آراءشويّة دردشة

أن تتأهب للاستشهاد | بقلم شيرين خالد

” إلى لقاءٍ شئنا أم أبينا قريب ” هكذا ودع الشهيد البطل العقيد أحمد صابر المنسي قائد الكتيبة ١٠٣ صاعقة بشمال سيناء معلمه وأستاذه الشهيد البطل العقيد رامي حسنين قائد نفس الكتيبة بتاريخ ٢٩ أكتوبر ٢٠١٦ م، كأنه نفس اللسان ونفس الكلمات، حينما تستمع لقصص وبطولات شهداءنا الأبرار من القوات المسلحة وقوات الأمن المركزي تجدهم جميعا يحملون نفس العقيدة، يحملون أرواحهم على كفوفهم ولا يضنون على وطنهم بأغلى ما قد يمتلكون ” الحياااة “.

الشهيد البطل رامي حسنين الذي طالما أخبر عائلته مطمئنا لهم ” أنا بدافع عن مصر وواخدين بالنا من دم الأبرياء ” قبل استشهاده بأيام قليلة حينما كان في إجازة وذهب ليودع أصدقاءه وجلس مودعا ابنتيه دارين ونورسين مستودعا إياهم الله الذي لا تضيع عنده الودائع وفارقهم لتلبية نداء الوطن مدافعا عنه بروحه ودمه، ليستشهد مُسَلِّماً الراية لشهيد آخر ودع أهله ووطنه اليوم في نفس الأرض الطيبة مدافعا عن نفسه وأرضه ليثأر لمن ودع من إخوة ورفاق سلاح لا يهاب الموت ولا يخشى الفراق صامداً لآخر لحظات حياته معلناً صمود هذا الوطن ضد أي عدوان غاشم ” الشهيد البطل أحمد المنسي “.

” قولي تحيا مصر يا أمي ويعيش جيش مصر، أنا هجيبلك منهم صاروخين وانا جاي من الارهابيين ، متخافيش ابنك راجل يا امي “، هكذا كان وداع الشهيد البطل جندي مقاتل أبانوب صابر شهيد كماين الرفاعي ١ يوليو ٢٠١٥ لأمه في آخر مكالمة هاتفية دارت بينهما .

” اللهم أحسن خاتمتنا معلقاً على الحديث الشهير للإمام محمد متولي الشعراوي عن مصر الكنانة “، كان هذا آخر ماكتب الشهيد البطل الملازم أول محمد عبد العظيم حلاوة شهيد كماين الرفاعي على حسابه الشخصي على الفيس بوك.

جندي مقاتل عبد الرحمن محمد ” الذي قتل ١٢ إرهابيا رغم إصابته إلا أنه ظل يقاتل ليثأر لزملائه.

الكثير والكثير من القصص التي تروي بطولات شهداء الواجب، أبطال يتركون كل عزيز عليهم في سبيل الله والوطن، يحبون الله ويرغبون في لقائه.

حينما كنت من سعداء الحظ ممن استمعوا لقصص هؤلاء الأبطال على لسان ذويهم في الندوات التثقيفية التي تقيمها الشئون المعنوية للقوات المسلحة لتكريم هؤلاء الأبطال و ذويهم وبث روح الوطنية والانتماء ونقل تلك التضحيات الحقيقية للشباب ليدركوا ما تمر به البلاد من حروب قاسية، استوقفتني كثيرا تلك السمات المشتركة بين هؤلاء الأبطال فما من أحد منهم إلا وكان يطلب الشهادة جهرا أو عملا فيحافظ على صلته بربه راغباً فيه، مراعياً لحقوقه عليه مؤدياً إياها، فقد كانت طيب السيرة والخُلُقِ سمتهم بين الناس، والمحبة واللين والرفق عنوانهم مع ذويهم.

كم أبكاني كثيراً حديث أم ٍ أو زوجةٍ أو أبٍ وأخٍ عن المواقف الإنسانية لمن فقدوا من قرى أعينٍ لهم واحتسبوهم عند الله شهداء .

كم أوجعني قلبي وآلمني على طفلٍ أو طفلة أفقدهم الإرهاب الغاشم حقهم في حنان الأب وجَلّ ما يتمنوه أن يكملوا ما قام به والدهم ليثأروا له ولرفاقه محافظين على وطنهم.

حينما تطلع على سجل الفخر والشرف لأبطال مصرنا الشرفاء تجدهم جميعا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يسلمون الراية لبعضهم شهيداً تلو الآخر لا يهابوا الموت ولا يخشوا سبيله، لم يُجبَروا على التضحية وإنما نبعت عن إيمان صادق بالله والوطن الذي أغناهم عن الحياة في سبيل الزود عنه.

تلك الدماء الطاهرة التي تروي الأرض كل نهار لا تذهب هباءً بل تنبت بداخل كل فردٍ منا إرادة وعزيمة أقوى للثأر بالعمل والعطاء، هم يقاتلون الإرهاب بنيرانهم لنبقى نحن بأمان ونحن هنا لنواجه أفكارهم الواهية ونقاتلهم بالقلم والعمل والتنمية، لن نترك دماءهم تذهب هباء أبدا.

حينما تجد نفسك تؤدي واجبك المهني لتفاجأ بأنك مسئول عن إنقاذ ابنك في غرفة العمليات لتصارعا معاً الموت للحظاتٍ عصيبة حتى يلقى ربه شهيداً بين يديك، ما أقساها من لحظاتٍ مرت على البطل العميد طبيب المعتز رشاد الطبيب بالقوات المسلحة ووالد الشهيد البطل جندي مقاتل محمد المعتز رشاد ،هذا الشاب الذي اختار طريق الوطن ورغب فيه حينما أقبل على تأدية واجبه العسكري وخدمته في القوات المسلحة طالباً الذهاب إلى سيناء ليقاتل الإرهاب هناك، وقد أخفى هذه الحقيقة عن أبيه وأسرته كي لا يثير خوفهم وقلقهم عليه، كان يطلب الشهادة وقد كان يكتب كل يوم ما يحدث أمامه من معارك للبقاء في وجه الغدر وكان ذلك في كراسة صغيرة كانت معه في منطقة خدمته في رفح المصرية، وقد كانت رسالته التي تركها لأبيه كواحدة من ضمن رسائل الوداع والاعتذار لأنه أخفى عليهم ما يقوم به، خير مثال على صدق النية والعقيدة وعظم الرسالة والمهمة والتي سأذكر لكم بعضاً منها قائلا لأبيه :
” إنها أسعد أيام حياتي لانضمامي إلى رجالٍ يحمون الوطن ويحمون أهلي وعرضي ” سائلا الله أن يرزقه الشهادة.

” يا أبي إن كنت نلت الشهادة بأمر الله ،تأكد إني في مكان جميل وسعيد ، إن شاء الله مع الشهداء والأنبياء والصالحين، يارب يملأ قلبك الصبر والإيمان، إني إن شاء الله في جنات رب العالمين الكريم الرحيم”.

” أحلى إحساس أنا حاسه هوا الجهاد في سبيل الله وأيضا إني في مكان الأبطال والشهداء”.

حينما تتأمل تلك الرسائل لترى تلك الدرجة من الرغبة والمحبة والإيمان بعِظم الأجر والمهمة الوطنية، حينما ترى الزهد في ملذات الحياة والجود بأغلى ما لديك في سبيل وطنك، حينما تتأهب كل لحظة للقاء ربك شهيداً مدافعاً عن وطنك وأهلك، كل هذا ليس بشئ هين.

تلك هي العقيدة الراسخة التي يؤمن بها كل مصري مخلص ، وكل من التحق ويلتحق بالقوات المسلحة والشرطة المصرية ليدرك الحرب التي تواجهها مصر ضد عدوٍ جبان لا يقاتل وجها لوجه بل يستتر خلف عبواته الناسفة وغدره الغاشم، هذا هوا القسم الذي يقسمه كل وطني يعي ما يحاك ضد بلدٍ طالما عانت من محاولات الاستعمار والهيمنة لكنها وعلى مر العصور كانت ولا تزال أبية قاهرة لكل من تسول له نفسه الاقتراب منها عنوة وغصبا.

دقت ساعة العمل ونادت مصر نداء الأم لأبنائها ، لا تهاون ولا تكاسل أو تراخي عن السعي قدماً نحو الرفعة والعزة والكرامة، لا تفريط في دماء شهدائنا ولا مساس بذرة رمل من أرضنا.

هلموا إليّ أبنائي يدٌ تبني وتعمر وتحارب بالفكر والعمل ويدٌ تحمل السلاح للزود عن الوطن، متكاتفين لا يفرق بينكم شئ.

إلى كل بطل قدم روحه في سبيل هذا الوطن دمتم في قلوبنا مقدرين ما بذلتموه لأجلنا، إلى أسر هؤلاء الشهداء والمصابين من أهلنا وذوينا لم ولن تذهب تضحياتكم هباء نعدكم بأن نثأر لكم ولنا وأن نكن على قدر الأمانة الملقاة على عاتقنا، نعدك يا مصر أن نخلص لك مهما حدث وأن نحافظ عليك ونحمي ثراكي مهما كلفنا هذا لآخر قطرة من دمائنا، لن أجد خيراً من تلك الرسالة التي ودع بها بطل اليوم ” الشهيد أحمد منسي ” شهيد الأمس ختاماً حيث قال : ” يا قبوراً تنادي أسامينا …. ويا موتاً يعرف كيف يصطفينا
سطوة الموت لن تغير لقبنا …. فنحن أحياء للشهادة سائلينا ”
رحمكم الله أبطال مصر وأعاننا على أمانة الحفاظ على هذا الوطن الغالي، والحمد لله على نعمة الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى