أبو الغيط : هناك جهود تبذل لإقرار مؤشرات لتصنيف عربي موحد للجامعات العربية
أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن هناك جهودا تبذل لإقرار مؤشرات لتصنيف عربي موحد للجامعات العربية، بحيث يجري اعتماد نظام موحد لتقويم مؤسسات التعليم العالي بالدول العربية.
وقال أبو الغيط في كلمة له – في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولي الأول لتحسين جودة التعليم العالي في الدول العربية الذي تنظمه الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالإسكندرية – إن مثل هذا التقويم قد صار شرطًا أساسيًا تضعه جميع هيئات الاعتماد الأكاديمي العالمية.. وأراه ضرورة مُلحة لوضع جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية على خريطة الجامعات العالمية المرموقة.
وشدد على أن تحسين جودة التعليم الجامعي والارتقاء بمخرجات هذا التعليم ووضع الجامعات العربية في مكانة تنافسية مع نظيراتها العالمية تُعد كلها أولويات مُلحة على أجندة العمل العربي.
وأضاف أن واقع التعليم العالي في البلدان العربية يُعاني من مشكلات كبيرة، أخطرها الفجوة التي تفصله عن العالم المتقدم، متابعا: “ليس أدل على ذلك من أن الجامعات العربية تكاد تكون غائبة، سوى باستثناءات معدودة، عن التصنيفات العالمية المتعددة للجامعات الخمسمائة الأهم”.
وتابع قائلا: “إن ظهر عدد محدود من الجامعات العربية في بعض هذه التصنيفات، فإن حضورها يأتي متأخرًا ولا يتفق بأي حال مع المكانة التي نصبو إليها، أو المستقبل الذي نتطلع له لتعليم جامعي يليق بأجيالنا القادمة، ويستوعب شبابنا ويُسلحهم بالمهارات اللازمة للالتحاق بركب الحضارة العالمية، والإسهام البنّاء في ارتقائها”.
وقال إنه من المحزن أن يكون هذا هو حال التعليم العالي في منطقة عرفت الجامعات ربما قبل أن يعرفها أي مكان آخر، فمنارات العلم في الزيتونة والقرويين والأزهر الشريف سابقة على السوربون واكسفورد، وتقاليد الدراسة الأكاديمية المنهجية قديمة وعريقة في العالمين العربي والإسلامي.
واستطرد قائلا: “غير أن قطيعة معرفية وعلمية كبرى حرمت العرب والمسلمين من اللحاق بعصور النهضة .. وما زالت، بكل أسف وبرغم جهود تُبذل لتغيير هذا الواقع، تلقي بظلالها على حال التعليم العالي في بلادنا العربية”.
وشدد على أن التعليم العالي هو، من دون شك، القاطرة التي تدفع بالمجتمعات إلى الأمام، والجامعات هي مراكز للنور والتقدم تشد باقي مؤسسات المجتمع، وتمدها بالأفكار والكوادر والمهارات اللازمة لنهضتها، وينعكس مستوى الجامعات، إيجابًا وسلبًا، على الحركة العامة للمجتمع، ومدى قابليته للتحديث والانفتاح على العصر.
وقال إنه كلما ازدهر التعليم الجامعي، وجدت المجتمع يموج بالأفكار الجديدة، والعقول المُتفتحة، والحلول الخلاقة للمشكلات، وكلما انحدر مستوى هذا التعليم، كلما تدهورت الكفاءة المهنية في مختلف المجالات، وسادت التيارات الفكرية الظلامية، وتراجعت معدلات الأداء على كافة الأصعدة.
وأضاف: “والحقُ أننا – ورغم كل ما سبق قوله والتعبير عنه- شهدنا ثورة كمية كبرى في أعداد الجامعات على مستوى العالم العربي خلال العقد المنصرم.. ولا زال هذا الاتجاه للتوسع العددي يتصاعد باطراد”.
وأشار أبو الغيط إلى أن التوسع في التعليم العالي هو أمرٌ مطلوب لتلبية حاجات السوق في اقتصادات ناشئة، على أن هذا التوسع قد صاحبه تصاعد في معدلات البطالة بين الشباب، والتي بلغت نسبًا مزعجة تصل إلى 27% في المتوسط، علمًا بأن ثلثي هؤلاء هم من حملة الشهادات الجامعية.
ولفت إلى الظاهرة التي تعرف بنزيف العقول، حيث تبلغ نسبة حملة المؤهلات العليا أكثر من 35% من بين المهاجرين العرب إلى الخارج.. موضحا أن كلها تُعد مؤشرات بالغة الدلالة على الانفصال بين التعليم العالي وسوق العمل.
وقال إن المشكلة الأخطر تتعلق بمستويات التعليم الجامعي التي تُعاني من تدهور مطرد، خاصة فيما يتعلق بالجامعات الحكومية، مضيفا: “أن جودة التعليم العالي تُمثل عنصرًا لا يقل أهمية – إن لم يزد- عن التوسع العددي في الجامعات أو نسب التحاق الطلاب”.
وأوضح الأمين العام للجامعة أن التعليم العالي يختلف عن مراحل التعليم الأخرى كونه يهدف إلى تكوين الإنسان القادر على الإبداع، وإذا كانت مراحل التعليم في المدرسة تنزع بطبيعتها إلى التدريب على المهارات الأساسية، فإن مرحلة التعليم الجامعي يتعين أن تبتعد عن التنميط والنهج المدرسي التلقيني، وتُسهم في غرس فضائل الإبداع والتفكير النقدي والميل إلى الابتكار.
وأضاف “أن هذه أمور ما زالت غائبة عن التعليم العالي في بلادنا الذي صار -كما نعرف جميعًا- يقترب أكثر من التعليم المدرسي في مناهجه وطرائق تدريسه”.
وأكد أن التعليم العالي له دور يتجاوز حدود الارتقاء بالمهارات والتجهيز المهني للالتحاق بسوق العمل، فالجامعة هي المكان الذي ينشأ فيه المواطن القادر على الإسهام الحقيقي في قضايا مجتمعه السياسية والاجتماعية، وهي المؤسسة التي تسهم أكثر من غيرها في تشكيل الوعي الوطني والانتماء القومي.
ونوه بأن ثقافة المواطنة، بمعناها الشامل، يتعين أن تحتل مكانًا متقدمًا على أجندة التعليم العالي، فلا يكفي أن يُجهز من يتخرج من هذا التعليم بما يلزمه من مهارات وقدرات فينة وعلمية للتوظف، بل ينبغي أن تُخرج جامعاتنا المواطن المسئول.
وأعرب عن تمنياته لأعمال هذا المنتدى الهام، وأمله في أن تُسهم مناقشاته ومخرجاته في تكثيف الوعي بخطورة قضية جودة التعليم العالي، ومدى إلحاحها وعمق الصلة بينها وبين النهضة التي ننشدها لعالمنا العربي في كافة المجالات.