تحقيقاتتحقيقات و تقاريرعاجل

” المحروسة ” منورة بـ مولد النبي.. أقباط يوزعون ” حلاوة المولد”.. هي دي مصر!!

تحقيق ـ عادل محمد

ولد الهدى فالكائنات ضياء … وفم الزمان تبسم وثناء ، بهذه الأبيات الخالدة بدأ الشاعر الكبير احمد شوقي قصيدته العصماء التي لا تزال أيقونة الاحتفال بخير يوم طلع على البشرية مولد الهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم .

ومع قرب حلول هذه المناسبة العطرة تتحول شوارع وميادين أرض الكنانة مصر ، المحروسة بعناية الله ووحدة شعبها، إلى لوحة كرنفالية غاية في الروعة حيث تتزين المحال وتضاء الأنوار وتكسو الوجوه فرحة لا تخفى على عين ترى الجمال .

ومن بين مظاهر البهجة التي يعبر بها المصريون عن سعادتهم بهذه الذكرى الغالية الإقبال على شراء الحلوى وعروسة المولد التي تعتبر هدايا غالية يتبادلها أبناء الوطن مسلمون ومسيحيون .

وإذا كانت هذه المظاهر تخص الجانب الشعبي من الاحتفالات، فإن المغزى الاجتماعي والسياسي لا يقل بأية حال روعة وجمالاً، حيث تتحول تلك المناسبة إلى عيد للوحدة الوطنية بين المسلمين واخوانهم المسيحيين .. فالكل يتشارك في الاحتفال وليس أدل على ذلك ما قامت به إحدى المبادرات الإنسانية التي حملت اسم ” بنحب بعض بجد”، والتي انطلقت اليوم وتحديداً عقب أداء المسلمين شعائر صلاة الجمعة، حيث قام عدد من الرموز القبطية من قساوسة وراهبات في مصر بتوزيع حلوى المولد النبوي أمام مسجد جمال الدين الأفغاني بمنطقة مصر الجديدة .

وقد شارك بالحضور هبة سعد مؤسس المبادرة، والأب بولس ساتي، المدير البطريركي لإبراشية الكلدان في مصر، والسير كلارا رئيسة دير راهبات الفرنسيسكان، والراهبة فرنشيسكا بطرس، ووفد من الراهبات وهم الراهبة مرثا سعد، مارينا انطون، ايفا صبحي كما شارك في هذه الاحتفالية الوطنية عدد من نواب البرلمان الأقباط عن منطقة مصر الجديدة وعين شمس .

وبنفس قوة مشاعر الوحدة الوطنية التي تجمع أبناء مصر، يشارك المسيحيون إخوانهم المسلمين في الاحتفال، كل منهم على طريقته، بالمولد النبوي الشريف .. وكيف لا ونحن نجد ” ماري” القبطية وقد غردت على حسابها في ” تويتر” قائلة : “لماذا لا تصدر الكنيسة فتوى بتحريم أكل حلاوة المولد.. أعترف ما أنا فيه الآن حرام.. لقد أوشكت على التهام علبة الحلاوة وحدي “، في تعبير طريف على أبهى ما يكون بوحدة المصير المشترك وتقاسم جميع مظاهر الحياة .

وبصفة عامة فإن مثل هذه الاحتفالات الدينية تحظى في مصر المحروسة بمذاق خاص يندر أن تجده في أي دولة أخرى، بدءً من إقامة سرادقات الإنشاد الديني والابتهالات في مدح نبي الرحمة، ومروراً بتسيير مواكب الطرق الصوفية التي تطوف الأحياء التي يشع منها عبق التاريخ مثل الحسين والسيدة زينب والقلعة، وانتهاءً ببيع الحلوى وعروس المولد .

حيث يصر المصريون على إحياء هذه المناسبة الغالية، ولعل لفظة المصريون هنا دقيقة تماماً حيث يتشارك المسلمون والمسيحيون في الاحتفال بالمولد النبوي، فيتبادل الجيران حلوى المولد التي يتلقاها المسيحيون بذات اللهفة التي ينتظر بها المسلمون ” الطعمية أم سمسم” التي توزع في أعياد إخوانهم الأقباط والتي تعبر عن أحد مظاهر الاحتفال بأعياد المسيحيين، فيكون من أكثر دواعي الفرحة والسرور لدى المسلمين الذين ينتظرونها من العام للعام من إخوانهم المسيحيين، مما يحمل دلالات عظيمة لدى المصريين ترسخ روح الوحدة الوطنية وتعلي قيم التسامح ونبذ العنف والتطرف .

ومع إطلالة شهر ربيع الأول من كل عام يحتفل المصريون بذكرى مولد النبي محمد “صلى الله عليه وسلم” ويتخذ الاحتفال طيلة هذا الشهر المبارك أشكالا عديدة كإقامة السرادقات في الميادين والشوارع وإقامة مجالس الذكر وتلاوة القران الكريم إضافة لازدهار عروض الفنون الشعبية .

وتعتبر معظم القبائل في القرى والمدن المصرية شهر ربيع الأول فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية حيث يقبلون على التعارف والمشاركة في إحياء لياليه وإقامة الولائم وتبادل الزيارات والتهاني بالمولد النبوي الشريف وتتباين مظاهر احتفالات المصريين بذكرى المولد النبوي الشريف في المدن والقرى .

وتقام على هامش الاحتفالات بالمولد في المحافظات المصرية شعائر غاية في الطرافة تبدأ بالوفاء بالنذور لدى ” العتبات المقدسة” لدى المصريين، ويقصد بها أضرحة الأولياء مثل السيد البدوي بمحافظة الغربية دلتا مصر وسيدي الدسوقي بمحافظة كقر الشيخ وغيرها من المزارات الدينية التي يقصدها البسطاء وتضم أيضا عقد الزواج الجماعي في هذه الموالد، بخلاف إقامة مهرجانات ” الختان” الجماعية التي تتم في مشهد قلما وجد سوى في مصر .

ولعل من ابرز مظاهر احتفالات المولد النبوي في المدن هو ازدحام الشوارع والميادين بباعة ” حلوى المولد” وعروس المولد التي تصنع من قوالب الحلوى في صورة عروسة وحصان، ويرجع بعض المؤرخين تاريخ ظهور عروسه المولد في مصر ألي العصر الفاطمي أما البعض فيؤكد أنها عادة مصرية خالصة رابطين بينها وبين معرفة المصريين بعروس النيل منذ العصور الفرعونية بجانب إقامة الندوات الدينية في المساجد واقامة أمسية دينية كبرى يحضرها المحافظون ورؤساء المدن وتتخذ طابعا رسميا في تنظيمها .

أما القرى التي تنتشر فيها الطرق الصوفية وأضرحة الأولياء والعارفين فتخرج “دورة المولد ” في صبيحة يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول في صورة كرنفالات شعبية ينظمها رجال الطرق الصوفية ويتقدمها الخيالة وراكبو الإبل المزدانة بقطع القماش المزركشة يليها اتباع الطرق الصوفية حاملين الدفوف والسيوف يتبعهم أصحاب الحرف المختلفة فيطوفون أرجاء القرى ويصلون إلى المدن أحيانا ويبدأ الموكب من أمام أضرحة العارفين وينتهي عندها أيضاً في حركة دائرية حول القرية .

وفى الطريق تلقى عليهم النساء من شبابيك وشرفات المنازل الحلوى “وترش” عليهم الروائح العطرية وتصدح بالزغاريد والدعاء بان تعود تلك المناسبة والجميع في خير وسلام .

وكعادة المصريين في الاحتفالات بالمناسبات المختلفة للخروج من عوالم حياتهم الضيقة ألي عوالم أكثر بهجة ورحابة، تقام ولائم الطعام في الدواوين وينشد الفنانون الشعبيون الأشعار والابتهالات وتقام حلقات الذكر .

وفى مناسبة المولد الشريف لابد من قيام كل أسرة بإرسال حلوى المولد والعشاء أي اللحوم والخضراوات لكل بناتها المتزوجات حديثاً، كما تتلقى كل فتاة مخطوبة حلوى المولد من خطيبها بمنتهى السعادة كأغلى هدية يمكن تلقيها أيضا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى