آراءشويّة دردشةعاجل

في الميكروباظ.. الحدوتة الثالثة| بقلم عميد د. عمرو ناصف

النهاردة زى كل يوم رايح الشغل الصبح، إتمشيت للمحطة، وركبت الميكروباص، بس المره دى جايبين لينا ميكروباص جديد من الكبير أبو يافطة كبيرة على وشه اللى السواق مبيشوفش منها دى، وللأسف النهاردة ملقتش مكان اقعد فيه، كنا أول الأسبوع بقة والدنيا زحمة، فوقفت فى الطرقة، وأنا واقف لاحظت حاجة غريبة جداً، غريبة بس مش جديدة، ومن كتر ماهى بقت عادة مبقيناش ناخد بالنا منها، حاجة بتحصل من زمان فى مصر ويمكن فى كل الدول العربية ومبتحصلش غير عندنا إحنا بس العرب، ألا وهى، كلام الناس فى الموبايل وعلى مواقع التواصل.

٩٠٪ من شعب مصر والشعب العربى كله ياإما حاطط الموبايل على ودنه وبيتكلم، أو ماسكه فى إيده وبيكتب عليه، فى أى مكان وأى وقت وعلى مدار ٢٤ ساعة فى اليوم، وهو قاعد فى البيت، وهو قاعد فى الشغل، وهو ماشى فى الشارع، وهو راكب مواصلات، حتى وهو سايق العربية، تليفونه فى إيده ويابيكتب يابيتكلم، ده غير السيلفى فى كل مكان وبلزمة ومن غير لزمة.

والحقيقة مش قادر أحدد بالظبط أى وضع منهم هو الأكثر كارثية، لإنه بيتساوى عندى واحد سايق بيتكلم أو يكتب عالتليفون ويخبط واحد يموته، مع أسرة قاعدة فى بيتها كل واحد منهم ماسك تليفون وقاعد مع نفسه، ملهيين عن بعض، وبيقطعو روابطهم الأسرية بإديهم، وبرضو بيموتو بعضهم إجتماعياً، ومبسوطين.

لكن إللى شوفته النهاردة فى الميكروباص كان حالة أكثر كارثية، أكثر هزلية، أكثر كوميدية.

لإن الست وجوزها إللى كانو قاعدين جمب بعض قدام جمب الباب ( ومعاهم ولدين صغيرين ) كان ليهم دور و رأى مختلف تماماً فى مواضيع إستخدام المحمول، لأنهم بعد ما قالو للسواق ( عايزين ننزل عند المحافظة ياسطى ) كل واحد فيهم طلع موبايله وهاتك يا كل حاجة فى نفس الوقت وعلى بؤ واحد، كلام، وكتابة، وتصوير، و…..

الست إتصلت بأختها – تقريباً – وقعدت ترغى معاها وبصوت عالى لدرجة إننا قدرنا نعرف معظم مشاكل أختها مع جوزها وجوزها بيشتغل إيه وطابخين إيه النهاردة، وطبعا بيرغو فى أى كلام فى أى إتجاه، يعنى مفيش موضوع ذو أهمية يخليها تحط الموبايل على ودنها لحد مالتليفون يسيح، وتنقله من إيد لإيد، وتوجع بؤها، وتوجع دماغنا بصوتها العالى طول الوقت ده.

وجمبها علطول بقة نلاقى جوزها المحترم، بنضارته كعب الكوباية، قاعد ماسك الموبايل وراشق عينه جوة الشاشة وعمال يكتب ويتنقل من موقع للتانى، فى نفس ذات اللحظات يعلو صخب وضجيج بصوات العيلين إللى أبوهم وأمهم موقفينهم ياعينى قدامهم، وأحلامهم الطفولية بتنهار ياكبدى وسط الزحمة والحر وأب وأم ملهيين فى ستين لاهية تاخدهم، والعيال ياعينى مابين واحد عطشان وعمال يزن ( عايز أشب إمبو ياماما ) والتانى ( عايز أعمل بي بي يابابا ) وكلنا متعاطفين معاهم ( بس مع أبو بي بي أكتر طبعاً ) والدمعة هتفر من عنينا، ورغم حصار ( الإمبو و البي بي ) الأطفال منسيوش برضو إنهم أطفال، فواحد منهم هاتك يا زغد وشلاليت فى التانى بكل ما لديه من حواس وحركات ومؤثرات صوتية، والتانى بينضرب من أخوه وبيعيط، وفى نفس الوقت بيبلغ عن أخوه إللى عايز يعمل بي بي وبرضو بنفس ذات الحواس والأصوات والحركات والمؤثرات الصوتية، وواضح إنهم عيال مش متربيين قد كدة، وإن جيتو للحق العيلة كلها مش متريية، وده خلى كل الركاب – المفرهدين المصدعين – يبتدو هم ياخدو المبادرة فى حل المشاكل عشان يريحو دماغهم:

– عيب ياحبيبى، إختشى.

– أخوك يابابا .. متعملش فيه كدة.

– خد إنت إشرب إمبو أهوه.

وطبعا مش قادرين نخدم التانى ولا نوجّب معاه فى أى حاجة.

والهانم أمهم طبعا لااازم يكون الموضوع إللى بتكلم فيه أختها أهم من ده كله، والبيه جوزها أكيد برضو موضوعه أهم من عياله و كل الميكروباظ بعواجيزه وعيانينه وحتى ناسه العاديين، واحنا بقة كركاب لقينا نفسنا فجأة مركزين مع العيلة دى كأنه مسلسل تليفزيونى رمضانى، ومتفاعلين، ومتعاطفين وناقص نعيط، ومقطعش تركيزنا ده غير صوت سواق الميكروباص:

إللى نازل المحافظة ياجماعة، ياللا اللى نازل المحافظة، ولما محدش رد ولا نزل ولا حتى قام وقف، السواق مشى، وغالباً دى كانت أسعد لحظة فى حياة سكان الميكروباص كلهم لان – رغم تعاطفنا مع العيال – ضمايرنا من جوة كلها بتتمنى العيلة دى متنزلش محطتهم، ويرجعو مشى، أو نار تنزل من السما تاكلهم ونعتبرهم قربان للميكروباص، المهم إنهم يستاهلو الشقا.

وفجأة الزوج فاق من غيبوبته و قام وقف و قال لمراته:

– ياللا بينا ننزل ياولية لاحسن محطتنا فاتت، حاسب ياأسطى على جمب، مش قولنالك ياأسطى عايزين ننزل المحافظة ؟!!!.

السواق وقف العربية وقام وقف عالكرسى وشه منفوخ من الغيظ وبيقول يا شر إشتر:

– ياأستاذ مانا قولت وزعقت وصوتى إتنبح عاللى نازل المحافظة، إللى نازل الزفت، وإنتو اللى مطرمخين وتايهين آخر توهه.

الزوج : إحترم نفسك وحاسب على كلامك.

السواق : ( بكل شحنات الخنقة والضيق اللى شافها منهم )، أنا إللى أحترم نفسى يابن، ويابن، ويابن.

ملحوظة / الهانم لسة بتتكلم فى التليفون، راح جوزها صرخ فى وشها وقالها:

– ياللا قومى هنتنيل ننزل.

قامت الولية زغرت له زغرة خلته بص وراه كأنه مش هو إللى بيتشطف كده، وراح واخد فى وشه ياكبدى ونازل مالميكروباص.

بس الشهادة لله الست قامت، وخدت عيل من العيال فى إيد والموبايل لسة طبعا على ودنها فى الإيد التانية، وقالت للعيل التانى الجملة المصرية الشهيرة: إمسك فى إيد أخوك ياوله، وجوزها بقة كان نزل وعدى الشارع كمان ووقف يكمل شات عالرصيف، والواد ساب من إيد أخوه وجرى على حيطة المدرسة اللي قدامه وهاتك يا بي بي.

الست نزلت بتكمل كلام مع أختها، وطبعا مش مركزة فى العيال ولا فى الطريق ولا فى الميكروباص اللى السواق بتاعه بدأ يتحرك وهى لسة بتنزل، راحت واقعة متدحرجة بالعيل إللى فى إديها وبقت رأساً على عقب فى الشارع، والواد إتشقلط، وموبايلها اتفك عشرين حتة، وجوزها عالرصيف الناحية التانية ميت على روحه مالضحك، كأن العناية الإلهيه انتقمت له منها، وإمتزجت مشاعر الركاب بين شماته فيهم، وتعاطف معاهم، وتعاطف مع العيال، وإستغراب من الوضع، بس أكتر حاجة سيطرت على الكل كان الضحك، خصوصا بعد ماسمعنا صوت جوزها وهو بيجرى ورا الميكروباص وبيزعق و بيقول:

– الشُنط ياسطى، الشُنط، نسينا الشُنط تحت الكرسى.

السواق وقف، وعدى من فوق روسنا جميعاً جاب الشنط، ورماها لهم فى الشارع، وكل اللى فيها إتبعزق على الارض، وبقينا قدام مسرحية هزلية ساخرة على سيرك قومى، مع شوية رياضات مائية.

أنا بقة عينى كانت على العيلين الغلابة، بصيت لهم بشفقة من الشباك، وفضلت عينى متعلقة بيهم والميكروباص ماشى وهم واقفين متبهدلين عالرصيف، وتخيلت مستقبل العيال دى مع أهل زى دول ( إللى فى منهم كتيييير دلوقت )، ووسط عالم المحمول والسوشيال ميديا ( إللى محاصرنا ومستعبدنا ده ومحطم حياتنا من غير مانحس ).

ياترى هيعملو إيه، و هيتعلمو إيه ؟ وهيتعلمو من مين ؟ وإمتى ؟ وإزاى ؟.

وهيطلعو إيه بكرة ؟ ومين هيراعيهم ؟ وهم دول إللى المفروض هيشيلو البلد بكرة على كتافهم زى ماحنا وجدودنا شيلناها ؟ وهيخدموها زى إحنا وجدودنا ما خدمناها ؟ طب إزاى ؟.

غابو العيال بأبوهم وأمهم عن عنيا، بس لحد النهاردة هم وإللى زيهم ماغابوش عن خيالى.

وجت محطتى و…… نزلت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى