشان أول ما العيل يكبر يشغله مش يعلمه.

الشعب اللي يصرف مليار جنيه علي السحر و الشعوذة.

الشخص اللي غرقان في المخدرات و يقول لك مافيش في ايدينا حاجة نعملها.

الشاب اللي واخد من الغرب البنطلون الساقط والمقطع ومزيكا الراب و ماخدش منهم أهمية قيمة العمل.

الناس اللي مش راضية تسيب العشوائيات وتتنقل في شقق جديدة رخيصة.

الأب او الأم اللي لما يكونوا مع ولادهم في الأتوبيس، ولما العيال يشاوروا علي عربية غالية و يقولوا اشمعني احنا ماعندناش عربية زيها، فيرد الأب او الام بكل استهتار: اصل اللي راكبها حرامي فيطلع الوأد اما يسرق و يجيب عربية او يحقد و يمشي يجرح و يقشط عربيّات الناس و الغل و الحقد يملأ قلبه و السبب الأهل اللي ماقالوش احنا هربنا من المدرسة و العلم علشان كده لازم تتعلم.

الشعب اللي مصمم علي عمليات تشويه خلقة البنات بحجة الطهارة و تطلع البنات تعبانين ويحولوا حياتهم الزوجية إلى جحيم فيروح أزواجهم يخونوهم أو يتجوزوا عليهم.

الإبن العاق اللي بيشتم و يسب أهله و ابوه و أمه ربنا ميفتحش عليه أبدا.

الناس اللي تفضل تبدل في انواع الموبايلات ويداين نفسه بالأقساط و يضيع فلوسه علها و يقصر في طلبات بيته وعياله و يصرف اكثر من ٢٥ مليار جنيه على الرغي والتفاهة.

ثانياً .. انعدام الضمير:

احنا الشعب الوحيد اللي تلت موظفيه واخدين اجازة بدون مرتب و لا هم بيشتغلوا و لا سيبين مكانهم لشباب يشتغلوا.

الشعب اللي ما يراعيش ضميره ولما تيجي تحاسبه، يرد زي البغبغان “علي قد فلوسكم”.

الشعب اللي في المصالح الحكومية ( السجل المدني و الشهر العقاري، الأحياء، …… ) اللي بيستحل الرشوة والحرام ويسميها “الشاي أو الاصطباحة” ( حوالي ١٠٠ مليون في اليوم اي ٣ مليار في الشهر اي ٣٦ مليار سنويا ) من اول 50 جنيه وانت طالع ، ونسيوا الكلام الجميل اللي علشانه طلعت مبادئ ٢٥ يناير ضد الفساد علشان عدالة اجتماعية يعني شعب فقير بيسرق من شعب أفقر منه.

الشعب اللي بيبني مخالف و يسوق مخالف و يزرع مخالف و يصنع مخالف و ينتج مخالف.

الشعب اللي لما تقفشه مخالف يقولك دي فهلوه.

الشعب اللي هانت عليه بلده و عياله و دنيته لانه نازل خلفة و يقولك ربنا اللي بيرزق ، طيب ما ربنا قال العمل عبادة ولا احنا صحيح شعب بيمشي على خط و يسيب خط.

لما العامل يصنع بضمير الانتاج يزيد و لما الفلاح يزرع بضمير و ينسي ان الكيماويات ما بتذودش الانتاج لكنها بتدمر الصحة وتموت.

لما المهندس يبني صح و يصون صح و يصلح صح.

لما الدكتور يعالج صح و يداوي صح و يعمل بتعاليم “أبقراط” أبو الطب الشهير.

لما الصحفي يتقي ربنا و يكتب صح و يوصل المعلومة صح و ما يضللش القارئين.

لما أفراد الشرطة من كبيرها لصغيرها يحقق صح و يعدل صح ويعامل الناس صح.

الخلاصة أذاً أن كل ما سبق سرده يمثل نسبة كبيرة من أسباب الانهيار الاقتصادي، فكما هو معروف يا سادة ان كل مشروع بداية من محل تجاري صغير الي صرح صناعي يعتمد علي العمالة بأنواعها، ومن مشكلات اقتصاد مصر هي الأيدي العاملة كما شرحت عاليه، فكل دراسات الجدوي تحدد عدد ومرتبات العمالة في المشاريع تقاس الأرباح علي عوامل كثيرة منها العمالة.

ولكننا يا سادة نفاجأ هنا بكسر قواعد كل هذه الدراسات لسبب بسيط ان العامل المصري وبكل أسف لا يراعي ضميره كما ينبغي، فلا يعمل بكامل قوته، وبالتالي يؤثر هذا الاهمال علي إنتاجية المشروع، فنضطر لزيادة العمالة، وهنا تتدخل المعجزة المصرية فتظهر الوساطة والمحسوبية لدي أدارات المشاريع لكي يتم تعيين الابن، الخال، العم، اولاد الأهل و الأصدقاء، بجانب تعيين الحاصلين على تأشيرات أعضاء مجلس الشعب، و هذا لا يحدث في اي بلد حتي الصين و الهند ( في خلال أول ٥ سنوات من انشاء المشروع يتم مضاعفة العمالة الي الضعف ) . الصناع و الزراعة و المشاريع الآخري تقل ارباحها و يبدأ الرسم البياني في الانخفاض.

السؤال الحائر هنا .. كيف تنهض أو تنجح أو تثمر المشاريع في مصر في ظل وجود كل هذا الانحدار الاخلاقي وانعدام الضمير.

و في الآخر يقول لك “علي قد فلوسكم و كله بالفهلوة .. عيش و سيبني أعيش” .. فيا سادة يا كرام لا بد أن نقضي على كل هذه المبادئ السلبية إذا أردنا أن “تقوم لهذا البلد قومة” على رأي ولاد البلد الطيبين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى