بالصور ..أسرة اللواء عبد الحميد الشاذلي وذكريات النصر
في ذكرى انتصار أكتوبر المجيد، يستعيد أبطاله أمجادهم وبطولاتهم التي ساهمت في تحقيق هذا النصر الكبير، وعودة الأرض والكرامة المصرية.
و رغم مرور 44 عامًا علي تلك الملحمة، إلا أن ذكرياتها خالدة في ذهن اللواء عبدالحميد الشاذلى، رئيس استطلاع الفرقة 19، و الذي تخرج في الكلية الحربية عام 1958، وعين في سلاح المشاة في الفترة من 1958 حتى 1968.
لم يكن “الشاذلي” في مصر وقت نكسة 1967، حيث كان في اليمن واليت قضى فيها ثلاث سنوات، وبعد النكسة، نزل من اليمن إلى السويس، وعين رئيس استطلاع الفرقة 19، ورقى إلى مقدم.
و يحكي «الشاذلى» ما حدث قائلا: في أكتوبر٧٣ كنت أشغل منصب رئيس استطلاع الفرقة ١٩ ولم يكن لدى معلومات عن العدو بالتفصيل نظرا لأننى عشت ٦ سنوات على جبهة القتال قبل العبور. وكنت قد لقنت الضباط والجنود عن تسليح العدو والأعمال المحتمل أن يقوم بها. لقد أعلنت القوات المسلحة عن بدء مشروع استراتيجى لها في غرب القناة، وتحركت الأسلحة والمعدات تحت ستر الظلام قبلها بشهرين بالتدريج وعلى مراحل.
وأعلن أكثر من مرة أنه مشروعا وليس حربا. ولكن بصفتى قائدا للاستطلاع وأشم المعلومة على مسافة كيلو. ساورنى بعض الشك في كونه مشروعا، وتأكدت من هذا بعد أن لاحظت أن الدبابات تتحرك على الجنزير ولا تحمل على لوارى تحميل الدبابات، كما هو المعتاد في المشاريع. وفى عصر يوم ٥ أكتوبر وبعد أن اكتملت جميع الأسلحة والمعدات وأخذت مواقعها في الهجوم في سرية كاملة، وقيام الجنود بإقامة حفلات سمر ليلا، ومنع أي جندى من لبس الخوذه، واستمرار نزول الإجازات. بحيث لا يشعر العدو مطلقا بما ندبره له.
وفى هذا الوقت صدرت الأوامر، بنفخ القوارب وحينئذ تيقنت أنها الحرب مؤكدة. وجاء الغروب ومعه هدوء غريب، وحمل معه الذكريات التي طافت بخيالى حينما احتل العدو أرض سيناء على أشلاء الجنود المصريين، وكيف استغل المواد الموجودة في سيناء لزيادة موارده، واستغل المناطق السياحية بها سواء شرم الشيخ، أو رأس محمد ودهب وسانت كاترين وجبل الطور. علاوة على الزيارات لأفواج السياحة لخط بارليف، وأسطورة استحالة عبوره. كل هذا كان يعطينا دفعة قوية لاسترداد سيناء.
وحينما نظرت إلى قناة السويس، تذكرت قول الخبراء الروس عن الخسائر الفادحة التي سوف يتكبدها الجيش المصرى، في حال عبور القناة. وما كان يشغلنى بل يقلقنى حقا، هو هل ستنجح قواتنا في قفل فتحات النابالم، وهل ستنجح فكرة خراطيم المياه في عمل فتحات لعبور الدبابات والأسلحة الأخرى، إلى الضفة الشرقية من القناة؟ وفى النهاية قلت توكلنا على الله. (وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وفى مساء ليلة 6 أكتوبر، طلبتنى زوجتى تليفونيا من القاهرة، واشتكت لى أنها تجد صعوبة في دخول ابنى «باسم» أي مدرسة فرنسية. وأثناء الحديث معها، سرحت مع نفسى وقلت هل ستكون هذه آخر مكالمة معها؟ وما مصير أولادى «باسم وسالى»؟ وفى نهاية المكالمة وعدتها أنى سوف أحل لها هذه المشكلة عند نزولى الأجازة القادمة.
ويستطرد «الشاذلى» قائلا: في تمام الساعة الثانية والنصف، عبرت من فوق رؤوسنا الطائرات المقاتلة القاذفة المصرية تحت تهليل الضباط والجنود، الله أكبر الله أكبر. لقد بدأت الحرب. وحانت ساعة الانتقام واسترداد الأرض. ثم تقدمت عناصر الاستطلاع وخلف الخطوط بالعربات البر مائية في خليج السويس، وكذلك بالقوارب المطاطية، وبدأت بتنفيذ مهامها بنجاح. تلتها المشاة وباقى الأسلحه المشتركة. وتم محاصرة النقاط الحصينة ثم اقتحامها، وضرب احتياطيات الدبابات للعدو عند بدء تحركها. وبدأت الفرقة في تحقيق المهمة المكلفة بها تحت ستر نيران المدفعية، التي أسكتت معظم مدفعية العدو. ووسط القتال وصلت إشارة إلى قائد الفرقة، اللواء يوسف عفيفى أن إسرائيل دفعت بلواء مدرع من الجنوب ليهاجم الفرقة. وطلب منى تأكيد المعلومة. فسألت عناصر الاستطلاع التي تعمل معى، فأكدوا لى أنه لا صحة لهذا الخبر، وهذه إشارة لتضليل قائد الفرقة لتغيير خطته. وبهذا كشفنا هذه الخدعة الخطيرة، خلال القتال أسقطت ١٢طائرة في نطاق الفرقة، من صواريخ حائط الصد وصواريخ محمولة على الكتف. وبدأ التقدم شرقا لاستكمال المهمة.
وصلنى وفى اليوم الثالث للقتال ٥ أخبار أثلجت صدرى. نجحت قواتنا في سد فتحات النابالم ولم تشعل أي فتحة- نجحت فكرة خراطيم المياه في عمل فتحات في خط بارليف- أسرت قواتنا ٥٦ أسير إسرائيلى- إن خسائر قواتنا في أثناء العبور لا تتعدى العشرات فقط – والخبر الخامس كان من القاهرة بقبول ابنى «باسم»
و بالإنتقال إلي الأبن “باسم عبد الحميد الشاذلي” وهو خريج المعهد العالى للسينما، ويعمل في مجال الإنتاج الإعلامى والسينيمائى، الذي ترتبط ذكري نصر أكتوبر معه بقبوله في المدرسة الفرنسية، وذلك بصفة أن والده مشارك في حرب أكتوبر، و رفضهم قبول أي مصاريف.
«باسم الشاذلى» يقول «كان عندى خمس سنوات، وكان بدء الدراسة وقتها في شهر أكتوبر. ولن أنسى حديث أبى مع والدتى، ليلة 6 أكتوبر، على التليفون الأرضى، وهى تزف له بفرحة غامرة، انتهاء المعاناة بسبب صغر سنى، وقبولى بالمدرسة، بعد أن علموا أن أبى مقاتلا في الحرب. ولم يبلغها أبى بأنها ليلة الحرب. وكانت والدتى تعيش مشاعر متضاربة، ما بين حبها لمصر، وأننا أخيرا سنثأر لكرامتنا ونسترد أرضنا، وما بين قلقها على رفيق عمرها، وخوفها على أبنائها. وهى كانت تقاتل أيضا في تربيتنا، لغياب أبى في العمل معظم الوقت. فكنت لا أراه إلا أربعة أيام فقط في الشهر. وفى الحصار ظل ثلاثة أشهر ونصف دون أن ينزل أجازة ولو يوم واحد. وحتى بعد انتهاء الحرب ظل مدة طويلة على الجبهة، دون نزول.
ويضيف «باسم» وأنا صغير كنت لا أستوعب كل ذلك، وأريد رؤيته باستمرار مثل كل زملائى مع أبيهم، لكن عندما كبرت، استوعبت ماذا تعنى كلمة ضابط قوات مسلحة. فهى تعنى التضحية والإيثار. وهذا أثر على تربيتى جدا، فالنشأة والتربية في بيت ضابط قوات مسلحة، تعنى النشأة على الالتزام والصرامة والرجولة وسرعة اتخاذ القرار، وحسن القيادة. لا أستطيع وصف كمية الفخر التي كنت أسير به وسط زملائى في المدرسة، وأن والدى أحد أبطال حرب أكتوبر. وعن دراسته للفن، وعدم اتجاهه للدراسة العسكرية، أسوة بوالده، أكد «باسم» أنه درس الفن بحرية تامة ولم يعارض والده بل كان يشجعه على دراسة مايحب. فهو نفسه محبا للشعر والأدب والموسيقى، كما كانت والدته أيضا محبة للفنون بألوانها المختلفة، وكانت حريصة جدا على تشجيعه على القراءة منذ نعومة أظافره، ووفرت له مكتبة في المنزل.
أما الحفيد، فيؤكد أنه عاش الحرب من خلال حكايات جده له، وهنا يأتي الحديث مع «زياد أحمد» 21 عاما. حفيده لابنته.
وقال “زياد” هناك 3 حكايات لا انساهم من حكايات جدي: الأولى عن العسكرى الذي أسقط طائرة، وذهب إلى جده واحتضنه وهو يرقص فرحا، ليكتشف جده أنه غارقا في دمه، حيث أصيب وهو يطلق القذيفة من مدفعه، لكن شعوره بفرحة إسقاطه الطائرة، طغت على شعوره بأى ألم ينبهه إلى أنه أصيب. وقام جده بنقله إلى الإسعاف.
والحكاية الثانية عن القنابل المحرمة دوليا والتى استخدمها العدو. وهى القنبلة العنقودية، فبعد انفجار الحاوية الأم تنطلق القنابل الصغيرة فوق منطقة الهدف مسببة دمار وتلف للآليات والمعدات والأشخاص الموجودين. والقنبلة الفوسفورية وهى قنبلة حرارية مدمرة.
أما الحكاية الثالثة، فهى عن صاروخ «التاو» وهو صاروخ فاجأ العدو به قواتنا المسلحة، وهو مقذوف بحرى باتجاه الحرارة. وتم تفاديه عن طريق إشعال النيران في كتل الحشيش خداعا للصاروخ ولجذبه بعيدا عن الدبابات.