أخبار عربيةعاجل

«أبو الغيط» : الجامعة العربية يمكنها أن تكون جسرا للعمل المشترك المثمر

أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أنه برغم كل مظاهر الوهن التي تعتري نظامنا العربي، وما تعاني منه أمتنا من مشكلات عديدة وانكسارات وانتكاسات، إلا أن هناك أسباب أمل وتفاؤل في وسط ظلمة حالكة، معتبرا أن الجامعة العربية يمكنها أن تكون جسرا للعرب وقائد للعمل المشترك المثمر بين العرب، ويمكنها أن تنجز بشكل طيب في ملفات اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية بل وعلمية إذا ما توفر لها دعم الدول جميعا وتلاقت إراداتها السياسية على ذلك.

وقال أبو الغيط – في كلمته اليوم أمام الجلسة الافتتاحية للقمة العربية العادية الـ28 في منطقة البحر الميت (55 كلم جنوب غرب عمان) – “لقد استشعرت ارتياحا كبيرا ودفعة معنوية هائلة من حديثي مع جميع القادة الذين شرفت بلقائهم، حيث كان الخطُ العام هو دعم الجامعة العربية وعملها والتمسك بمهمتها السامية في تمثيل وتوحيد العرب والتعبير عن مصالحهم والذود عنها، وتجسيد آمالهم وتطلعاتهم والسعي إليها”.وأضاف “أنه بالقدر ذاته استشعرت أسى مفهوما ومرارة لها ما يبررها إزاء الوضع العربي وما طاله من ضعف وانقسام وفرقة، مشيرا إلى أن تلك المقابلات شكلت علامات إضاءة واضحة على طريق اضطلاعي بمسؤولياتي.. ومن هنا فقد عاهدت القادة الذين التقيتهم على أن أنشط قدر إمكاني عمل ودور الجامعة في مختلف الملفات والقضايا، وأن أسعى ما أمكن أيضا إلى لم شمل العرب، وترتيب الأوضاع واستعادة اللحمة فيما بين الجميع”.

وتابع أبو الغيط “تحوم حول منطقتنا طيور جارحة كثيرة، تريد أن تنهش في الجسد العربي وأن تفتئت على قدرة العرب على توحيد صفهم، وأن تضع العرب في تناقض بين بعضهم البعض.. وهناك من هذه القوى من يوظف الطائفية والمذهبية على نحو مقيت لتحقيق أغراض سياسية تناقض المصلحة العربية على طول الخط، وهو نهج نرفضه ونتصدى له وندعو الأطراف التي تمارسه لمراجعة حساباتها”.

وأشار إلي أنه تتردد أحاديث عديدة عن السعي لترتيب منطقتنا حتى من دون موافقتنا، وبما يخلق أوضاعا جديدة في الشرق الأوسط، وفي مواجهة هذه الأطروحات جميعا فقد دافعت خلال الأشهر الماضية عن أمرين أساسيين: الأول؛ هو الدولة الوطنية التي خرجت إلى النور في القرن العشرين، والتي ينبغي الحفاظ عليها باعتبارها نواة النظام العربي التي لا يجب المس بها، والثاني؛ التأكيد على أن الوضع العربي الحالي ومع كل الإشكالات التي يعانيها ليس مؤهلا بعد للدخول في أية ترتيبات طويلة الأمد للأمن الإقليمي في ضوء اختلال موازين القوى الذي نرصده جميعا.

واستطرد أبو الغيط “أنه في الشأن السياسي، وجدت أن الملفات الأهم ليست في حوزتنا أو ضمن قدرتنا على التأثير ربما بسبب تداعيات السنوات الست الماضية.. فنحن نتابع عن كثب الأزمة السورية دون وسيلة حقيقية للتدخل مع أطراف أخرى فاعلة تتصدى لصياغة مستقبل سوريا دون إسهام عربي حقيقي، وهذا أمر أجده معيبا”.

وأوضح أنه رغم تعقيد الموقف الخاص بليبيا وأزمتها، إلا أنه سعي إلى وضع الجامعة مجددا في موقف متقدم يسمح لها باستجابة أفضل لنداءات كافة الأشقاء الليبيين الذين يتطلعون بأمل إلى إنهاء فصول أزمتهم المستمرة بدعم ومساندة الجامعة.

وأضاف أبو الغيط “أن قضيتنا المركزية فلسطين حظيت باهتمامي البالغ، وتناولتها في لقاءاتي وأحاديثي، بيانًا لها ودفاعًا عنها وإعلاء لشأنها ، ومع ذلك فإن الوضع ليس على ما يرام من ناحية، وهو متحرك وإيجابي من ناحية أخرى، مشيرا إلي أن إسرائيل لازالت تصمم على احتلالها لأراضي فلسطين، وهي تسير سادرة في غيها دون رادع، وتمعن في البناء الاستيطاني والتهويد والاستيلاء على الأرض، كما أن الانقسام الفلسطيني له تبعاته السلبية”.

وتابع “أما على الجانب الإيجابي، فهناك قرار مجلس الأمن الأخير بإدانة الاستيطان وتأييد حل الدولتين، وهناك أيضا مؤتمر السلام الذي انعقد بباريس في يناير الماضي وشاركت فيه قوى دولية كثيرة اتحدت إرادتها حول المطالبة بإنهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين، وهناك إدارة أمريكية جديدة تتحدث عن رغبتها في إعادة دفع العملية السلمية، مبينا أن هذه كلها تطورات يتعين البناء عليها ومتابعتها من أجل نُصرة القضية الفلسطينية”.

وأكد أمين عام الجامعة العربية أن اليد العربية لاتزال ممدودة بالسلام على نحوِ ما تقضي مبادرة السلام العربية، ولازلنا في انتظار شريكٍ حقيقي على الجانب الآخر يفهم متطلبات السلام ويعمل بجدية من أجل تحقيقه.. وللأسف، لا نجد هذا الشريك رغم تعدد الوساطات والجهود.

ولفت إلى أن التطورات الميدانية شديدة الصعوبة في سوريا واليمن والعراق، وأيضا في الصومال، خلفت أوضاعا إنسانية متدهورة بين نزوح ولجوء بل ومجاعات، فواحد من بين كل اثنين لاجئين في العالم اليوم هو للأسف لاجئ عربي وأصبح لزاما علينا كعرب أن نتصدى بشجاعة لهذه الأوضاع لأنها تمس بكرامة الإنسان العربي وحقه في العيش والحياة.

وأشاد بالقادة الذين تجاوبوا مع نداء الإنسانية ووجهوا الموارد إلى نجدة أخوتنا المضارين، وإلى البلدان العربية التي وجدت نفسها في وجه عواصف من المآسي البشرية، ففتحت الأبواب وآوت المشردين وأغاثت الملهوفين وداوت الجروح، داعيا القادة العرب بما عرف عنهم من كرم وإنسانية إلى الاستمرار في هذا الدعم، بل وإلى تكثيف العون والمدد لمواجهة هذه الأوضاع الإنسانية التي يعاني منها مدنيون عزل في مناطق الأزمات.

وقال أبو الغيط “إنه بالتوازي مع ذلك كله، تحتدم في دولنا الحرب ضد الإرهاب، تكافحه الحكومات بكل ما أوتيت من عناصر القوة وتقاومه المجتمعات بكل ما تملك من عزيمة وإصرار، ويسقط شهداء بالعشرات والمئات من العراق إلى سوريا إلى غيرهما من البلدان ويعيث الإرهاب في حواضرنا فسادا وخرابا”.

وأضاف “أنه مع هذا لم تهن العزائم في مواجهته ولم يتوان أحد في التصدي له، لأننا نعلم جميعا أن في استمراره ونجاحه نهاية لنا، وفي القضاء عليه بشكل مبرم بداية جديدة لمجتمعاتنا ومسيراتها التنموية والسياسية”.

وتابع أبو الغيط “منذ أشهر تسعة توليت مهام منصبي أمينا عاما للجامعة العربية وخاطبت حينئذ قمتكم الموقرة لأضع أمامها ملامح رؤيتي للوضع العربي وعملنا المشترك والتحديات التي تواجهنا، وقد شرعت في العمل بنشاط على الفور، كما قمت بزيارات إلى عظم الدول الأعضاء ونلت شرف لقاء قادتها والتحدث معهم حول الوضع العربي والجامعة”.

وأكد أنه لا ينبغي أن ننسى وسط كل هذه الهموم الجاثمة والتحديات الجسام أن غاية العمل العربي هي المواطن العربي ولا شيء آخر، أمنه ورخاؤه وسعادته وضمان مستقبله، مشيرا إلى أن المواطن العربي ينتابه قلق كبير وهو يتابع حال الأمة ويشاهد ما تتعرض له من محنة غير مسبوقة في تاريخها الحديث.

واعتبر أبو الغيط أن هذا القلق مشروع والخوف من المستقبل مفهوم، بل إن هذا القلق هو أيضا علامة صحة ودليل حيوية في الجسد العربي، منوها بأن الشعور العربي الجامع مازال موجودا، والعروبة مازالت موجودة، والهموم الداخلية في كل بلد من بلداننا لا تنفي الاشتراك في الهم العام والإحساس بالمخاطر التي تهدد الكيان العربي في مجموعه.

كما شدد الأمين العام للجامعة العربية علي أن انعقاد القمة العربية اليوم، وبهذا الحضور الكريم وهذه المشاركة اللافتة من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، لهو رسالة طمأنة لهذا المواطن العربي القلق على مستقبله، وهي رسالة ثقة بأن المنظومة العربية لاتزال تعمل على كل ما فيها من أوجه القصور، وأن التنسيق العربي والعمل المُشترك لايزال هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات.

وأكد أن الخطوة الأولى لمواجهة أية أزمة إقليمية هي توفر الرؤية المشتركة بين الأطراف، ووجود مساحة من الثقة والتواصل تسمح بمعالجة التباين في الرأي، وهو طبيعي وبالتحرك بشكل جماعي لمواجهة الأزمات، وهو الغاية المنشودة.

وقال أبو الغيط “إن أزمتنا الراهنة شديدة، ولكن أحسب أن إرادتنا الجامعة أشد وأصلب، وأن مأزقنا خطير ومصيري، ولكن وحدتنا، إذا صدقت النوايا، قادرة على تجاوزه.. وليس بنا حاجة إلى التباكي على ما كان أو الانغماس في اليأس، وأنه (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، وأننا نتطلع جميعا إلى عبور هذه الأزمة بتعاضدنا وتداعينا لنجدة بعضنا البعض، وتوحيد رؤيتنا على أولويات مشتركة للأمن القومي العربي”.

وأشار إلى أنه في القرارات المعروضة على القمة تفصيل واضح لهذه الأولويات جميعا، فلا نجاة لنا مما نحن فيه إلا مجتمعين متحدين واجتماع إرادتنا يقطع بنا نصف الطريق إلى ما نصبو إليه”.

وأضاف “أن عالمنا العربي قادر على اللحاق بعصره، وشبابه راغب في المشاركة في البناء من أجل المستقبل.. ومن الضروري أن نفتح أمام هؤلاء الشباب نوافذ الأمل والرجاء، وأن تطرح في مجتمعاتنا عقود اجتماعية جديدة تستنفر طاقاتهم ومواهبهم الإبداعية لبناء اقتصادات تنافسية تفيد كافة طبقات المجتمع وتقوم على نماذج عصرية في التنمية وتنمية البشر والحجر معا، وتنمية تنزع عن المجتمعات آفة التطرف وتواجه غربان الهدم والخراب بمعاول البناء والعمران.. فكل فرصة تعليم جيد أو عمل لائق تنشل أسرة من الفقر وتثبت إيمان الفرد بمجتمعه ودولته بل قد توفر دماء ذكية وتنقذ أرواحا بريئة”.

وأكد أن الشعوب والحكومات العربية قادرة على عبور هذا الفصل الخطير في تاريخها الحديث، وهي أشد قوة وأصلب عودا وأمضى عزيمة وأكثر تضامنا ووحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى